أستغفر الله..ق.ق.بقلم.أ.أيمن حسين السعيد..سورية
اتجه الأستاذ خالد صوب
الباب غاضبا ومحتدا قائلا لها:
-لعن الله اليوم الذي تعرفت فيه عليك
فردت عليه وهي خلفه
-حدك الجهنم درب جهنم بلا رجعه إن شاء الله.
وصفق الباب خلفه بقوة محدثا دويا هائلا.
فخرج زوجها محمرا وجهه يتقطر عرقا من غرفته وهو يضع الشماخ الأحمر على رأسه الأصلع وقال في صوت فيه نبرات البغتة والمفاجأة.
-ماذا حصل يا فريال.
-طردت الأستاذ خالد ولا أريده أن يعود.
فابتسم ابتسامة هزيلة، وسرعان ما دلف حجرته و أغلق بابها بهدوء.
لم تكن المرة الأولى التي تطرده فيها فريال من البيت،فلطالما تكرر هذا الموقف بين فريال وبين الأستاذ خالد معلم ابنها خلدون .
وعلى غير المألوف لم يمض يومان،حتى رن جرس الباب،والوقت قبيل صلاة الجمعة ضحى، فاليوم يوم عطلة مدرسية،فتهادت فريال بجسمها المكتنز المتناسق والذي لا اعوجاج فيه،وقامتها الممشوقة، فلما فتحت الباب بدا الأستاذ خالد بوجهه مبتسما وعينين لامعتين يردد قوله:
-يسعد صباحك ست فريال.
فأجابته في لهجة ودودة وهي تعض شفتيها المنتفختين.
-جمعتك مباركة يا أستاذ..
ودخل الصالون وهو يشمخ برأسه ويبرز بصدره بشده لبطنه ويمشي بخطى رزينة وكأنه في استعراض عسكري،وقال:
-الظاهر أن أبو خلدون غير موجود حتى فتحت الباب بنفسك.
-كما ترى يا أستاذ.
وتنهدت وهي تواصل حديثها.
-شغل بالأرض وشغل بالبيت وسعادة البيك أتمنى منه مرة أن يساعدني في شيء والله يحفظه لا يهمه إلا نفسه.
-اتركي عبدو بيك لشغله....الله يعينه..أنا بأمر عيونك أنت فقط أأمري!
كان الباب الذي في آخر الصالون قد انفرج قليلا وظهر بحذر عبدو بيك أفندي بوجهه النحيف الأحمر وهو كالعادة يضع الشماخ الأحمر على رأسه ويلبس نظارته الطبية الغليظة، ترتسم على وجهه ابتسامته المعهودة الهزيلة.
وانتهى وقت الدرس قضاه الأستاذ خالد مع الصبي خلدون يشرح له مواد التعليم ويستمع له مع الإعادة لكي يحفظه الدرس في جهد جهيد.a*s
بدأت رائحة اللحم بالصينية تنساب إلى أنفه عبر الرواق فخلع الجاكيت وشمر كميه وذهب المطبخ حيث الست فريال واتخذ مقعده بجانب طاولة المجلى وانهمك يفرم البصل والطماطم وهو يتحدث مع ربة البيت في حديث ذي شجون.
وضمت مائدة الغداء أعضاء الأسرة جميعا عبدو بيك الزوج والست فريال الزوجة وخلدون الابن والاستاذ خالد المعلم فليس غريبا أن يعد نفسه الأستاذ خالد عضوا فاعلا في كيان الأسرة فأعضاؤها يرحبون بذلك منه، ويفسحون له بينهم مجال الصدارة لما آنسوه فيه من طيبة واخلاص ووفاء وخاصة أن للأستاذ له مكانة محترمة في بيئتهم في أرياف حلب الشمالية الشرقية.
وفي أثناء الطعام، مضى الأستاذ خالد يبادل الزوج أحاديث مستفيضة عن الزراعة واختيار البذار المناسب والمربح لأراضيه،فقد كان الزوج يمتلك آلاف الهكتارات المحاذية لشقة المياه القادمة من نهر الفرات وهو منهمك في بذارها بالقمح وغيره من البذار وهو يعمل جاهدا على الإنتهاء من بذارها قبل فوات أوان الوقت المحدد.
وتشعب الحديث بين الزوج والأستاذ، حتى ضجر الغلام وبدأ يرفع صوته بالغناء بلهجة بدوية فقالت الست فريال متأففة:a*s
-الله يقطع الرزق والأراضي بالليل والنهار اقلبوا صفحة الحديث عفن قلبنا من الشغل والأراضي العمر يخلص والشغل لا يخلص.
فقال عبدو بيك للأستاذ :
-هذا حالها دائما ....تضيق ذرعا بالمناقشات التي يرتد فيها الخير عليها وعلينا،ولا تعطيها الإهتمام وتقدرها حق قدرها.
-ماشاء الله اهتمامك بي وتقديرك أغرقني ببحرك صحتك ووقتك لأراضيك ورزقك أما أنا ياحسرة؟! يارجل اعتبرني أرضا من أراضيك ألا يلزمها حراثة وسقاية وغيره من الحنان والاهتمام.
فقال الأستاذ خالد متشدقا:
-هو ماذا يفعل؟! ألا يركض ويتعب ويشقى أليس من أجلكم ياست فريال وهو لا ينقص عليكم شيئا.
فتلاعبت الست فريال بشفتيها المنتفختين وحاجبيها وقالت وهي تلحن كلماتها تلحينا تمثيليا
-لا ينقص علينا شيء هههه البركة فيه وفراشه يشهد عليه،يأتي من عمله ويحبس نفسه في غرفته ينام وينساني وينسى الدنيا ومن عند شقشقة الضوء يخرج اتركنا منك أستاذ خالد ومن هذه السيرة.
غمغم الزوج: ناكرة للجميل!وحمل شماخه الأحمر على كتفه،واتجه صوب غرفته ورد الباب خلفه.
فقال الأستاذ خالد وهو يلتقم آخر فص في برتقالته:
-إنه رجل يستحق كل احترام وتقدير.
فضربت الست فريال الطاولة بقبضتها وهي تقول له بصوت عال أرعبه
-حضرتك ضب لسانك أحسن لك.
-أنا أتحدث فيما أرى فيه خيركم ومصلحتكم.
- لو كنت تريد مصلحتي لأقنعته بأن يرسل لي أخواته أو أي أحد يساعدني في تعزيل وتوضيب البيت القلعة هذا
-أنت كسولة ولاتحبين العمل.a*s
-يارجل أنا لا طاقة لي بضيوفه ومنزله الكبير هذا ليس لي عمل إلا الطبخ لضيوفه الذين يلزمهم طباخ جيش والتنظيف والتوضيب وفوق هذا عند الموسم أدور من معلمة حصاد الى معلمة لأدبر له ورشات الحصاد.
-والله ياست فريال أنت لايعجبك العجب أنت في نعمة اشكري واحمدي الله عليها.
-تقصد أنني سيئة ولست راضية بالنعمة.
-العفو منك ياست فريال ولكن ألف امرأة تتمنى أن تكون زوجة لعبدو بيك.
-أنت واحد لا تفهم ولاتستحي.
-وأنت ست نيرانية لا يحتملك إنسان.
-اخرس
-وإن لم أفعل.
-والله أصرميك بفردة بابوجي.
-نمرة صرمايتي خمس وأربعون أردها عليك أقوى وأعنف.
-انقلع من هنا .
-ياالله الله يلعن اليوم الذي تعرفت فيه عليك.
- انقلع حدك الجهنم.
وصفق الباب خلفه بقوة كما في المرة السابقة.
-حقير الله يلعن أبوك.
وهاج الغلام وماج وتعلق بخصر أمه خائفا.
وانصرمت أيام...........
ولعلع جرس الباب.........
وفتحت الست فريال
ودخل الأستاذ خالد مبتسما كعادته وتشع عينيه بهجة وفرحا وهو يردد كعادته
-يسعد صباحك ست فريال
-وصباحك أهلا وسهلا بالأستاذ خالد.
وأقبلت عليه تواصل حديثها معه:
-والله إنك ابن حلال مصفي وفيك الخير لا تنسانا مهما بدر مني بحقك.
-ياسلام وهل عندي أغلى منكم وأنا في غربتي ليس لي أحد غيركم غوالي.
مسحت الست فريال عينيها اللتين اغرورقتا بالدمع.
-أنا كنت وقحة وقليلة الأدب معك أنا لازم أعتذر لك وأقبل رأسك سامحني يا أستاذ خالد.
-العفو منك العفو منك ست فريال.
واستطاعت أن تقبل رأسه وهو يدفعها عنه.
-لا تؤاخذني...قهر الله كله على رأسي...شغل البيت ثقيل...وأنا وحدي أقوم به.
-أنا مقدر لظروفك...حسبك الله والله أنت قلبك طيب ونيتك صافية.
-ألف شكر يا أستاذ
-عندي مفاجأة لك.
أشرق وجه الست فريال وقالت: ماهي
-جئت لك ببنات الصف السادس يساعدنك في تعزيل وتوضيب المنزل قبل دخول الشتوية.
فانفرجت أساريرها وهي تدعو له.
ودخلت البنات وبدأن والست فريال في عملهن وأدينه معها على خير ما يرام.a*s
تم التعارف بين أسرة عبدو بيك والأستاذ خالد عندما انتدبته وزارة التربية والتعليم منذ سنتين كمعلم وكيل في ريف حلب الشمالي الشرقي وكان من عادة أهل أي قرية أن يقوم كبير القوم أو المختار باستقبال الأستاذ وتأمين مستلزماته ومتطلباته وبشكل عام كانت بيئة تلك المناطق خاما وتقدس وتحترم المعلم الوافد عليهم ويهتمون بالعلم كاهتمامهم بالأرض بل وأكثر.
قدمه رئيس المخفر الى عبدو بيك المختار والرجل الأكثر ملكية والأغنى في المنطقة.
-حضرته الأستاذ خالد المعلم الجديد
-أهلا وسهلا بالأستاذ أهلا وسهلا تشرفنا.
والحق أن الأستاذ خالد كان يعمل قبل التحاقه بالتعليم في صفوف الجيش كفني متعاقد لمدة خمسة عشرة سنة وبعد انتهاء عقده التحق بالتعليم الحكومي،لحصوله على مرتب تقاعدي زهيد.وله قلب من ذهب ولم يحظ بما خطط له في أن يصبح ضابطا أو حقوقيا وهو خلوق وكان الجميع يشهد له بالوفاء والاخلاص.
وملف خدمته يشهد له مما جعل وزارة التربية تقبله على قيودها كمعلم خاصة وأنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره عند نهاية تعاقده.a*s
بطبيعة الحال كان في المدرسة غرفتين خاصتين بالمعلمين والمعلمات الوكلاء والأصلاء المنتدبين والمنتدبات من وزارة التربية وهي كسكن لهم باعتبار أن معلمي تلك المنطقة قليلون فتوفد وزارة التربية اليها معلمين من مختلف المحافظات البعيدة.
زاول الأستاذ خالد مهمته مع خلدون بعد أن وثق صلته وحاز على ثقة عبدو بيك ومع توالي العشرة معه لمدة زادت و دامت أكثر من سنتين وبسبب إلمام الأستاذ خالد وفهمه في الأمور الزراعية وهذا ما أوجد قاسما مشتركا بين الرجلين وخاصة أن نصائح الأستاذ خالد لعبدو بك في الأمور الزراعية كانت صائبة وفي محلها وكانت ذا نفع ومردود جيد على عبدو بيك.
وكان عبدو بيك قدرزق بولده الوحيد بعد سبع سنوات من انقطاع الخلفة عبر زراعة مايسمى طفل الأنابيب ولذلك كان شديد التعلق به وعاهد نفسه أن يجعل منه شيئا عظيما فطلب من الأستاذ خالد تعليمه وتربيته ولم يتوان الأستاذ خالد عن تلبية طلبه ليس في هذا المجال فقط بل عبر استئجاره الأراضي أو مشاركة عبدو بيك في الكثير من الأمور الزراعيةإذ أنه عشق تلك المنطقة لخصب تربتها الزراعية شبه البكر وقرب نهر الفرات الجميل من تلك الأراضي بل وقام بتربية النحل في تلك المنطقة لتوافر أزهار صحراوية فيها بكثرة مثل القيصون والطيون والشفلح والشيح والجيجان بالإضافة الى القطن الذي يقوم أهل تلك المنطقة بزراعته إضافة إلى توفرمياه الشرب للنحل وأزهار مائية كرحيق للنحل الذي يعشق تربيته.a*s
ووفاء منه لعبدو بيك أنشأ له ولده تنشئة جديدة إذأنه كان كلما زار حلب يذهب إلى مكتبة أيوب بالسليمانية ويجلب معه لخلدون وسائل إيضاح تعليمية لرفع مستواه وجعله محبا للعلم ومتفوقا فيه.
لم تمض أسابيع حتى غطى جدران حجرة خلدون جداول جميلة كلوحات جميلةوملخصات دروس زاهيةالألوان وزينها أيضا بشهادات التقدير المذهبة والمفضفة في إطارات براقة تحوي حكما ومواعظ في الحث على العمل وتنشيط الهمة وتبشير المجتهد بما ينتظره من نجاح وفلاح.a*s
ذات مساء،سمعت الست فريال ضوضاء وضجة تنبعث من حجرة ولدهاخلدون وهو وقتئذ بين يدي معلمه الأستاذ خالد،فسارت بحذر وبتلصص لتنظر عبر فتحة باب الغرفةالى ما يحدث فرأت المعلم و ابنها مقنعي وجهيهما بقناع ساسوكي وسانشو وهما شخصيتين كرتونيتين،وهما يدوران في الغرفة متواثبين متصايحين وفي أيديهما سيوف من البلاستيك فاقتحمت الغرفة غاضبة.
-ماهذا يا أستاذ؟أهكذاهو التدريس والتعليم.
فدنا منها بقناع وجه سانشووقال:
هذه طريقة تربوية علينا أن نعطي المريض حبة الدواء مغلفة بالسكاكر.
فرفعت فريال حاجبيها وأخفضتهما،وانصرفت وهي تمتص شفتيها.a*s
كان الأستاذ خالد يحضر للدرس مساء كل يوم وصباح كل جمعةيعطي درسه ويمضي الى سكنه في المدرسة وبناء على مااتفق عليه مع عبدو بيك فلا تعدو علاقته بربة البيت وزوجها المختار تحية متبادلة وحديثا عابرا عن بعض الامور كالجو وتقلباته والزراعة وأحوالها وعن خلدون ودراسته وما أحرزه من تقدم.
وبينما كان الأستاذ خالد مرة يلقن غلامه الدرس،نشبت مشاحنة بين الست فريال واحدى العاملات عند عبدو بيك زوجها انتهت بطرد العاملة من البيت.
فخرج الأستاذ خالد الى الصالون فإذا بالست فريال ترغي وتزبد،فطلب منها أن تهدأوراح يطيب خاطرها،وانحى باللائمة على عاملات الأراضي ووقاحتهم...وامتد الحديث الودي بينهما وكان ختامه أن قال لها:
-لاتلقي بالا لهذا الامر وإذا ما احتجت إلى عاملات لتعزيق الأراضي فأنا أدبر لك منهن ماتريدين وبأجر مناسب.a*s
انفرجت أساريرها وقالت:
-الله يكرمك يا أستاذ.
ومن بعدها بدأ يجلب للست فريال ماتحتاجه من المدينة ويتدخل في أمور زوجها الزراعية وتأمين مايحتاجه المنزل من أصلاحات كهربائية وكثير من الأمور التي يحتاج فيها الزوجان الى حل معضلة ما تعترضهما أو تأمين احتياجاتهما وحتى الخاصة منها.
بالإضافة الى تعليم الست فريال بعض الطبخات التي تشتهر بها منطقته.
ذات يوم دخل الأستاذ خالد فرأى الست فريال بوجه شاحب ودمع سخي يسيل على خديها وبصوت مختنق
-خير أم خلدون لست على مايرام.
-الولد سيموت بين يدي ولا أدري ماذا أفعل.
-اندفع الى غرفة الصبي فوجده محموماوقد اصابه الهذيان.a*s
حمله ونزل به بسيارته الى المدينة لعدم وجود طبيب في القرية النائية تلك.
وعاد به في المساء يحمله بيديه والدواء.
ومنذ تلك الساعة،لزم الأستاذ حجرة الصبي لا يغادرها إلا لضرورة وهو يتعهد الصبي كما يتعهده ممرض متمرن وذلك لاتباعه دورة تمريض خاصة بالهلال الأحمر في ريعان شبابه،يضع له كمادات بدقة ويواليه الدواء ويقوم بحقنه الإبرة بمواعيدها المحددة حسب وصفة الطبيب،بل كان يمرح ويمزح معه بل وكان يعينه حتى على قضاء حاجته حتى تماثل للشفاء تماما.
ازدادت صلة الأستاذ خالد بالأسرة وتوثقت وترسخت احتراما وتقديرا ووداحتى أنه تم رفع الكلفة فيما بينهم.a*s
وكلما اشتدت المشاحنات بين عبدوبيك والست فريال كانوا يحكمونه في شجارهم فيصلح الأمور بين الطرفين وينهي الأمور
بعد الصلح بكلمة اعتاد تكرارها.
-الدنيا فارغة لاتستأهل يالله اذبحوا لنا الشاي أو القهوة.
قضت الأسرة أوقاتا طيبة بعشرة وصحبة الأستاذ خالد،كان عندما يعود إلى غرفة سكنه المتواضعه في المدرسة يترامى الى فراشه سارحا في أحلام وخيالات شتى...
وفي يوم من الأيام دخل المنزل و كانت الست فريال ترتدي لباسا خفيفا، جلابية نسائية خمرية رقيقة النسيج تكشف فيها عن ذراعيها العبلتين وصدرها الممتليءالرجراج وساقين مكتنزتين وقدمينa*s موشومتين بالحناء..فبهت الاستاذ خالد بهذا المنظر المثير يعب منه عبا،وإذ به يصحو من سكرته مناجيا نفسه استغفر الله العظيم.
وتحدث معها بجدية:
-كيف الحال يعطيك العافية أراك لست على مايرام ومتضايقة.
-شغل البيت لاينته غسيل أوجه ملاحف وشراشف وبياضات وكله كوم وغسيل ملابس عبدوبيك المتسخة من شغل الأراضي كوم.
-شغلة بسيطة ست فريال.
وخلع الجاكيت والصديرة وشمر عن كميه وعن بنطاله حتى الركبة،وجلس القرفصاء وطفق يتناول ملاءة مشبعة بالماء وأخذ يعصرها بقوة وعزم،ويتناول غيرها حتى أتم عصر مافي الغسيل كله،وترك مكانه وهو يحس أن عشرا من الأيدي تعتصره وأشبعته طيا ونشرا ورأى أن يكمل واجبه فحمل سلة الغسيل وصعد بها الى السطح ونشر مافيها من الغسيل على الحبال وهي تراقبه مبتسمة مندهشة من مهارته،ثم نزل الى الصالون متكئا على الأريكة متهالكا مبتسما وهو يمسح عرقه.
وإذبالست فريال وبيدها صينية يتوسطها ركوة القهوة وكأس ماء وفنجانيين،وطغى على أنفه والمكان رائحة عطرها الشذي.....وجلسا يشربان القهوة الساخنة ويتهلل وجهيهما فرحا وسرورا.
بعد أن انتهت الحصة المخصصة لخلدون مكث الأستاذ خالد في الغرفة والفتى إلى جانبه فتناهى الى سمعه وقع قدمين فهب يلبس الجاكيت وإذ بباب الغرفةيفتح من غير استئذان أو طرقa*s
-يسعد مساك أستاذ...الى اين مستعجل الى غرفتك الخربة بالمدرسة.
وقعت عينيها على كرة في يد ابنها فواصلت حديثها قائلة:
-الا تريد ياخلدون أن يبق الأستاذ خالد معك ويلاعبك.
فأجاب وهو يضحك
-نعم ياليته يبقى ويلعب معي.
أخذ كرته والتصق بأمه فدفعته نحوباب الغرفة ليخرج منها.
وهم الأستاذ خالد بالخروج وختم بقوله: قواك الله بخاطرك ست فريال.
فأجابت وهي تطقطق باللبان بين شدقيها
-أي قوة الروماتزم ماسك رقبتي.
-سلامتك
-الوجع ذبحني يا أستاذ.
وتابعت وهي تفرقع بالعلكة بتفنن وهي تلف وشاحها الوردي الحريري على رقبتها وهو للزينة أكثر منه للوقاية.
-كيف تعالجين ألم رقبتك.
-بمرهم أدهنه ولكن ياحسرتي يداي أصابهما التنميل وتصلان علي ولا أجد من يقوم بدهن رقبتي فأضطر أن أدهنها بنفسي رغم ألمي الشديد.a*s
-اطلبي من عبدو بيك يدهنها لك لن يمانع.
-ههههههه ربنا يأخذه مثل التمثال لا ينفع لشيء.
-هههههههههه والله انا لدي خبرة بالتدليك ولكن!!!!
-لكن ماذا تستطيع تدليك رقبتي أم لا؟!
-طبعا أستطيع.
فغمزت بعينها وقالت بخباثة ودهاء.
-هل تتكرم وتسمح لنفسك بتدليك رقبة سيدة موجوعة يا أستاذ.
-ومالمانع
فتوقفت عن مضغ العلكة هنيهة وهي تحدق فيه .
-أنت قليل حياءو لاتستحي أبدا.a*s
-فيم الحياء أنا رجل جدي.
-يعني عينك ليست بزائغة امام مفاتن النساء.
-مطلقا
-فرمقته بنظرة فيها الإثارة والإغراء.
-حتى معي ....معي أنا؟!
وتلاقت أعينهما
وهب الأستاذ خالد من مكانه واقفا يردد قوله:
-أستغفر الله العظيم
ثم قال لها بصوت مرتفع
-أناأمزح معك ست فريال وأنت نظراتك ليست بريئة
-ههههههه ياسلام أنت ماشاء الله عليك تشر براءة
-أنا عندما أكون معك ،لا أحسب نفسي الأستاذ خالد ،بل خالتك أم خالد هههههههههههa*s
فقامت وهي تسوي ثوبها عليها.
-أتعني أنني لا أثيرك ولا أهز عاطفتك.
-عفوا....ولكن..
-لست أنا قد المقام أليس كذلك؟!
-ياستي...... العفو ...
-لا أستحق نظرة منك...
-لم أقصد ذلك...
-ماذا تقصد ههه ألايوجد لديك شعور أو احساس.
-أنا لا أشعر أنا لا أحس كيف ذلك يعني مهبول؟!
-طبعا لا...ولكنك تحكم على نفسك بأنك لست رجلا كالرجال.
- الله خلقني رجلا وأحس وأشعر شعور الرجال من هنا إلى عند الله ولا أرضى لنفسي أن أكون مثلك كصنف من النساء.
فنظرت له نظرة مفترسة نكراء.
-أنت قليل أدب....ووقح.
-مهما قلت،فأنا ثابت على موقفي.
-اخرس قطع الله لسانك.
-وإن لم أخرس؟
-أصرميك ببابوجي
-وأنا أصرميك بحذائي الإكس لارج.
-انقلع من هنا حدك جهنم إن شاء الله.
-لعن الله اليوم الذي عرفتك فيه وصفق الباب خلفه بقوة
-لعن الله أبوك حقير وحمار.
انفرج الباب في نهاية الصالون وأطل عبدو بيك بشماخه ونظارته السميكة
-ماذا هناك يا فريال.
-حضرةالأستاذ الذي عرفتنا عليه يحتقر النساء ليس لهن عنده أي قيمة واعتبار ولا اريد رؤية وجهه ثانية.
ظهرت نتائجa*s الامتحان،ونجح خلدون وحاز على الشهادة الابتدائية بتفوق،فذبح المختار على شرف نجاح ابنه الخراف وأولم للقرية كلها ودعا المعلمين والمعلمات ورئيس مخفر الشرطة ومن معه.
تأخر في تلبية الدعوة وتضايقت الست فريال من هذا الأمر مؤنبة ضميرها ولكن من أجل عبدو بيك ذهب بعد أن انفض الجمع وانتهت الوليمة وماإن علمت فريال بقدومه حتى استقبلته بزغرودة هزت أصداؤها أرجاء المنزل الكبير وهي تطوق كتفيه بذراعيها العبلتين:
-مكافأتي لك هذه القبلة!
وقبل أن يحار جوابا،وجدها تطبع على خده قبلة عارمة فيها توق المحروم.a*s
-والله غيرك يدفع فيها آلاف الليرات ولاينالها....!
وقضت الأسرة وقتا هانئا بصحبة الأستاذ خالد تتبادل الاطراءات والمدح ولما عاد إلى غرفته ترامى على فراشه كالعادة يسرح في خيالات وأحلام شتى.
أوقاتا طيبة وهانئة قضاها الاستاذ خالد مع أسرة عبدو بيك وهو الذي أمضى حياته لم يسكن إلى زوجة ولم يؤنسه ولد،ولم يألفه قريب....هناك زوجه وولده وذووقرباه..هنالك بهجة الحياةوأنسها من حوله..أما هنا في غرفته فليس إلا العزلة والوحشة والاكتئاب.
رفع يده يتحسس خده وموضع قبلة فريال العارمة التواقة فتهللت أ ساريره وترقرقت أحلامه.
علمت الأسرة أن الأستاذ خالد نزيل أحد المستشفيات لرشقة شلل أصيب بها على أثر وسواس قهري عصبي نجا منها بأعجوبة فزارته محملةبالهداياa*s والألطاف ،ولبثت معه يوما كاملا تتعهده بالرعاية والحنان وأوضح لهم الطبيب المعالج حالته وانه يلزمه الرعاية والاهتمام وابتعاده عن أجواء نفسية مزعجة له أو أن تحزنه وتقهره لأنه يوجد احتمال اصابته بجلطة دماغية تودي بحياته إن استمرت حالته النفسية في تراجع.
توالت زيارات الست فريال له في المستشفى،وأحلت نفسها كممرضة له،وتفرض عليه سلطانها التام وهو مذعن تماما لها وسعيد بها،
يستشعر ضعف الطفل وتطلعه إلى من يحنو عليه ويرعاه.
ومرة وهي تعطيه الدواء وتجرعه كأس الماء قال لها:
-إن مت ياست فريال ماذا تفعلين؟
فقالت وهي تضع كأس الماءبشرود على الطاولة.
-لاتخش شيئا سأحي لك مأتما عامرا بالمشايخ والقراء وسأذبح لك الخراف وأوزعها على الفقراء على نية أن يرحمك الله وسأظل أدعو لك ماحييت.
وما إن عادت الى وعيها ضربت صدرها بيدها ودنت منه
-إياك أن تعملها يامهبول.
-وإن عملتها
-كفى الله الشر والله أرمي بنفسي من شباك المستشفى!
-ياالله.....ترمين بنفسك.
أمسك بيدها فتألق وجهها ومسحت دموعا سالت على خديها وقالت له بصوت لطيف هاديء فيه نبرة الصدق والحب
-إذا متa*s فسأخاصمك...أتفهم أم لا؟!
وابتسما وقهقها ضحكا.
أيقن الاستاذ خالد أن هناك شخصا معينا يريد له الخير والحياة،شخص اتصلت أسبابه به هو يعرض نفسه وحياته للخطر إذا أصابه هو مكروه أوداهمه خطر ما،فيجب أن يعيش ويهزم الموت ويستخلص نفسه من براثن الأسى والعدم.
لن يموت...لن يموت ما دام هناك من يرغب ببقائه حيا.
غادر الاستاذ خالد المستشفى،وهو بكامل صحته وعافيته ورجع الى قواعده سالما يفعل مايفعل كما جرت العادةمن تدريس في المدرسة وتعليمa*s خلدون ومساعدة عبدو بيك والست فريال بأعمالهما وبنجاح منقطع النظير، وممارسة عشقه وهوايته في تربية النحل فقط أمرا واحدا لم يقو على القيام به مع سهولته وضآلته وهو القيام بتدليك رقبة الست فريال عندما تأتيها نوبة الألم والوجع من الروماتيزم الرقبي اللعين خاصتها،فقد كان يمثل أمامها وهو يحدق إلى المنديل الحريري المورد حول رقبتها،ويتيه للحظات،مصغيا إلى صوت نفسه مرددا:
أستغفر الله العظيم أستغفر الله العظيم.a*s
بقلم أيمن حسين السعيد...سورية
***********************
***********************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق