الأحد، 18 أغسطس 2019

عجمة المشاعر ...... أ صفاء الفقي

عُجْمة المشاعر

خُذ بيدي إليك حينما تراني ذاهلاً عن الحياة والمعاني، وإياك أن يرغمك صمتي على الرحيل، فتتركني أغرق وأنا شاخص العينين ساكن الروح كسير القلب..

إياك أن ترحل وأنت تعلم أنني صامت وأجزائي مُشتتة بين صراعات خوفي وألمي .. أنا لم أطلب من أحد أن يجمعني حينما أتمزق، ولكن تكفيني كلمة صادقة في موقف لا أرى فيه نفسي صلبة .. أنا لا أستطيع السير بقلب ثقيل، دائما ما أفرغ ثقله على الورق..
تلك الأحبار الزرقاء على يدي هي أثر جرح عميق وقديم لم يندمل بعد.. وأنا الذي حملت على عاتقي هم إرشاد المُتعبين إلى سُبل الشفاء من جروحهم!!

أتساءل: كم مرة خُدشت فيها أرواحنا بغير ذنب ودون أن يعلم بمصابنا أحد!! كم وشاية قتلت فينا عفوية الحديث بتكلف مقيت أذهب عن ألفاظنا إحساس الألفة بتحسس المخبوء بين العِبارات والجُمل!!
كم مرة نهرنا أنفسنا بصوت مخنوق (أنا أقوى، أنا سأتحمل)!!
كلا.. لن أتظاهر بالقوة  ثانية
فتلك حماقة خرقاء، وصلابة جوفاء لا تألفها الصخور الصماء ولا البهيمة العجماء فكيف بنا ونحن تجرحنا نظرة وتكسرنا كلمة !!

 حقيقةً من اليسير جدا أن نُكسر من الداخل
فالهشاشة تحيط بمشاعرنا وتُغلف وجداننا بصورة محكمة، فلا يلتئم صدعنا دون أن يترك خلفه خندقا كبيرا ينزف وجعا كلما اتكأنا على أنفسنا بدعوى التماسك والقوة (نعم) تلك هي الحقيقة التي سنراها جلية في سكوتنا وخلواتنا، بين جدران صمتنا المطبق.

في الصمت رُشد من نوع آخر ينحني له العمر إجلالا وإكبارا، فليس كل كبير صامت ولكن كبر كل صامت لم تُعنه الحروف ولا الكلمات، ولَم  يجد للبوح معنى، فآثر البقاء على نفسه بعيدا عن مشاعر الشفقة وتصنع الرحمة!!

أنفسنا التي ارتدت ثوب الهدوء حينما لم يضمها عابر مُحب، أو صديق مُقرب أدنيناه منا ليرانا من الداخل ولَم يستطع.. نحن الذين كلما أردنا الرحيل نظرنا في جوف كل من حولنا فنسمع شكواهم قبل أن يتفوهوا بها من نظرة واحدة.. لقد شهدت الأيام أننا ربتنا على أنينهم بصوت صدقنا ولَم نخذلهم حينما سهل علينا ذلك ولكننا لم نفعل ..
فما وجدناه مستقرا في أنفسنا ألقينا به عليهم حبا وسلاما وضمادا لأنفسهم المُتعَبة..
فأخذنا بأيديهم إلى النجاة، ورفعنا عنهم حرج البوح ففاضت أرواحنا عليهم حنانا ورأفة ولينا
وجمعنا ما تناثر منهم في جُعبة من الصدق والأخوة والمناصرة الدائمة وهي أولى حقوق الأخ على أخيه.. إننا وإياهم مسافرون ودرب الحياة حق لنا والعمر نتقاسمه معهم يوما بيوم ودهرا بدهر  ولحظة بلحظة، أعجب كثيرا ممن يصابون بعجمة المشاعر رغم كثرة الدلائل، وتعدد الشواهد..!!

أنا وأنت وهم كلنا لآدم نفس واحدة وروح واحدة فمتى سندرك أن الألم في قلب الواحد منا يصيبنا جميعاً وإن كنّا لا نشعر به حقيقةً؟؟!!

(عُجْمة المشاعر)
بقلم
أ/ صفاء الفقي




***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة