تأوجَ الزَّهرُ نقاءً
لم تكن مخطئاً أيُّها الجمالُ حين قلتَ لي بلهجةٍ صارمةٍ ، تقدحُ حسراتٍ و كآبةً ، و أنا أتأملُ صروحَ الحضارةِ في هيئةِ الأممِ : يازُمرُّدَتي كيفَ لوطنٍ أن يتعافى من كلومهِ البليغةِ، وقد تمرَّدَ الطينُ عليه ؟! نبتَ لهُ أنيابٌ تنهشُ لحمَ السنابلِ ، ومخالبُ وحشيةٌ تبترُ أجنحةَ الفراشِ وتقتلعُ حناجرَ العصافيرِ و لاتشبعُ . صلصالٌ ماردٌ لم تعرفهُ الأممُ المتقدمةُ ، يسحقُ وريقاتِ المحبةَ ، يعشقُ شهدَ المناصبَ ، يختالُ كالعروسِ ، يزهو بأساورِ الذَّهبِ ، فيهِ صناديقُ صدئةٌ تثقبُ شرايينهُ ، تهلكُ النبضَّ ، قيحُها القميءُ يسبحُ في أوردتهِ ، و علقمُ قهرها جرادٌ يسحقُ زهرهُ ، ويستبيحُ العطرَ .
صناديقُ مترعةٌ بالدولارات والدراهم ، تجرُّ عرباتٍ فارهةٍ ، تزهو بها أفخرُ ماركاتِ العالمِ المتحضرِ
تقيمُ الولائم ، تأكلُ في الفنادقِ تحضر المسرحياتِ والمهرجاناتِ ، تقتلُ وتخطِّطُ لاغتيالِ أصحابِ الفكر والريشةِ ، ذوي البحثِ و القلمِ وتحظى بجوائزِ السَّلامِ الدوليةِ ، تبتاعُ أعلى الشهاداتِ لأضعفِ العقولِ من أكبر الجامعاتِ وتدوسُ على تيجانِ الزهرِ ، تلبسُ الريحَ ، و كلما عاندتها بنفسجةٌ طموحٌ نحرتها برمحِ الأنواءِ . على الضفةِ الثانيةِ لنهرِ الحياةِ لوحاتٌ زاخرةٌ بالفنِ واللون ، بالنغمِ والحبِّ ، أشجارُ نخيلٍ متنوعةُ الموجاتِ كالكرومِ المتدليةِ بالنبيذِ ، تسحقُ تحتَ سنابكَ الجهلِ الحديديةِ وعجلاتِ الخرافةِ بعيداً عن كميراتِ المراقبةِ والإعلامِ .
ولكنْ لاتيئسْ يافارسي الأميرُ ، نهرُ الحياةِ يتجدّدُ كلَّ يومٍ ، فغايةُ البهاءِ مواكبُ الزهرِ وهي تخطو كحسانٍ تخفقُ قلوبهنَ بالشعرِ على رسلِ الدروبِ الريفيةِ ، و كلما سُحقتْ صهلَ عبقها وتضوَّعَ في الكونِ ، كل أموالِ العالمِ لاتقدرُ أن تبني حديقةَ زهرٍ بشريةً ترفضُ البوحَ .
سلالةُ الزهرِ كرسلِ العلمِ والأدبِ تأبى الذلَّ والضيمَ ، تعشقُ الحريَّةَ والفوحَ
ألا ترى كيفَ نصر الله الحياةَ على الفناءَ ؟!
أهدى الزهرَ ابتسامتهُ المشرقةَ ،فازدهرت مؤائدُ الفرحِ الطفوليِّ ، و هدبتْ خلطاتُ السِّحرِ والنَّقاءِ
وعاقبَ محبي الفتنِ و أصحاب رؤوس الأموال
حاملي صناديقِ البغضِ ، فحملوا في جيناتهم الحروبَ الشنيعةَ والدمارَ .
مرام عطية
***********************
***********************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق