الجمعة، 2 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن السلام هو الحياه



بقلم / محمـــد الدكـــرورى 


إن الإنسان المؤمن هو الذى من معانيه الجميله التي اشتق منها الأمان، فإن الله عز وجل هو الذي يهب عباده المؤمنين الأمن في الدنيا، بالطمأنينة والأنس الذي يجدونه في قلوبهم بفعل الإيمان به سبحانه وتعالى وتوحيده، وكذلك هو الذي يؤمن لجميع خلقه كل ما يأمن بقاء حياتهم إلى أجلهم المحتوم، بتوفير رزقهم ودفع الغوائل عنهم، ولقد أنعم الله تعالى، على كثير من الأمم بنعمة الأمن، لكنهم لمّا كفروا بنعمة الله وأعرضوا عن شرع الله تعالى، عاقبهم الله عز وجل، فبدّل أمنهم خوفا، فلا تسل عمّا يحل بهم بعد ذلك، وإن من الخطأ قصر مفهوم الأمن على نطاق ضيق متمثل في مجرد حماية المجتمع من السرقة أو النهب أو القتل وأمثال ذلك، فمفهوم الأمن أعم من ذلكم وأجل، إنه يشمل التمسك بعقيدة التوحيد. 


والبعد عن الشرك وموالاة الأعداء، وتنحية شرع الله عز وجل، عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع الله بشرع غيره، فإن الأمن بمفهومه الشامل يتمثل في حماية المجتمعات وحفظها من الوقوع في الشبهات والشهوات، وإن الأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للأرواح والأموال لصوصا، فإن للعقول لصوصا كذلك، ولصوص العقول أشد خطرا وأنكى جرحا من سائر اللصوص، ومن مطالب الحياة الطيبة هو الأمن والأمان، فكيف يعيش المرء في حالة لا يجد فيها أمنا ولا استقرارا، وكيف يطيب عيشه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع، حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقق الاطمئنان والسكون، والرخاء والازدهار. 


وبه تستقيم المصالح وتحفظ الأنفس، وتصان الأعراض والأموال وتأمن السّبل وتقام الحدود، وبفقده تضيع الحقوق، وتتعطل المصالح، وتحصل الفوضى، ويتسلط الأقوياء على الضعفاء، ويحصل السلب والنهب، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع، وإن الأمن نعمة عظمى، ومنّة كبرى، لا يدرك قيمته ولا يستشعر أهميته إلا من  تجرّع غصةَ الحرمان منه، واصطلى بنار فقده، فوقَع في الخوف والقلق، والذعر والاضطراب والفوضى والتشريد والضياع، فكم من غريب فقَد موطنه، وكم من شريد غاب عن أهله وعشيرته، وكم من منكوب تائه لا يعرِف له مأوى، ولا يشعر بطمأنينة ولا استقرار، فإن حاجة الإنسان للأمن والاطمئنان كحاجته إلى الطعام والشراب والعافية للأبدان.


وكيف لا وقد جاء الأمن في القرآن والسنة مقرونا بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه؟ وقد امتن الله به على عباده، وأمرهم أن يشكروا هذه النعم بإخلاص العبادة له، فإذا عم الأمن البلاد، وألقى بظله على الناس، أَمِن الناس على دينهم، وأَمِن الناس على أنفسهم، وأَمِن الناس على عقولهم، وأمِنوا على أموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتب الله تعالى الأمن على أهل بلد من البلاد، سار الناس ليلا ونهارا لا يخشون إلا الله، وإن الأمن في الأوطان مطلب الكثير من الناس، بل هو مطلب العالم بأَسره، فحياة بلا أمن لا تساوي شيئا، وكيف يعيش المرء في حالة لا يأمن فيها على نفسه حتى من أقرب الناس إليه؟ فى خوف وذعر وهلع وترقب وانتظار للغد، لا يفكر الإنسان في شيء إلا في حاله اليوم فقط.


فهو ليس عنده تفكير في مستقبل، وما كان ذلك إلا بسبب فقدان الأمن، وإن الناس في هذه الحياة لهم مآرب شتى، وأحوال متعددة، تختلف أديانهم وتوجهاتهم، وتختلف رغباتهم، إلا أن هناك أمورا هم جميعا مُجمعون على طلبها والبحث عنها، بل هي غاية كثير منهم، ويظهر هذا الأمر جليّا وواضحا في المطلب الذي يكابِد من أجله شعوب، ويسعى لتحقيقه فئام كثيرون، إنه الأمن على النفس والمال والولد، وأن الإنسان في حال الفتنة والقلاقل يشغله الخوف عن عبادة ربه سبحانه وتعالى، وربما زاغ كثيرا عن الحق، ألم يخبر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن أن المتمسك بدينه في آخر الزمان حين تكثر الفتن كالقابض على الجمر؟ وإن الله عز وجل، قد أنعم على الإنسان بالنعم، وإنها نعم كثيرة. 


وآلاؤه عظيمة، لو جلسنا نعددها ما استطعنا، لكن هنالك نعمة في غاية الأهمية والخطورة ربما لا نشعر بها، ولا نعيرها اهتمامنا كثيرا، إنها نعمة الأمن والأمان، فيجب علينا إدراك قيمة هذه النعمة، وأن نتذكرها، وأن نعرف كيف نحافظ عليها، وأن نحذر من أسباب زوالها، وخاصة وأن أعداءنا يحاولون جادين زعزعة استقرار بلادنا وأمننا، مستغلين في ذلك بعضا من أبناء هذا الوطن، بتلويث أفكارهم وتحريضهم على ما يضرهم ولا ينفعهم، فيجب علينا أن نعرف قدر هذه النعمة جيدا، وأن نحافظ عليها بشتى أنواع الوسائل حتى نأمن في ديننا وديارنا، ولكن هنالك نعمة لا يستطيع فرد أو أسرة، أو بلد أو أمة أن تعيش بدونها، إنها نعمة لا يهنأ العيش بدونها، ولا يقر قرار عند فقدها، إنها النعمة التي يبحث عنها الكثير. 


المسلم وغير المسلم، الصغير والكبير، الغني والفقير، هي نعمة لا يوجد أعظم ولا أجل منها إلا نعمة واحدة وهى الإسلام، إنها نعمة الأمن والأمان، ولكن يجب أن نتوقف قليلا حتى نعرف أن الدنيا مزرعة الآخرة، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك، أنه صلى الله عليه وسلم قال " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة " فلابد من هذا التأصيل، ولابد من هذا الفهم الدقيق بهذا الوعي العميق لحقيقة الدنيا، لننطلق من هذه الدار إلى دار تجمع سلامة الأبدان والأديان، إلى دار القرار، فلابد قبل أن تعبر إلى دار القرار من المرور بهذه الدار، فالدنيا دار ممر والآخرة هي دار المقر، والدنيا مركب عبور لا منزل حبور.


والدنيا دار فناء وليست دار بقاء، فلابد من وعي هذه الحقيقة لنستغل وجودنا في هذه الدار، ولنزرع هنا ونجني هنالك عند ربنا عظيم الثمار، وكن على يقين جازم بأن الحياة في هذه الدنيا موقوتة محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتما، فيموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد، يموت الشرفاء الذين يأبون الضيم ويكرهون الذل، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن، فالكل يموت، كما قال تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الرحمن ( كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )  فلابد من أن تستقر هذه الحقيقة في القلب والعقل معا، إنها الحقيقة التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع وعقل كل مفكر. 


أنه لا بقاء إلا للملك الحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة التي شرب كأسها الأنبياء والمرسلون، والعصاة والطائعون، إنها الحقيقة الكبيرة التي تؤكد لنا كل لحظة من لحظات الزمن قول الله تعالى فى سورة القصص ( كل شئ هالك إلا وجهه ) فإن الأمن مطلب الجميع، ولقد كانت قريش في الجاهلية قد جعلت نفسها مسؤولة عن أمن مكة والحجيج الوافدين إليها، حتى إذا جاء حاج فتعامل مع أحد المقيمين في مكة ثم ظلمه حقه، نادى هذا الرجل على أهل مكة بأعلى صوته طالبا حقه، فاجتمعت قريش بأفخاذها وقبائلها في دار عبدالله بن جُدعان، فتحالفوا على ألا يُظلم في مكة غريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه.


وقد روى البيهقي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد شهدت في دار عبدالله بن جُدعان حِلف الفضول، أما لو دُعيت إليه اليوم لأجبت، وما أحب أن لي به حمر النعم وأنى نقضته " ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحا، أمر أن ينادي مناد " من دخل المسجد الحرام فهو آمِن، ومَن دخل داره فهو آمن، ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" لأن الناس إذا أمِنوا على أنفسهم اطمأنوا، وزال عنهم الرعب، وعادت إليهم عقولهم، فإن الأمن مطلب في حياة الإنسان، إذ هو بطبعه ينشد الأمن وما يبعده عن المخاطر والمخاوف، ولأهميته وعظيم مكانته فقد دعا الخليل إبراهيم عليه السلام، لأهل مكة فقال كما هو فى سورة البقره (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) فقدّم طلب الأمن على طلب الرزق، لأن الأمن ضرورة، ولا يتلذذ الناس بالرزق مع وجود الخوف.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة