الخميس، 13 أغسطس 2020

الدكرورى يكتب عن الوليد الثانى بن يزيد ( الجزء الرابع )



إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الرابع ومع الوليد الثانى بن يزيد وقد قال عبد الله بن واقد

الجرمي: قال: لما اجتمعوا على قتل الوليد، قلدوا أمرهم يزيد بن الوليد، فشاور أخاه العباس، فنهاه، فخرج يزيد في أربعين نفسا ليلا، فكسروا باب المقصورة، وربطوا واليها، وحمل يزيد الأموال على العجل، وعقد راية لابن عمه عبد العزيز، وأنفق الأموال في ألفي رجل، فتحارب هم وأعوان الوليد، ثم انحاز أعوان الوليد إلى يزيد، ثم نزل يزيد حصن البخراء، فقصده عبد العزيز، ونهب أثقاله، فانكسر أولا عبد العزيز، ونفد إلى يزيد بالرأس وكان قد جعل لمن أتاه به مائة ألف. وقيل: سبقت كفه رأسه بليلة، فنصب رأسه على رمح بعد الجمعة، قيل: عاش ستا وثلاثين سنة، وكان مصرعه في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة فتملك سنة وثلاثة أشهر.


وأمه هي بنت محمد بن يوسف الثقفي وهو أمير اليمن وكان أخو الحجاج بن يوسف الثقفى، وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الأكبر، وتعتبر خلافة الوليد بن يزيد هى كانت بداية النهاية للدولة الأموية حيث انفجرت المشاكل في كل مكان والاخطر من ذلك ان الانقسامات حدثت بين أبناء البيت الأموي نفسه وأصبح باسهم بينهم شديد، فرغم أن الوليد استهل عهده بزيادة رواتب الجند، وقد يسر له ذلك كثرة الأموال التي تركها له عمه هشام بن عبد الملك، وهو الذي اشتهر بتدبير الأموال ورغم أنه اشتهر بصفات حسنة وميل الي فعل الخير علي حد تعبير ابن كثير الذي يقول : ثم ان الوليد بن يزيد سار في الناس سيرة حسنة بادئ الرأي واخرج من بيت المال الطيب والتحف.


لعيالات المسلمين وزاد في أعطيات الناس ولا سيما اهل الشام والوفود وكان كريما ممدوحا شاعرا مجيدا لا يسأل عن شيء فيقول لا، رغم هذه البداية الطيبة إلا أن الوليد لقي مصرعه علي اثر ثورة اقامها ضده بتدبير ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك وبعض أبناء عمومته الاخرين، وهشام وسليمان والحجاج، وقد نجح هؤلاء في تلطيخ سمعة الوليد واتهموه بالفسق والفجور واللواط والعكوف علي شرب الخمر والغناء، حتي اتهموه انه هم بان يشرب الخمر فوق الكعبة عندما امره عمه هشام علي الحج سنة مائه وتسعه عشر من الهجره، وكما اتهم بانه اهان المصحف الشريف الي غير ذلك من التهم الشنيعة التي الصقها أبناء البيت الأموي بابن عمهم، والحقيقة انه بالتكامل والبحث في النصوص اتضح ان هذه التهم مبالغ فيها.


بل تكاد تكون مختلقة من أساسها بدافع الحقد والخصومة، فبعض المصادر التاريخية تروي مايدل علي ان الوليد لم يكن علي هذه الصورة الماجنة الفاجرة، فابن الأثير يروي ان الوليد كان عفا ذا مروءة وكان ينهي الناس عن الغناء لانه يزيد في الشهوة ويهدم المروءة، ثم يقول : وقد نزه قوم الوليد مما قيل فيه وانكروه ونفوه عنه، وقالوا : انه قيل عنه وليس بصحيح وروي الطبري وتابعه ابن الأثير وابن كثير انه لما احاط اتباع يزيد ابن الوليد بالوليد بن يزيد في قصره وحصروه قبل أن يقتلوه، قالوا : فدنا الوليد من الباب فقال اما فيكم رجل شريف له حسب وحياء اكلمه، فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي، كلمني قال له : من أنت ؟ قال : انا يزيد بن عنبسة، قال : ياخي السكاسك، الم ازد في اعطياتكم ؟ الم ارفع المؤن عنكم ؟ الم اعط فقرائكم ؟ الم اخدم زمانكم ؟ فقال :انا ما ننقم عليك في انفسنا.


قالوا وتفرق الناس عن الوليد بن يزيد وأتوا عبد العزيز والعباس، فظاهر الوليد بين درعين، وأتوا بفرسين يقال لهما السندي والزائد، فقاتلهم، فناداهم رجل: اقتلوا عدو الله قتلة قوم لوط ارموه بالحجارة، فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق الباب، فقال: أما فيكم رجل شريف ذو حسب أكلمه، فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي: تكلم. فقال: ومن أنت؟ قال: أنا يزيد بن عنبسة، قال: يا أخا السكاسك ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع المؤن عنكم؟ ألم أعطى فقراءكم؟ ألم أخدم زمناكم؟ فقال له: ما ننقم عليك في أنفسنا ولكنا ننقم عليك انتهاك ما حرم الله من شرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله، وإتيانك الذكور، قال: حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد أغرقت وأكبرت.


وإن في ما أحل الله لمندوحة عما ذكرت، والله لا يرتق فتقكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم، ورجع إلى الدار فجلس وأخذ مصحفاً وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر المصحف يقرأه، فعلوا الحائط، وكان أول من علاه يزيد بن عنبسة، فنزل وسيف الوليد إلى جانبه فقال له يزيد: نح سيفك، فقال الوليد: لو أردت السيف كانت لي ولك حال، فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يحبسه ويؤامر يزيد بن الوليد فيه، فنزل من الحائط عشرة فضربه واحد على وجهه وضربه آخر على رأسه، وجره خمسة منهم ليخرجوه فصاحت امرأة كانت معهم في الدار فكفوا عنه فلم يخرجوه، واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه وأخذ عقباً فخاط الضربة التي في وجهه وحمل الرأس إلى يزيد بن الوليد، روح بن مقبل.


وقال: ابشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، وكان يزيد يتغدى فسجد ومن كان معه، وأخذ يزيد بن عنبسة بيد يزيد بن الوليد وقال: قم يا أمير المؤمنين وابشر بنصر الله وصنعه، فاختلج يزيد يده من كفه وقال: اللهم إن كان هذا الأمر لك رضىً فسددني ووفقني، قالوا: وكان على ميسرة الوليد بن يزيد، الوليد بن خالد أخي الأبرش الكلبي في بني عامر، وكانت بنو عامر ميمنة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فلم تقاتل الميسرة والميمنة، ومالوا جميعاً إلى عبد العزيز، وقال بعضهم: رأيت خدم الوليد وحشمه يأخذون بأيدي الرجال فيدخلونهم عليه، وقال الهيثم بن عدي: خرج الوليد وعليه قباء خز وقد تحزم بريطة، فأتاه قوم من أهل حمص ينصرونه، عليهم عبد الرحمن بن أبي الجنوب البهراني.


وأتاه بنو سليم بن كيسان صاحب باب كيسان بدمشق في ستة عشر فارساً، وتلقاه بنو النعمان بن بشير الأنصاري في فوارس، ثم صار إلى البخراء فضاق العلف على أصحابه، فاشترى زرع القرية فقالوا له: لا حاجة لنا في البقل إنما تسترخي عليه دوابنا وتضعف، أعطنا دراهم، وأخبر بإقبال عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك من قبل يزيد الناقص، فلم يكترث لذلك، وكان العباس بن الوليد قد أقبل يريد الوليد كراهة لنقض بيعته فوجه إليه عبد العزيز فحازه إليه، وسمع الوليد تكبير أصحاب عبد العزيز بالبخراء، فخرج خالد بن عثمان فعبأ الناس، ولم يكن بينهم قتال حتى طلعت الشمس، وكان مع أصحاب الناقس كتاب معلق في رمح فيه: إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وأن يكون الأمر شورى.


فاقتتلوا فقتل عثمان الخشبي، وكان من أولاد بعض الخشبية الذين كانوا مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقتل مع أصحاب الوليد زهاء ستين رجلاً، وكان الأبرش على فرس له فجعل يصيح بابن أخيه: يا بن اللخناء قدم رايتك، قال: لا أجد متقدماً، إنها بنو عامر، وقال هشام بن عمار: حدثت أن العباس بن الوليد قاتل مع الوليد بن يزيد وفاء ببيعته، فطعنه رجل من أصحاب عبد العزيز فأرداه عن فرسه، فعدل إلى عبد العزيز فسقط في يد أصحاب الوليد وانكسروا، ومكث العباس عند عبد العزيز أسيراً، ثم إن أخاه يزيد بن الوليد صفح عنه وكان به براً، فهذا يدل علي ان التهم التي الصقت بالوليد وكانت باطلة أشاعها حوله اعداؤه من أبناء اعمامه ثم كيف لإنسان ان يصدق ان الوليد. 


وكان ولي عهد يعني خليفة المسلمين في المستقبل يهم بشرب الخمر فوق الكعبة وهو أمير الحج ؟ وهل ضاقت عليه الدنيا حتي لم يجد مكانا يشرب فيه الخمر غير الكعبة، وان هذا لو حدث من حاكم مسلم في عصرنا هذا لرماه الناس بالحجارة، فكيف بالوليد خليفة المسلمين وهو في عصر قريب من عصر النبوة والخلافة الراشدة وملئ بالعلماء والصالحين من التابعين، وعلي كل حال اذن الله لدولة بني امية ان تزول وحق عليهم قول الحق: (يخربون بيوتهم بأيديهم) ولم نبعد عن الصواب حين قلنا أن مقتل الوليد علي أيدي أبناء عمومته كان بداية النهاية لدولتهم، ولم تجتمع لهم كلمة بعده كما حذرهم الوليد نفسه ولقد حاول بعض بني أمية مثل العباس بن الوليد أخي يزيد قائد الثورة علي الوليد.


ومروان بن محمد أن يوقفوا التدهور الذي آل إليه بنو أمية وأن يمنعوا الثورة على الوليد لكنهم فشلوا في ذلك واستطاع الثوار الإحاطة بالوليد في قصره في قرية تسمي البخراء علي بعد أميال من تدمر وقتلوه في أواخر جمادي الاخر سنة مائه وسته وعشرين من الهجره، وجاء مقتله دليلا علي حالة الانهيار الذي وصل اليه أبناء البيت الأموي الذين فقدوا كل إحساس بالمحافظة علي دولتهم والأخطار التي كانت تحدق بها من كل جانب ولقد سهلوا بعملهم هذا لأعدائهم القضاء على دولتهم وعليهم جميعا في مدى ست سنوات بعد مقتل الوليد بن يزيد، وقيل أن الوليد بن يزيد قد نَظر إلى نصرانيَّة من حسان نساء النصارى اسمها سفري فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألحَّ عليها وعشقها فلم تطاوعه. 


فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكَّر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلِّم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها : ويحكم، أتدرين مَن هذا الرجل ؟ فقالت : لا ، فقيل لها : هو الوليد فلما تحقَّقَت ذلك حنَّت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحنَّ عليه، وقيل أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمَّار بخمسمائة دينار، وقيل أن أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئاً من سيرته وأخباره.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة