السبت، 25 أبريل 2020

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي راعي الاولة

راعي الأولة ــ يا دام عزكم ــ مثل بدوي , يقولون : راعي الاولة ما ينلحق أي ( صاحب المعروف الاول لا يُسْبَق ) , وهو مصطلح قديم من طبائع العرب , وإن أخذ هذه الأيام طابع البداوة , ويقصد به ان صاحب المعروف الأول او من يسدي معروفا لشخص على غير معرفة او انتظار رد فهذا لا يسبقه المُسْدَى اليه مهما كان رده كبيرا , فراعي المعروف الاول لن تفيه حقه مهما كان جزاؤك له , ولن تبلغ مجاراته , فيبقى هو صاحب اليد الطولي والمبادرة الحسنة في لفعل الخير , وهناك قصص كثيرة تروى عن هذه الصفة النبيلة :
يروى ان امير المؤمنين هارون الرشيد وزيره جعفر البرمكي خرجا يوما للصيد , فتاها عن الركب واخذ بهما العطش مأخذه , حتى اوصلتهما اقدامهما بعد اعياء الى خباء بدوي غائر في الصحراء , فرحب بهما دون ان يعرفهما , فقدم لهما الماء حتى استراحا , ثم ذبح لهما شاته التي لا يملك غيرها وقراهما . وبعد ان استراحا وهما بالمغادرة اخرج هارون صرة من الدنانير والقاها على فراش الرجل وخرج . قال جعفر : يا امير المؤمنين : أمِن اجل شاة عجفاء تعطيه كل هذه الدنانير , هذه الصرة تكفي لشراء قطيع كامل من الماشية . قال الخليفة : يا جعفر : هذا رجل جاد لنا بكل ما يملك وهو لا يعرفنا , فهل نوفيه حقه ان جدنا عليه بجزء يسير مما نملك . حقا هو راعي الاولى .
لعل من القيم التي ورثناها عن اجدادنا ــ من عهد الجاهلية الاولي ــ النخوة والكرم والايثار, دون انتظار الجزاء . وحث الاسلام على المبادة والتسابق الى الخير , والقدوة الحسنة او السنة الحسنة , فمن سن سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة .
في هذه المحنة التي المت بنا وبالعالم اجمع ــ ايها السادة الافاضل ــ ما احوجنا الى راعي الاولة او القدوة الحسنة او السنة الحسنة , او السباقين والمتسابقين لفعل الخير وتقديم الدعم لمن فقدوا اعمالهم , ومن تقطعت بهم السبل على ارض هذه البلاد الطيبة , بانتظار فزعة الوطن ورجال الوطن اصحاب الهمم العالية والقلوب العامرة والجباه الشامخة والانوف الشماء لدعم هؤلاء المحتاجين وانقاذهم من بؤس ما آلوا اليه .
افخر ايها السادة وانا احد المنتسبين لنقابة المعلمين الاردنيين التي كانت رغم شح مواردها اول المبادرين للتبرع لوزارة الصحة بنصف مليون دينار , وهذا اظنه نصف مدخراتها ان لم يكن جلها , لتكون القدوة الحسنة لأهل البر , وبعدها تفضل المتبرعون لصندوق فزعة وطن كل حسب قدرته , لمساعدة الحكومة في تجاوز هذه الازمة .
هذا امر جيد ومألوف لدى الشعب الاردني الطيب , لكن المبلغ الذي جمع قد لا يكفي حوالي نصف مليون اسرة انقطع معيلها كليا او جزئيا عن العمل , فالأمر بحاجة الى المزيد , هناك من طنشوا وجعلوا في اذانهم وقرا , وكأن العرس عند جيرانهم , فكشوف المتبرعين الاول والقدوة الحسنة خلت من اسماء خمسن مليارديرا اردنيا استفادوا من الوطن , واثروا من جيوب فقرائه , مصوا الدماء وسلبوا خيراته وباعوا ومقدراته . اين هؤلاء ؟ بل اين ثرواتهم ؟ هل هؤلاء اردنيون حقا , وهل المواطنة بالهوية ام بالانتماء ؟ هل تنفعهم اموالهم ان حدث للوطن ــ لا قدر الله ــ مكروه ؟ اين هم ؟ ولماذا لا يسري عليهم قانون الدفاع ؟ ام ان سلطتهم اعلى ؟ وهل من الاولى ان تؤخذ من موظف مسكين علاوته لمدة عام ام من هؤلاء ؟ فنسبة 1% من اموالهم تكفي لإنقاذ الاقتصاد الاردني برمته , ففي مثل هذه الاحوال من لم يعط باختياره يؤخذ منه رغما عن انفه .
اقول ــ ايها السادة الكرام ــ : الشعب واع ولا ينسى , لا ينسى من وقف معه في محنته ومن قلبَ له ظهر المِجَنّ , واغلق الباب على ملياراته او هربها للخارج . بعد كرونا سيكون غير ما قبلها , سيخرج الاردن بإذن الله قويا معافى , وعندها لن يحاسب الشعب من خذله وانما سيهمله , والاهمال عند من يفهم اشد قسوة من الحساب . طاب يومكم .

التعليقات

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة