الجمعة، 2 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( الجزء الخامس )



إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الخامس مع عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، وقد قال فى فضله أبو سلمة بن عبد الرحمن " مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه" وقال كل من طاووس وميمون بن مهران عنه " ما رأيت أورع من ابن عمر" وقال محمد بن الحنفية " كان ابن عمر خير هذه الأمة " وقد كان لعبد الله بن عمر من الولد اثنا عشر وأربع بنات، وهما أبو بكر وأبو عبيدة وواقد وعبد الله وعمر وحفصة وسودة وأمهم كانت السيده صفية بنت أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي وهو ثقيف، وأما عن ولده عبد الرحمن فكانت أمه هى السيده أم علقمة بنت علقمة بن ناقش بن وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر.


وأما عن أولاده سالم وعبيد الله وحمزة وكانت أمهم هى أم ولد، وأما عن أولاده زيد وعائشة وأمهما، فكانت أمهم أم ولد، وأما عن إبنه بلال وكانت أمه أم ولد، وأما عن أبو سلمة وقلابة وكانت أمهما أم ولد، ويقال إنها أم زيد بن عبد الله سهلة بنت مالك بن الشحاح من بني زيد بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، ومعنى أم ولد وهو مصطلح شهير في كتابات المؤرخين المسلمين القدامى، وهو يشير إلى الأَمَة التي ولدت من سيدها في مِلكه، وهى تعتق بمجرد موت سيدها ولا يجوز له بيعها، ويكون حكمها كحُكم الحُرَّة في الستر، أى في ستر الرأس والأطراف وكذلك في أحكام الصلاة، ولا يختلف فقهاء المسلمين على إباحة ووطء الإماء، لقوله تعالى ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم )


 ( أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) وتعرف أيضا بأنها الأمة التي قد أنجبت من سيدها ولدا وقد استهل صارخا ولو مات حينئذ، فكل أمة أنجبت من سيدها ولدا ولو استهلَ صارخا ومات، فهي أم ولد تعتق بمجرد موته، وله منها في حياته قليل الخدمة ولا يجوز له بيعها، وهي التي تسمى أم الولد، وقد شهد عبد الله بن عمر العديد من المشاهد على صغر سنه، فقد شهد كل المشاهد مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سوى بدر وأحد حيث استصغره النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت بداية جهاده في غزوة الخندق، كما أنه شهد بيعة الرضوان، وشهد غزوة مؤتة واليرموك، وحضر يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس، وشهد فتح مصر، واختط بها. 


وقدم البصرة وشهد غزو فارس وورد المدائن مرارا، وغزا إفريقية، وغير ذلك، وكان عمره يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة، وقد كان ابن عمر من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة، إذ كان تاجرا أمينا ناجحا، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قَط، إنما كان يرسله إلى الفقراء والمساكين والسائلين، وقد قيل عنه رضى الله عنه أنه كان إذا أعجبه شيء من ماله تقرب به إلى الله عز وجل، وكان عبيده قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه، فيقال له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا لله انخدعنا له، وكان له جارية يحبها كثيرا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع، وقال: إن الله تعالى يقول فى سورة آل عمران. 


( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) واشترى مرة بعيرًا فأعجبه لما ركبه فقال: يا نافع أدخله في إبل الصدقة، وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف فقال: أو خيرا من ذلك؟ هو حر لوجه الله، واشترى مرة غلاما بأربعين ألفا وأعتقه، فقال الغلام، يا مولاي قد أعتقتني فهب لي شيئا أعيش به فأعطاه أربعين ألفا، واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلي فقاموا خلفه يصلون فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: لله! فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم، والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفا، وكانت تمضي عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه لحما إلا وعلى يديه يتيم، وبعث إليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع ليزيد، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء. 


وكان يقول، إني لا أسأل أحدا شيئا، وما رزقني الله فلا أرده، وكان رضي الله عنه كثير الإنفاق في وجوه الخير قال ميمون بن مهران، أتاه اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها، وذكر عنه ابن شعبان، أنه اعتمر ألف عمرة وكان من أكرم أهل زمانه،  وعن مالك، أنه حج ستين حجة وأعتق ألف رأس وحبس ألف فرس، ولقد كان عبد الله رضي الله عنه خائفا من أن يقال له يوم القيامة، كما قال الله تعالى فى سورة الأحقاف ( أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) وكما كان يقول عن نفسه " والله ما وضعت لبنه ولا غرست نخله منذ قبض النبى صلى الله عليه وسلم " وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا قد مالت به ومال بها إلا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما. 


وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدى فقال " يا عبد الله، كن فى الدنيا كأنك غريب، أو كأنك عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور " ثم قال لى " يا عبد الله بن عمر، فإنه ليس ثم دينا ولا درهم، إنما هى حسنات وسيئات، جزاء بجزاء، وقصاص بقصاص، ولا تتبرأ من ولدك فى الدنيا، فيتبرأ الله منك فى الآخره، فيفضحك على رءوس الأشهاد، ومن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامه " ويقول ميمون بن مهران "دخلت على ابن عمر، فقَومت أى ثمّنت، كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم" وقد روى بن عمر عن: النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وأبيه عمر بن الخطاب. 


وروى عن عثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل والسيده عائشة بنت أبي بكر، ورافع بن خديج، وأبي هريرة، وعلي بن أبي طالب، وبلال بن رباح، وصهيب بن سنان الرومي وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وعمه زيد بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم مولى عمر بن الخطاب، وأخته السيده حفصة بنت عمر، وأبي لبابة الأنصاري وأبي سعيد الخدري، وكان بعد حياة طويلة أمضاها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، في طلب العلم والجهاد في سبيل الله، توفي رضي الله عنه في عام ثلاثه وسبعين للهجرة وهو ابن ثلاثة وثمانين عاما، وقد صلى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، ودُفن جسده في مقبرة المهاجرين، وكما قيل إنَه دُفن في منطقة اسمها المحصب. 


وقد ورد عن الذهبي أنَه نعاه بقوله: "أين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألّهه وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة، فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيردُه، ونيابة الشَّام لعلي، فيهرب منه، فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب"، وقد توفي وله من الولد الكثير، رضي الله عنه وأرضاه، وكانت وفاة ابن عمر بمكة، ودفن بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى، وقيل دُفن بالمحصب، وقيل بسرف، وتوفي ابن عمر دون أن يوصي بوصية، وقد كان ابن عمر رجل ربعة، آدما، جسيما، أصلعا، وقال سعيد بن المسيب أن عبد الله بن عمر كان أشبه ولد عمر بعمر، وأن سالم بن عبد الله، كان أشبه ولد عبد الله بعبد الله، وكان ابن عمر يحب التطيّب، فلا يذهب الجمعة أو العيد إلا وقد دهن وتطيّب.


وكان لابن عمر خاتما نقشه بإسم "عبد الله بن عمر " يجعله عند ابنه أبي عبيدة، فإذا أراد أن يختم أخذه، فختم به، وهكذا هى الدنيا، فإن الفطناء العقلاء هم الذين عرفوا حقيقة الدار الآخره، فحرثوها وزرعوها، وفى الآخرة حصدوها، فالدنيا حقيرة عند الله تعالى، وقد أعطاها للمؤمن والكافر على السواء، فلو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا قط شربة ماء واحدة، لذا كان النبى الكريم يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة، كما أوصى بذلك عبد الله بن عمر رضى الله عنهما كما فى صحيح البخارى " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " .


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة