السبت، 18 نوفمبر 2017

لعنة الفحم.. للـأديبة - فدوى زياني



كان أحمد، الشاب العشريني، يخرج كل صباح... متجها صوب مقر عمله البائس، رفقة مجموعة من أبناء جيله. يحفرون في أعماق الأرض ... وفي أعالي الجبال ؛ لاستخراج قنطارات الفحم مقابل بضعة دريهمات لا تكفي لقمة عيش مرة مكسوة بطعم الفحم، لسد رمق أسر باتت تئن في صمت من الظلم ...من الفقر...من العوز ...ومن المرض. أسر محرومة من أبسط حقوق العيش.
أخذ أحمد يحذو حذو والده الطريح الفراش جراء إصابته بمرض بات نتيجة حتمية لكل عامل يشتغل في إخراج الفحم ؛ "السليكوز".
فقد وجد نفسه فجأة في مواجهة شبح الواقع المر رغم صغر سنه، يتكلف بعلاج والده ويعيل أسرة تتكون من خمسة أفراد..
مع مرور الأيام ..الشهور...والسنين تعمقت معاناته وتكررت مآساته.
كعادته استيقظ باكرا في صباح الثامن من سبتمبر..ارتدى ملابسه الرثة...تناول كوب شاي وقطعة خبز جافة. اتجه إلى الغرفة حيث يمكث والده منذ سنوات.. أمسك بيديه الخشنتين وأخذ يتحسسهما بهدوء ويتأمل أثر الفحم الذي لا يزال عالقا بين ثناياهما... مسح بهما على وجهه وقبلهما بعمق .انصرف وعيناه ، المحاطتان بهالات سود قد اغرورقت بالدموع..
في البهو وجد أمه، جالسة على سجادة الصلاة، انحنى ليقبل رأسها فأمسكت بيده وهمست له قائلة: "تماسك يا بني وكن رجلا، كان الله في عونك".
أفلت يده من يديها برفق وانصرف كعجوز يجر خطواته دون أن ينبس ببنت شفة، متجها نحو تلك الحفرة اللعينة.
انهمك في عمله. بدأ يردد رفقة أصدقائه بصوت مبحوح أغنية بعنوان "الحياة" لكسر الملل أو ربما ليقتنعوا أنهم فعلا لا يزالون على قيد الحياة..
بينما كان أحمد يحفر في باطن تلك الأرض الجائرة في صمت مطلق، كانت ذاكرته تعج بالهموم والهواجس، تطارده صورة والده الذي أنهكه المرض ، وأمه التي لا يزال صدى صوتها يدوي في أذنيه ... لعن ظروفه القاسية ولام وطنه الجائر بينه وبين ذاته.
فجأة انهار الصخر على جسده النحيل، فبدأ يصرخ بأعلى صوته مستنجدا بأصدقائه، الذين التفوا حوله في غضون بضعة ثوان.. أخذوه إلى المستشفى فاقدا للوعي. وهناك لفظ أنفاسه الأخيرة ....!!! تاركا كل فرد من أفراد أسرته يتخبط في أسى وحزن عميقين.

فدوى زياني

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة