الجمعة، 27 ديسمبر 2019

ثورة ٢٥ يناير بين الثورة الشعبية والمؤامرة الصهيوأمريكية



حوار مع الأديب يوسف أبو شادى حول عمله الأدبى "الكوميديا الصهيوأمريكية"

أدارت الحوار
د. رانيا الوردى
أستاذ مساعد الأدب الألمانى بتربية عين شمس - رئيس قسم الحوار العربى الأوروبى فى إتحاد كتاب المثقفين العرب - عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للكاتب النمساوى يورا صويفر منذ ٢٠١١ وحتى الآن -عضو الهيئه الإستشارية العلمية لهيئه إنست الدولية بفيينا الداعمة للحوار الثقافى القومى والعابر للقومية منذ ٢٠١١ وحتى ٢٠١٩ وعضو مجلس إدارة الهيئة منذ ٢٠١٩  - عضو هيئه تحرير مجلة ترانس للعلوم الثقافية بفيينا منذ ٢٠١١ وحتى الآن.

مقدمة:
تعود القارئ المصرى فى حواراتى مع الأديب الدكتور محسن رشاد أبو بكر صاحب العمل الأدبى "فى حضرة سيدنا الميدان" ومع الأديب والسينارست الامع والصحفى البارز حسن اللبان صاحب العمل الأدبى "سجن الأبرياء" أن ننظر لثورة ٢٥ يناير من داخل الميدان، أما فى هذا الحوار فالنظرة للثورة ستأتى من خارج الميدان. وبين داخل الميدان وخارج الميدان يطرح السؤال نفسه: هل كانت ثورة ٢٥ ثورة شعبية أم مؤامرة صهيوأمريكية لتقسيم الوطن العربى وتدمير الجيوش العربية؟؟؟ الحوارات الموضوعية من مختلف الأطراف وإن إختلفت توجهاتها الفكرية تتيح للقارئ أن يشارك بفكره ويستخلص بنفسه إجابة. ولكن الحوارات فى مجملها وإن إختلفت التوجهات الفكرية لأصحابها أكدت على أهمية الإصلاح ودور الفن والأدب فى تحقيقه.
وما بين الحلم بالإصلاح والمحاوله لتوظيف الأدب لتحقيقه، تاتى الأعمال الأدبية للسفير الدكتور محمد حسن كامل رئيس إتحاد الكتاب والمثقفين العرب الذى حاول منذ أربعه عقود العمل على تقديم مشروع ثقافى تنويرى لدعم إعادة بناء العقلية الثقاقية المصرية والعربية لدعمها فى التحول الى مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة لتجمع فى طياتها بين أصالة الماضى وحداثة الحاضر والمستقبل. هذا المشروع الثقافى التنويرى الذى يمثل ثورة إصلاحية على المدى القصير والمتوسط والطويل هو ما إفتقده الميدان. هذا الفكر الثورى الإصلاحى على المدى القصير والمتوسط والبعيد يذكرنا بالفكر الثورى الإصلاحى الذى قدمه الأديب الثائر النمساوى يورا صويفر الذى مات فى معتقلات هتلر وعمره لا يتجاوز ٢٦ عاما ولكنه ترك ميراث أدبى لتوضيح كيفية التحول إلى مجتمعات الحداثة. وهكذا تقودنا الحوارات مع مختلف التوجهات الفكرية إلى حوار مجتمعى حول الثورة وكيفية تفعيلها لتصبح داعمة لإعادة بناء الإنسان وإعادة بناء المجتمع.
وقبل التطرق فى حوارات مستقبلية إلى هذا الموضوع المحورى نعود إلى الإشكالية التى يفجرها هذا الحوار: هل كانت ثورة ٢٥ يناير ثورة شعبية أم مؤامرة صهيوأمريكية؟؟؟

السؤال الأول: برجاء تعريف نفسك للقارئ المصرى والعربى؟

بداية اسمحي لى حضرتك بالتعبير عن شكرى وامتنانى لاستضافتى لهذا الحوار الذى أدعو الله أن أكون فيه مُخلصا أمينا, واسمحي لى أيضا أن أتوجه بالشكر لكل من حمل شعلة إصلاحية تنويرية ليهدى الناس بأسلوبٍ هادئٍ متزنٍ, لا يحمل تحقيرا لمعتقدٍ ولا سخريةً من رأى, مُتَّبعا نهجا فكريا عقلانيا, ونية خالصة لوجه الله, وأشهد هنا أن حضرتكم من هؤلاء المخلصين.
أما وبخصوصى, فليس هناك الكثير مما أقوله عن نفسى سوى أننى واحدٌ من هؤلاء المهمومين والمهتمين بقضايا الوطن, والإنسان, واحترام الأديان, وفهمها بالصورة التى أرادها الله بها لخير الإنسان فى دنياه وآخرته.
 أنا مُهندس مدنى أرانى مهتما بالاطلاع على كافة الثقافات والآراء, والانتماءات الفكرية والعقائدية, محاولا البحث عن الحقيقة مُحترما للجميع سواء اختلفت أو اتفقت مع أرائهم, مؤمنا أننى لو كنت مكانهم لفعلت وقلت مثلما فعلوا وقالوا. أبغض الدعوة للكراهية وإراقة الدماء عند الخلاف أو الاختلاف, وربما تجدين حضرتك هذا فى رباعياتى المعارضة لرباعيات الخيام فى كتابى عنه, ليس لى أى انتماءات سياسية أو حزبية, ولم أتشرف بالعمل لدى أىٍّ من الجهات أو المؤسسات أو الوزارات الحكومية, أحاول رؤية ودراسة الأحداث بصورة حيادية تامة, مؤمن بأنه ليس هناك من يمتلك الحقيقة كاملة سوى الله سبحانه وتعالى.
 صدر كتابى الأول بعنوان "حوارى مع روح الخيام حول رباعياته" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب, والذى ناقشت الخيام فيه بعد تحضير روحه حول رباعياته, حيث أكتب الشعر العمودى, وكذلك أكتب الشعر الحر أحيانا, كما صدرت روايتى بعنوان "الكوميديا الصهيوأمريكية" عن دار نشر خاصة, وكذلك صدر لى ديوان شعر بالفصحى بعنوان "أسياد حارتنا" وجارى إصدار ديوان آخر فى الأسابيع القادمة بمشيئة الله,  ومجموعة قصصية أخرى معروضة على إحدى دور النشر الكبرى, حيث كنت عازفا عن النشر لما به من صعوبات واعتبارات عديدة, وبعد نصائح أصدقائى النقاد, فقد قررت أصدارها على مراحل, والحقيقة أننى فى كافة كتاباتى عبرت دائما  عن اهتمامى بضرورة إعادة صياغة الفكر العربى بصورة ملحة, وبقراءة صحيحة ومتأنية للتاريخ الإنسانى بصفة عامة, وبالتاريخ العربى والإسلامى بصفة خاصة, وبضرورة دراسة باقى التجارب الأوروبية والأسيوية والأمريكية شمالا وجنوبا واختيار ما ينفعنا منها وما يناسبنا لصياغة المنهج الذى ننهض بتطبيقه.
واسمحى لي حضرتك أيضا أن أنوه للسيدات والسادة القارئات والقارئين بأن روايتى الكوميديا الصهيوأمريكية تصنف تحت مسمى فانتازيا سياسية. أما عقدة الرواية والتى هى محورها, فقد جاءت متسلسلة الأحداث تبدأ بإعلان أميريكا وإسرائيل ـ بعد رفض صفقة القرن الأولى ـ عن صفقة قرن جديدة أطلق عليها صفقة القرن الثانية والأخيرة, تحقق كل آمال العرب فيما يتعلق بقضيتهم الرئيسية, ألا وهى القضية الفلسطينية, وحلم العودة, ولما كانت تلك الصفقة قد منحت العرب عشرة أيام فقط لاتخاذ قرارهم بالقبول أو الرفض, فقد اعتبر البعض هذه الصفقة الجديدة نوعًا من الإهانة والتلاعب الصهيو أميريكى بالعرب نتيجة لضعفهم, وهنا نستعرض بالرواية أسباب ضعف الأمة, وكذلك نعرض بعض الحلول للنهوض بها حتى تستعيد أمتنا لمكانتها بين الأمم كسابق عهدها, ومن خلال الأحداث نستعرض ردود الفعل العربية والفلسطينية حول الصفقة, وكيفية إتمامها.

السؤال الثانى: تطرقت حضرتك فى عملك الأدبى "الكوميديا الصهيوأمريكية" إلى ثورة ٢٥ يناير، وصورت حضرتك الثورة فى أكثر من موضع فى عمل حضرتك الأدبى بإعتبارها جزء من مؤامرة صهيو أمريكية لتقسيم الوطن العربى ولتدمير الجيوش العربية ولسرقة ثروات الوطن العربى. على الرغم من ذلك نوهت حضرتك على لسان إحدى الشخصيات المحورية فى العمل الأدبى أن الثورة جاءت للتعبير عن إنفجار النفوس المملؤة والمكتومة فى الشعب وذلك نظرا للحالة المزرية التى وصلت لها مصر والدول العربية نتيجة لحكم الفرد وسوء الإدارة وتقسيم الثروات على فئة قليلة من أبناء الشعب مع بقاء من على عرش البلاد لفترات كما كان لديه النية لترك عرشه لمن يخلفه. أبعد كل الذى سردته حضرتك ما زلت مصر على أن ثورة ٢٥ يناير لم تكن ثورة شعبية ولكنها جزء من مؤامرة صهيوأمريكية لتغيير خريطة الوطن العربى ولتمكين جماعة الإخوان من تولى الحكم وتكوين الخلافة الإسلامية؟

بدايةً سيدتى الكريمة أود التنويه إلى أن روايتى قد تضمنت العديد من الرمزيات التى ربما يتلمسها القارئ بين الحوارات الواردة بين المهندس, وسموِّ الأمير الذى يعمل لديه وعلى كفالته, كما جاءت كذلك أيضا على ألسنة ضيوف أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة, وقد اخترت أسماءهم لترمز إلى شخصيات حقيقية كانت تصول وتجول بالفضائيات, وقد سمعناهم هنا وهناك بالقنوات الفضائية الإعلامية إبان الثورة, وهنا أيضا إشارة ورمزية إلى دور الإعلام كعنصر وكسلاح من أقوى وأنجع أسلحة الجيل الرابع من الحروب وأكثرها تأثيرا.فى العقول, وفى القلوب.
وقد بدأت روايتى بالآية الكريمة "إن مع العسر يسرا" وأنهيتها بالطفل الفلسطينى الذى قُتِل لأنه ظل ينادى المقتتلين بقطاع غزة قائلا:   أيُّها الأخوة, أيُّها المُسلمون, تذكَّروا  قول رسولكم الكريم, دم المُسلم على المُسلم حرام, توقَّفوا يرحمكم الله.
وأظن أن السادة النقاد والقرَّاء سيلمسون رمزية ومغزى الآية الكريمة ببدايتها, وبمقولة الطفل الذى قُتل فى نهايتها وهو يدعو الناس إلى عدم إراقة الدماء.
وأعود لسؤال حضرتك لأعبر عن اعتقادى الراسخ بأن الثورات لا تنكشف حقائقها إلا بعد عشرات السنين من قيامها, وحسبى هنا أن أذكِّر حضراتكم بالتباين الواضح فيما قيل, وما زال يُقال عن ثورة يوليو التى عاصرها الكثيرون فينا, بل وظهر التباين واضحا أيضا فيما كتبه بعض من قاموا بالثورة من الضباط الأحرار فى مذكراتهم, وفى كتبهم,  كما أن الحقيقة المطلقة لا يمكن أن يدركها أحد, لأن القراءات تصدر عمن رأى المشهد من زاوية لا تمكنه من رؤية المشهد بكاملة, ثم إنها ربما اختلفت باختلاف الانتماءات, من حيث وقوف الشاهد أو المؤرخ مع أو ضد الحدث, كما أن الناس لا تعلم بالسرائر والنوايا الحقيقية لما يرونه من أحداث, وما يسمعونه من تصريحات, فربما بدا لنا تصريحٌ أو عملٌ وكأنه قد أُريد به خير, ثم نرى أن الشرَّ كان هدفه عملا, بمقولة دسّ السمِّ فى العسل.
أما بخصوص نظرية المؤامرة, فقد ورد ذكرها على لسان المهندس الشاب فى حواره مع سمو الأمير, وقد عرض أراء من قالوا بأنها كانت مؤامرة وذكر أسانيدهم فى ذلك, وكذلك من عارضوها وذكر أيضا أسانيدهم. كما قال له فى نفس السياق: من الصعب علينا سمو الأمير أن نحكم على حدثٍ جلل كهذا من خلال ما نسمعه ونشاهده عبر وسائل الإعلام التى أضحت قادرة بتقنياتها وحرفيتها على قلب الحقائق, وإظهار الباطل حق, وإظهار الحق باطل فى عيون الناس.
ونعود لنظرية المؤامرة كما ورد معناها بالمعاجم اللغوية هى مكيدة للقيام بعملٍ معادٍ إزاء شخصٍ, أو بلدٍ, أو حكمٍ, يدبره أشخاص خفية, ويصممون على تنفيذه ضد شخصٍ, أو مؤسسةٍ أو دولة بهدف إخضاعها والسيطرة على مقدراتها.
ومع عدم إنكارى لشبهة وجود التآمر باستغلال ما حدث بأوطاننا ولا يزال يحدث بها من ثورات, إلا أننى ومع هذا أرى أن هناك هيئات ومؤسسات بالدولة تستطيع مواجهة المؤامرات, وفى نفس الوقت لا نستسلم لها, بل ربما كان ذلك حافزا لسرعة التطور والعمل على تثقيف الناس وزيادة وعيهم, والانطلاق فى تنمية أوطاننا, وليكن لنا فى الصين نموذجا لما أقول, فهى أيضا وإن اعترفنا بوجود المؤامرات بتعدد أشكالها فقد نجحت الصين فى تخطى تلك العقبات, بل وأصبحت من القوى العظمى التى تعمل لها أميريكا ألف حساب.
وهنا أيضا أُقر أننى لا أعتبر دعوة الدول الغربية لنا بنشر الديمقراطية والحرية, ومراعاة حقوق الإنسان, يندرج تحت نظرية المؤامرة, فى حين أنى أعتبرت تصريحات وزيرة الخارجية الأميريكية رايس عن الشرق الأوسط الكبير وعن الفوضى الخلاقة وخلافه, نوعا من المؤامرة فليس هناك من ينكر رغبة أميريكا فى السيطرة على العالم بأسره شرقه وغربه, شماله وجنوبه. وأسمحى لى بسؤال من ينكرون نظرية المؤامرة بماذا يفسرون قول كونداليزا رايس: مصر هى الجائزة الكبرى؟ وبماذا يفسرون الحرب الأميريكية على العراق واحتلالها بحجة أسلحة الدمار الشامل, ثم اعتراف أميريكا نفسها, أن العراق لم يكن يمتلك هذه الأسلحة, ثم قول أوباما بخطابه فى الأمم المتحدة وأمام ممثلى جميع دول العالم: أن الحرب على العراق واحتلالها كان خطأ جسيما, وبعد هذا كله فهل صدق بوش حين احتل العراق وقال أنها ستصبح واحة للديمقراطية, ألا يدفعنا وضع العراق الآن للتآمل فيما قال وما حدث؟. وهذا ما ناديت به بروايتى, ألا وهو قليل من التأمل والتفكر ووضع الصور جوار بعضها لتتضح لنا الصورة كاملة وبوضوح.
كذلك فإن إنشاء أميريكا لتنظيم القاعدة لمحاربة روسيا فى أفغانستان ثم القضاء على بن لادن بعد أن أدى مهمته, وإنشاء داعش باعتراف الرئيس الأميريكى الحالى بأن الرئيس السابق هو من أنشأها لاحتلال سوريا والعراق, ثم التخلص من البغدادى أيضا, بعد أن أدى مهمته على خير وجه فى تمزيق البلاد العربية, بل وأكثر من هذا, أن وسائل الإعلام الغربية قد استغلت أعماله فى التشهير بالإسلام واختراع مُصطلح الإسلام فوبيا, وهذا قد أضر بالدين الحنيف ضررا بالغا. وأكتفى بتلك الأمثلة رغم وجود العديد منها. ألا يعتبر هذا مؤامرة متعددة الأهداف؟
ومع هذا فأنا أرى أيضا أن هناك من يبرر فشله على وجود مؤامرات, وهناك أيضا من يستعمل نظرية المؤامرات لتخويف الناس, وتشجيعهم على الصبر على فقرهم وتعاستهم فى البلاد المتأخرة, باعتبار أن الفقر أرحم من الفوضى والتخريب, ومن تحريق وتدمير الأوطان, مع الحرص على عدم الكشف على من قام بالتخريب والتحريق والتدمير. وفى النهاية فإننى أرى أنه في بعض الأحيان تكون نظرية المؤامرة صحيحة, و تتحقق و في البعض الأخر تكون كذبة
ومُجرَّد أوهام .
وبخصوص الجزء الأخير من سؤال حضرتك عن الثورة فإننى هنا أستعين بمقولة من قال "إن الثورة يحلم بها المفكرون والفلاسفة, وينشرها الفنانون, ويقوم بها المقهورون والمطحونون, ويفوز بها الإنتهازيون" وهذا ما حدث بثورة يناير. وقد عبرت عن ذلك بروايتى على لسان المهندس حيث قال لسموِّ الأمير:
بدأت الثورة سلمية, وطنية, نظيفة, جميلة, بدت نموذجا رائعا انبهرت به كل زعماء العالم أجمع, فمنهم من اعتبرها نجاحا لخططه بخصوص تنفيذ رؤية بلاده للشرق الأوسط الكبير, ومنهم من اعتبرها إنذارًا بقرب الخطر منه فقام بتحسين أوضاع شعبه فزاد فى المرتبات وأطلق بعض الحريات, وكان الشعب المصرى فخورًا بأنه أصبح نموذجا دوليا أشادت به كل الحكومات والمؤسسات سواء كانت حسنة أم سيئة النية, وهذا ما حفز العديدين من المعارضين للانضمام لصفوف المتظاهرين, وعندما بات من المؤكد نجاح الثورة, أنضمت جماعة الأخوان المسلمين إلى الميدان بل انتشرت وسيطرت عليه بما لها من كوادر وأمكانات هائلة.
وأختم حديثى بالتأكيد على أن المرحلة الأولى من ثورة يناير والتى قادها شباب وطنى قوى مؤمن بوطنه وبقدراته وخيراته, لو كانت قد استمرت بالصورة التى كانت عليها, وقبل أن يتدخل معهم من كان لهم أحلام ومطامع ومآرب أخرى, لكانت تلك الثورة بداية لعصر النهضة المصرية والعربية, غير أن الصراع بين الحداثيين والمحافظين أدى بنا للعودة إلى ما هو أسوأ من الوضع الذى كانت عليه بلادنا قبل الثورة, وبالصورة التى جعلت الناس يترحمون على العصر الذى ثاروا عليه.
ويجدر هنا بنا أن نقارن بين ثوراتنا وبين الثورة الثقافية الأوروبية التى عندما انتصرت سارت فى طريقها الصحيح نحو الديمقراطية بتشريعات قانونية تحقق للإنسان مزيد من الحقوق والحريات. وأظن أن ما حدث هنا وهناك جاءت نتائجه طبقا للثقافة الشعبية والثورية أولا وأخيرا.

السؤال الثالث: نوهت حضرتك فى أكثر من موضع من مواضع العمل الأدبى إلى السلبيات التى أعقبت ثورة ٢٥ يناير والتى تمثلت فى تفتيت القوى وضياع الثروات، وإغلاق الشركات والمصانع والمؤسسات وإنغلاق تام فى سوق العمل مع إنتشار الفوضى والبلطجة بصورة مخيفة ومرعبة كنتيجة لإنهيار مؤسسات الدولة مع الخوف على مصير البلد والجيش. على الرغم من قيام حضرتك بسرد سلبيات الثورة لم تنكر حضرتك كون أن الثورة بدأت سلمية ووطنية ونظيفة وجميلة وكانت نموذجا إنبهر به كل زعماء العالم. ماالذى حول الثورة التى أثارت الحلم فى القلوب إلى كابوس ظهرت نتائجه وسلبيات على أرض الواقع؟

أعتقد أن إجابتى هنا بإعادة الحديث عن الثورة ستكون مشابهة لم أفضت به بإجابتى على السؤال السابق ولهذا أرى أن هناك ضرورة لتدارس عصر النهضة الأوروبى الذى بدأ من إيطاليا وانتشر ليشمل أوروبا, والذى نقل الإنسان من العصور الوسطى - الذى زهد فيها الناس الدنيا وتبتلوا إلى الآخرة, نتيجة لهيمنة رجال الدين على المجتمعات, ومحاربتهم لرجال العلم والفكر ـ  إلى العصور الحديثة, وكان فى أساسه حركة ثقافية شاملة نشأت مصاحبة للمخترعات الحديثة وانتعاش التجارة وازدهار المدن التجارية بأوروبا,  فكانت مفتاحا لعصر جديد هو عصر التنوير, ومن بعده عصر العلم الحديث, وهذه تجربة إنسانية بالغة الأهمية وجديرة بالدراسة حيث أصبحت تؤثر فينا بصورة فردية وليست مُجتمعية, وهنا تكون الثورة الحقيقية التى نحن بحاجة إليها, كما أننا بحاجة إلى تناولها بوعى وعقلانية حتى نتحاشى سيول الدم التى تنشأ بين من يتمسكون بالعصور الوسطى  وبين من يسعون إلى التحديث ومسايرة العصر بمتغيراته الجذرية المتلاحقة والمتسارعة, ولهذا أرى ضرورة الاستعانة بالتجربة الأوروبية فى هذا الشأن ونقل إيجابياتها وتحاشى سلبياتها. ولتكن المقولة الشهيرة:  "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا, واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" منهاجا لنا فى هذا الشآن, سواء كانت منسوبة لرسولنا الكريم أو عن آخرين. فلكم رأينا أغنياءً يملكون الملايين والمليارات ويفعلون الخير وينفعون الناس بصناعاتهم وتعميرهم, ويُعينون الفقراء بزكاة أموالهم, ويتبرعون لبناء مستشفياتٍ وخلافة من الأعمال الخيرية الطيبة. وهذا ما قلته بإحدى قصائدى أثناء الثورة حين قلت: أحنا محتاجين لثورة على نفوسنا ... ثورة تغير فكر بائد فى رؤوسنا.
أما السبب الرئيسى فى انقلاب الثورة إلى كابوسٍ فهو سيطرة تيار واحد على مقاليد الأمور بالبلاد بصورة عشائرية أو قبلية حتى إن أوباما بخطابه بالأمم المتحدة قال بالحرف الواحد: إن الانتخابات المصرية بعد الثورة تمت بصورة ديمقراطية غير أن الرئيس المنتخب لم يكن رئيسا لكلِّ المصريين فانقلب الشعب عليه, والحقيقة أننى اندهشت فى حينها لاختصار أوباما للمشهد بكاملة فى جملة واحدة ومباشرة, لكنها لخصت المشهد بصورة دقيقة.
وبالمناسبة وبالقياس بالثورات التى حدثت بأوروبا سواء الثقافية, أو الصناعية, أو العلمية فإننى أشعر بالتفاؤل من أن ثورة يناير ستجعل الشعب المصرى يقف مع نفسه ليتدارس كيفية استخراج ثمار رائعة من الناحية الثقافية والأدبية والفكرية, وهذا ما حدث بعد انتهاء الحروب الدامية بين الطوائف المسيحية بأوروبا وكما تناولتها بروايتى مستعينا بما كتبه عنها فولتير بكتابه التسامح. 
والحقيقة أن الثورة المصرية رغم سلبياتها إلا أن من أهم إيجابياتها  أنها جعلت المسؤولين وأصحاب المناصب العليا بالدولة أكثر وعيا وإدراكا بأهمية التقييمات الشعبية لأدائهم, وأكثر إدراكا لتطلعات الشعب للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبتنمية حقيقية ملموسة.

السؤال الرابع:
                     أكدت حضرتك فى عملك الأدبى أنه كان هناك خلال الثورة ثوار حقيقين. ماذا انتظرت من هؤلاء الثوار ولم يتحقق منهم؟

هنا أقتبس تعريف فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله للثائر الحقيقى, بأنه هو من يثور حتى تتحقق أهدافه, وما أن تتحقق ينتقل بها لمرحلة البناء والإصلاح والتنمية, وكان هذا بالفعل هو النموذج الشبابى الذى أشعل فتيل الثورة والذى نجحت بهم الثورة وتحققت مطالبهم, وعلى الفور قاموا بإعمال إيجابية رائعة كانت محل تقدير واحترام القابعين ببيوتهم من باقى الشعب المصرى, وكذلك كافة شعوب وحكومات دول العالم, وكان هذا مؤشر طيب ومبشر بمستقبل أفضل يؤسس على الحرية والعدالة والمساواة, والحقيقة أننى لا زلت أرفع القبعة منحنيا أمام هؤلاء الشباب ومن شاركهم من المطحونين والمقهورين, لكن ولما كان هؤلاء الشباب يفتقدون للقيادة, اغتنمت بعض الفصائل العديدة نجاح الثورة فاحتلوا وسيطروا سيطرة كاملة على الميدان, حتى صار الأمر خارج السيطرة, وهنا لا نستطيع القاء اللوم على أناس كانوا لا يملكون سوى حناجرهم للتعبير عن إحتياجاتهم وحقوقهم, وأحلامهم وإخلاصهم لوطنهم, وأشهد لهم أنهم قد قاموا بثورتهم بصورة لم تشهدها ثورة من قبل سوى الثورة التى قادها غاندى بالهند, وأكرر ما قلته سابقا أن الثورة يقوم بها المقهورون والمطحونون, ويفوز بها الإنتهازيون.

السؤال الخامس:
                         رأيت حضرتك فى عملك الأدبى ضرورة توحد الجماعات الدينية بما فيها التكفيرية والمسلحة لدعم عمليات الإصلاح الدينى. هل تعتقد حضرتك أن الجماعات الدينية بصورتها الحالية يمكنها المساهمة أو دعم عمليات الإصلاح الدينى فى مصر والوطن العربى؟
 
تعدُّ الأديان سيدتى العنصر الأساسى والأهم فى التكوين الثقافى للأمم, وهنا تكمن أهمية الفهم والتفسيرالصحيح للأديان, ونحن فى مصر محظوظون بوجود الأزهر الشريف كمؤسسة دينية عريقة ورائدة, وبالرغم من مواجهته لعدة انتقادات ... غير أنه كان دائما يحظى باحترام كافة الطوائف على اختلاف انتماءاتها وعلى رأسهم كان الإخوان والسلفيون الذين أعلنوا دائما اعتبار الأزهر مرجعيتهم فيما يتعلق بالأمور الفقهية والتشريعية عندما كان لهم الأغلبية بمجلسى الشعب والشورى, وقد كان للأزهر دور بالغ الأهمية, وأتى بنتائج جيدة عندما تحاور مع بعض الجماعات ونتج عن ذلك رجوع العديد من أعضاء تلك الجماعات عن فكرهم, وهذا ما قصدته بروايتى بتوحد تلك الجماعات للتحاور مع ممثلى الأزهر حول فتاويهم ومفاهيمهم, وأنا أرى أن ذلك سيكون مجديا للغاية فى هذا الوقت بالذات, ولم أكن أعنى بتوحد الجماعات هنا المساهمة بعملية الإصلاح التى هى دور الأزهر وفقط, فالأزهر هو من يعد المناهج الدراسية ومنه يتخرج الواعظون وهو حجر الأساس للفكر والوعى الدينى, ونحن بالفعل نلمس جهودا فى هذا الشأن, ولا بديل عن تكثيف وتطوير تلك الجهود.

ولهذا عرضت فى روايتى تجربة حروب الفصائل الدينية بأوروبا وخسائرها الإنسانية الفادحة والتى استمرت ثلاثين عاما والتى انخفض على إثرها عدد سكان ألمانيا بمقدار ٣٠ %,  هذا بخلاف تدمير آلاف القرى والمدن والمنشآت التاريخية والقومية والعسكرية الهامة, وكانت الحروب قد استمرت إلى أن تمكن العاقلون بصلح وستفاليا  ليعلنوا أن الأمور لو استمرت على ما هى عليه فإنهم سيفنون جميعا, وفتحت هذه الدعوة العاقلة والرشيدة الباب لتفهم الجميع لذلك وعقدت معاهدة أنهت حروب الثلاثين عاما وبعدها حدثت النهضة الأوروبية فى ظل سلام وطنى قام على جثث مئات الآلاف من ضحايا تلك الحروب, وهذا ما قصدته بتجمع الجماعات واسترجاع فكرهم وأفكارهم تحت لواء الأزهر الشريف, وقد يكون لفظ توحد هنا ليس مناسبا يحتاج منى استبداله بمصطلحٍ أكثر دقة بالطبعة المقبلة, إذ قصدت تجمعهم لمراجعة أفكارهم.

السؤال السادس:
                         أكدت حضرتك فى عملك الأدبى أن جماعة الإخوان قد سرقت الثورة و حملتها حضرتك حالة الخلخلة الأمنية فى المجتمع المصرى ولاسيما فى سيناء. على الرغم من ذلك نوهت حضرتك كون جماعة الإخوان المسلمين مثل كل الجماعات والمؤسسات، فيها الصالح والطالح وفيها أيضا من كان مقتنع بان كفاحه من اجل إعلاء كلمه الله وفيها الإنتهازى الذى يقف بجانب المنتصر. كيف ترى وضع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر والوطن العربى بعد مرور ثمان سنوات على الثورة وهل وجودهم يعد داعما ام معرقلا للدخول فى مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة؟

ما جاء بروايتى كان على لسان ضيوف البرامج التلفزيونية التى تعمدت فى روايتى أن أبرز دور الإعلام فى هذا الشأن, بالإضافة إلى ما ذكرته السيدة كلينتون بكتابها Hard CHOICES" " أو الاختيارات الصعبة: وحيث أن الثوار لم يكن لديهم قيادة توجههم لما يجب فعله, فلم يكن هناك كما قالت كلينتون على أرض الواقع سوى العسكرين والأخوان المسلمين, وهما الجهتان الأكثر تنظيما, وهنا ينتهى كلام كلينتون, لأستأنف كلامى لأذكركم أن الإخوان كانوا يحلمون بالسلطة منذ أمد بعيد حتى عند قيام حركة الضباط الأحرار فى ١٩٥٢ غير أن ناصر والإخوان أراد كلٌّ منهما توظيف الآخر لتحقيق أهدافه, ولهذا فقد فشل تحالفهما وتعاونهما, وربما كان هذا هو الذى دفعهم للمشاركة بالثورة التى أشعلها الشباب حينما تأكدوا من نجاحها, والحقيقة أنَّ الإخوان من الناحية التنظيمية والقيادية كانوا أقوى القوى المؤهلة لذلك, ولهذا فقد تمكنوا من تحقيق حلمهم بالفعل. أما عما حدث بسيناء ومسئوليتهم عنها فقد أستند من عبَّروا عن ذلك فى حينه على قول أحد قيادات الإخوان بميدان رابعة: أن ما يحدث فى سيناء سيتوقف تماما فور عودة الدكتور مرسى للرئاسة, وبتصريحه هذا كان قد أعطى للخصوم الدليل القاطع على أن الإخوان هم من يديرون العمليات الإرهابية بسيناء, و لهذا فقد ذكرت بروايتى أن سقوط حكم الإخوان كان نتيجة لأخطاء ارتكبها غيرهم من الكيانات الدينية, ونتيجة أيضا لأخطاء كانوا هم مسؤلين عنها, وقلت أيضا أن الرئيس الأسبق مرسى كان قد تحلى بشجاعة أدبية حين اعترف باقترافهم بعض الأخطاء نتيجة لحداثة عهدهم بالحكم, رغم أن الوصول للحكم كان حلما للجماعة, والأحلام مشروعة لكل البشر والتنظيمات والهيئات. وبالفعل فقد لمست منهم من يتحدث بسلام ومنهم من يستعمل ألفاظا تهديدية عنيفة لمعارضيه, وعلى أى حال, فنحن جميعا نرى أنه ليس من الصواب التعميم بصفة ثابتة على أى جماعة من الناس, وجماعة الإخوان أراها جماعة براجماتيه تفعل كل ما تحتاجة من تغيرات حتى تتمكن من تحقيق هدفها وغايتها, وحسبنا فى ذلك أن نستشهد بتعديل حركة حماس لميثاقها منذ سنوات, فيما يتعلق بموقفها من إسرائيل, أما الآن فقد أصبح الإخوان فى وضع صعب للغاية بعد أن أصبحت الصورة واضحة بعد تجربتهم فى السلطة ونظرة باقى التيارات إليهم, وموقفهم منهم.
أما عن موقفهم من الحداثة, فهنا أقول بداية أننا سنقع فى خطأ جسيم إذا لم ننظر لهذه الجماعات بحجمها الحقيقى, والذى لا يجب علينا الاستهانة به, بل علينا أن نعترف, وأن نضع لإمكانياتها الهائلة سواء البشرية, أوالتنظيمية, أو المادية, أو الإعلامية, والعسكرية أيضا حيث أن لبعضٍ منها أجنحة عسكرية, ثم إن منها من يؤثر فى اقتصاديات, بل وسياسات بعض الدول الكبرى, ومع هذا, فلا يجب أن نهمل وجود باقى التيارات من ليبرالية وعلمانية ويسارية بل وتيارات دينية معتدلة كما يطلقون على أنفسهم, ولذا فعلينا أن نأخذ الجميع فى الإعتبار عندما نتحدث عن العملية الإصلاحية, وكما ذكرت بروايتى أن أول ما يجب علينا عمله هو وضع ضوابط وأسس ومعايير عملية الإصلاح, وأن يكون الجميع على استعدادٍ للتقارب والتنازل عما يمكن التنازل عنه, وأن نضع نصب أعيننا صالح المعتقد والوطن, ومحاولة إيجاد صيغة لشكل الدولة ومنهجها, تناسب العصر, والواقع, والحقوق, والحريات, وبوجه عام يكون الاعتبار الأول بها هو حقوق الإنسان, والعدل, والمساواة, والحقيقة أننى أنبه جميع التيارات لمراجعة وثيقة المدينة التى أطلقها رسول الله (ص) فى السنة الأولى لهجرته للمدينة التى كان يعيش بها المسلمون واليهود وطوائف أخرى, واضعا دستورا وطنيا أراه رائعا كواحد من أول الدساتير الإنسانية, ولنطرحه للنقاش ضمن عملية إصلاحية شاملة نحن فى أمس الحاجة إليها, وأعتقد أن جميع التيارات ربما لا تختلف كثيرا على مضمون وبنود تلك الوثيقة, وربما كان من الضرورى إجراء بعض التعديلات التى تناسب التغيرات العصرية مبقين على مضمونها ومنهجها.
  وكما قلت أيضا بروايتى أننا لن نرتقى, إلَّا إذا قررنا أن نبدأ, وفورا بإعادة صياغة الفكر والإنسان العربى والمسلم, وأرى أنَّ خير بداية هى العودة إلى أوَّل كلمةٍ تلقاها رسولنا من السَّماء, "أقرأ"

السؤال السابع:
                      أوضحت حضرتك فى عملك الأدبى أن الجيش المصرى حمى مصر وأنقذ مصر خلال الثورة ولاسيما مع إنهيار مؤسسات الدولة وإنسحاب الشرطة ووجود خلل أمنى ولاسيما فى سيناء. ما هو تعليق حضرتك على نظرة الثوار والإخوان المسلمين للمؤسسة العسكرية بإعتبارها المسؤولة عن أنتشار الفساد والمسؤولة عن حالة التردى التى وصل لها المجتمع المصرى خلال عقود؟

كان الفساد من أول الدوافع التى دفعت الضباط الأحرار للقيام بما أطلقوا عليه "حركة الضباط الأحرار" ضد حكم الملك فاروق وحاشيته, ومع هذا ظل الفساد يتنامى مع الأيام وحتى يومنا هذا, حتى أصبح الناس يمارسونه بصورة علنية, ولهذا فإن قضية الفساد ببلادنا بحاجة ماسة لتكاتف عدة مؤسسات لمكافحته وعلى رأسها السلطة التشريعية بما عليه من سن القوانين الأكثر تشددا ووضوحا دون ثغرات قانونية. وجهة تنفيذية لا تأخذها بالفاسدين والمفسدين شفقة ولا رحمة, ورغم كشف الجهات الرقابية عن بعض قضايا الفساد مؤخرا وأسعدت قلوبنا بذلك, غير أننا جميعا نلمس وجود الفساد بصوره المتعددة والمختلفة, ولكن علينا أن نعى أن فسادا استمر لعشرات السنين بل وربما المئات يصعب القضاء عليه بالسرعة التى نتمناها, ولكن وعلى الأقل يجب أن نرى تعديلات قانونية, وملاحقات رقابية أكثر فعالية ونشاطا مما كانت عليه, وحتى نكون أمناء مع أنفسنا ومع الآخرين علينا أن نعترف بأن الفساد موجودٌ موجود, ولازلنا ننتظر ونأمل فى القضاء عليه نهائيا.
أما بخصوص شكل الحكم وصفته, فإن حق الترشح مكفول لكل المواطنين كما تنص الدساتير, وليس لأحد الحق فى رفض ترشيح أحد إلا طبقا للمعايير التى يحددها الدستور, وفى النهاية تعتمد النتائج على من يقوم الشعب باختياره, ونحن جميعا قد سمعنا وشاهدنا النداءات التى طالبت المشير السيسى للترشح لقيادة البلاد فى هذه المرحلة الحرجة ثقة بوطنيته وإخلاصة وعقلانيته فى تناول الأزمات, ونذكر أيضا الحملة التى أطلقوا عليها مسمى "كمِّل جميلك" هذا من ناحية, ثم نعود بذاكرتنا لمراجعة المشهد حين سقطت مصر إداريا ولم يكن هناك بديلا عن تدخل الجيش لحفظ الأمن والنظام وكلنا شاهدنا الأزمات التى كانت تأتى فرادا وجماعات فى كل يوم, والحقيقة أننى أرى أن المجلس العسكرى قد أدار المرحلة بحكمة وهدوء, وربما كانت هناك أخطاء بخصوص قضية أو أخرى غير أننا من الظلم أن نطالب إنسان يجلس فى مركز الطوفان, أو الدوامة, أو فوق فوهة بركان, ثم نطالبه بأن تكون قراراته بحكمة من يجلس بقصره مُنعما مرهفا ومحاط بالآف المعاونين والخدم ومسيطرا على الشعب بكافة طوائفه.
وقد عبرت السيدة كلينتون بكتابها Hard CHOICES" " أو الاختيارات الصعبة, عن سعادتها حين أعلن الجيش أنه بالميدان لحماية المتظاهرين, بل إن الجيش بالفعل أنقذ مصر من الانهيار والذهاب نحو المجهول وهذه حقيقة يجب أن يعترف الجميع بها إن كانوا منصفين, وإلا فليقل لى أحدهم عما كان يراه بديلا عما حدث أو أفضل مما جرى.
أما عن رأى الشباب فقد رأينا بالميدان وعلى شاشة الفضائيات حفاوة شباب الثورة بالجنود المتواجدين بالميدان, وإهدائهم الورود والأحضان, بل وحرصهم على أخذ صور تذكارية على المركبات العسكرية, وما سمعناه من هتافات تقول أن الجيش والشعب إيد واحدة, فقد كان مشهدا رائعا بالفعل, وهنا نستطيع الحكم على نظرة شباب الثورة للمؤسسة العسكرية فى حينه, أما وأن يتزامن تغيير الهتاف تزامنا مع سيطرة الإخوان على الميدان ليكون يسقط يسقط حكم العسكر فهنا يجب أن نتوقف لنقف على السبب فى التغيير. والحقيقة أن مصطلح حكم العسكر قد أنشأ حديثا لاستعماله فى الحروب الباردة بهدف إسقاط حكام بدول أخرى. وكم من رئيس كان ذى خلفية عسكرية فى كل البلدان سواء أميريكا أو فرنسا بل أن الكثيرين فى حكومة ترامب الآن وفى هذا الوقت الذى نتحدث فيه ذو خلفية عسكرية, والعبرة هنا بنجاح الحكم وليس فى مهنته أو مؤهلاته, ويكفينا مثالا على هذا ما حدث من تطور هائل بالبرازيل التى تولى رئاستها رجلٌ كان يعمل ماسح للأحذية وهذا ما قلته بروايتى محل النقاش وهى الكوميديا الصهيوأمريكية,
 وبالرغم من كل ما سبق فإنه يجدر بى أن أقرَّ ولا أنكر أن هناك الكثيرين من الحالمين بدولة مدنية ليست دينية ولا عسكرية ولا حزبية وأعنى هنا سيطرة الحزب الواحد.

السؤال الثامن:
                     أوضحت حضرتك فى عملك الأدبى أن إعادة بناء العقلية الثقافية المصرية والعربية ضرورة لتخطى هذة الفترة العصيبة فى تاريخ مصر والوطن العربى. ما هو تقييم حضرتك لدور المؤسسات الثقافية فى مصر والوطن العربى لدعم إعادة بناء العقلية الثقافية المصرية والعربية بعد هذة الثورات التى رجت المنطقة العربية؟

تنقسم المؤسسات الثقافية فى بلادنا إلى مؤسسات حكومية وفَّرت لها الدولة إمكانات مناسبة لنشر الثقافة, ونحن بالفعل نلمس جهودها فى هذا الإطار, ونتفهم تفضيلها لنوعية ثقافية معينة مرتبطة بالتراث, ومع هذا فنحن على دراية بالأداء الحكومى على أية حال. وعلى الطرف الآخر نرى مؤسسات أهلية تحاول جاهدة عقد الندوات والفعاليات الثقافية والأدبية غير أنى أيضا لمست محدودية الإقبال عليها, وهنا أتبنى اقتراحا أن تتوحد تلك الهيئات الأهلية لتكوين مؤسسة ثقافية عملاقة تضم كبار الكتاب والأدباء والشعراء, وما أكثرهم ببلادنا عددا, وأكثرهم ربما إحباطا, وأرى أنها إن توحدت, فسيكون لها قوة ملموسة فى التأثير والترقى بثقافة الناس, كما أرجو أن يعتنى بها الإعلام كعنايته بأبطال موسيقى المهرجانات والأغانى الشعبية جنبا إلى جنب.
والحقيقة أننا بحاجة لثورة ثقافية مجتمعية أحسب أنها انطلقت بالفعل مع الدعوة بتجديد الخطاب الدينى, إذ إن المنابر من أهم الوسائل التى تؤثر فى الخلفية الثقافية للشعوب, كما أن للأسرة والمدرسة ودور العبادة والإعلام والفنون على اختلافاتها كما ذكرت سابقا هى الكيانات التى تؤثر, بل وتبنى ثقافة مُجتمعية تتماشى مع التغيرات الحضارية والفكرية المعاصرة, وسوف نحقق بهذا نجاحا يقودنا لعصر النهضة وما بعدها من حداثة, ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة صياغة الفكر والعقل العربى على أسس صحيحة وسليمة.

السؤال التاسع:
                      بعد مرور ثمان سنوات على الثورة فى مصر والمنطقة العربية ، كيف ترى حضرتك الوضع فى مصر والوطن العربى؟

ذكرت فى روايتى أنك لو عرضت على مَلاكٍ طاهرٍ إيجاد حلٍ لما حدث, وما زال يحدث فى سوريا, لنصحك باستشارة الشيطان علَّه ينجح فى إيجاد حلٍ يرضى جميع الأطراف المتعاركة والموجودة على الأراضى السورية, ونفس الحال ينطبق على ما حدث وما زال يحدث بلبيا, وقد رأينا الثورات تشتعل مرة أخرى فى العام ٢٠١٩ لتشمل السودان والجزائر ولبنان والعراق, وقبلهما حدثت عل استحياء بالأردن, كما تساءلت بروايتى عن حجم الأموال المطلوبة لإعادة بناء ما دمرته تلك الثورات وعن الوقت المطلوب لعملية إعادة البناء, أما السؤال الهام فهو هل ستتوفر الثروات اللازمة لإعادة البناء بعد أن استزفت ثرواتنا بشراء الأسلحة لاستعمالها فى قتل بعضنا البعض, ولهذا طالبت بروايتى العرب جميعا بوقفة لتأمل الموقف الصعب الذى تمر به أمتنا, حتى يتوقف الأخوة الأعداء عن إراقة دمائهم, ودماء الأبرياء بينهم, وأرى أن على العرب جميعا حكاما ومحكومين وكما قلت من الغفير للأمير أن نعيد قراءة التاريخ, والاعتبار بما حدث من النجاحات ووسائلها والإخفاقات وأسبابها, وأن تنحصر واجبات ولاة الأمر فى إقامة العدل دون تفريقٍ بين فقير وأمير, وطالبت الشعوب بالتحرر ممن يسيطرون على قلوبهم وعقولهم, ومن يجيدون توظيف الشعارات وخاصة الدينية منها, وأن يعي الجميع أن الله قد خلقنا لعبادته, وللبناء والتعمير فى الأرض, وأن نتعلم ثقافة الإتقان عمل بالحديث: عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله (ص) إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه, كما قال أيضا: من غشنا فليس منا, وهناك العديد من الأحاديث التى أرانا فى أمس الحاجة لجعلها منهاجا لنا, والتى نعى أن الشعوب, وحتى الغير مؤمنة بعقيدتنا قد استعملتها وحققت نهضة رائعة ببلادها ومواطنيها, وكما ناديت بروايتى علينا الاستفادة من التجارب الأوروبية والأميريكية والأسيوية بل وبالتجربة البرازيلية أيضا فى هذا الإطار.
أما عن الوضع فى مصر فقد تخطت مصر بجهود وتضحيات الشرفاء فيها, وأصبحت تتمتع بدرجة عظيمة من الأمن الاجتماعى مما وفَّر لها المناخ المناسب للانطلاق بعملية البناء والتطور, وهنا يجدر بنا أن ننادى بتضافر جميع الجهود من أهل العلم والخبرة والمعرفة, وخبراء الإدارة والاستنارة, وهيئات الرقابة والمحاسبة, وكل من لديه خبرة تساعد بعملية البناء على أسس صحيحة, مستفيدين بتجارب الدول التى بدأت معنا وحققت طفرات نهضوية مشهودة سبقتنا بها كثيرا جدا, كما أشير هنا لأهمية دور المثقفين والتنويرين والأدباء والفنانين بكافة تخصصاتهم من أجل خلق ثقافة جديدة تتناسب مع طموحاتنا وأحلامنا, ولا تبتعد عن عقيدتنا وثوابتها بفهمٍ واعٍ ومنهجٍ يدعوا للوحدة والحب وينبز التعالى والفرقة, والتقاتل والتشتت والانقسام, وأقترح أن تؤسس هيئة فاعلة وليس مجرد عنوان, أو لافتة تكتب على مبنى كالعديد من اللافتات الموجودة من زمن ولا نرى لها أثرا أو جهدا ملموسا بحياتنا وتطورنا, لذا فإننى أحلم بهيئة مؤهلة لهذه المهمة الشاقة, تقوم على التنسيق بين كافة الجهات والقيادات المسؤولة بالبلاد, لبدء مرحلة نهضة جادة وشاملة بكافة الميادين.   
وفى الختام أكرر الشكر والتحية لحضرتك دكتورة رانيا, مُذكِّرًا مرة أخرى أننى قد قدمت قرأتى للأحداث دون ميلٍ لطائفة على أخرى مبتغيا صلاح أمرنا, وأمر أمتنا, آملا أن نتكاتف جميعا لإنقاذ بلادنا من مخاطر لا يعلم مداها وخطورتها إلا الله الذى أدعوه مخلصا أن يهدينا, وأن يزيل الحقد والكراهية من قلوبنا, وأن يلهمنا مراشد الأمور.




***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة