الجمعة، 24 نوفمبر 2017

كرب وبلاء من صفين إلى كربلاء. -أحمد الشيخ علي




أمة بلغت سدرة المنتهى بالله.
وقرف من انحطاطها الحضيض بالشيطان!
كربلاء ورأس الحسين، ( عليه السلام ) 5

کتاب الحسین الی اهل البصرة.
كتب الحسين رضي الله عنه إلى جماعة من أشراف البصرة ورؤساء الأخماس (أي قبائل: العالية، بكر بن وائل، تميم، عبد القيس والأزد).[91] كتابا مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين إلى كل من مالك بن مِسمَع البكري، الأحنف بن قيس، المُنذِر بن الجارود، مسعود بن عمرو، قيس بن الهيثم، عمرو بن عبيداللّه بن مَعمَر.[92] فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها وفيه: «أمّا بعد... قد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا ادعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه».[93] فكان كل من قرأ كتاب الحسين كتمه عن ابن زياد، ولم يخبر به أحد الا المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب إلى عبيد الله بن زياد، لانّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه.[94][95][96]
قطع الطریق على قافلة الحسین
لمّا بلغ عبيد الله بن زياد خروج الحسين من مكّة وأنّه توجّه نحو العراق بعث الحُصين بن نُمير صاحب شرطته ومعه أربعة آلاف فنظّم الخَيْلَ من القادسيّة إلى خَفّان وما بين القَطْقُطانة إلى جبل لَعْلَع لمراقبة خطوط الحركة؛ لأنها مراكز ومحطَّات لابُدَّ للمُتوجِّهين صوب العراق والشام أنْ يمرُّوا بها.[97] ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح– وكان ضمن الأربعة آلاف- في ألف إلى الحسين، وقال: سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به، ففعل ذلك الحر بن يزيد.[98]
روى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الأسديين، قالا: كنّا نساير الحسين رضي الله عنه فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه، ثم ساروا صباحا، فلما انتصف النهار رأينا هوادي الخيل فسبقناهم الى ذي حسم، فضربت ابنية الحسين رضي الله عنه، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين رضي الله عنه في حرّ الظهيرة والحسين رضي الله عنه واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين رضي الله عنه لفتيانه: اسقوا القوم ورشفوا الخيل.[99]
خطبة الحسين قبل صلاة الظهر في منزل شراف
فلما سقوهم ورشفوا خيولهم، حضرت الصلاة. فأمر الحسين رضي الله عنه الحجاج ابن مسروق الجعفي وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الإقامة فخرج الحسين رضي الله عنه في أزار وردآء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إيّها الناس إنّها معذرة الى الله واليكم إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ان اقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه اليكم»، قال: فسكتوا– الحر وجيشه- عنه. فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال الحسين رضي الله عنه «أتريد أن تصلى بأصحابك؟» قال: «لا، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك»، فصلى بهم الحسينرضي الله عنه .[100]
خطبة الحسين قبل صلاة العصر في منزل شراف
فلما كان وقت العصر أمر الحسين رضي الله عنه أن يتهيئوا للرحيل ثم إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين رضي الله عنه فصلى بالقوم ثم سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أمّا بعد أيها الناس فانكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غيرما أتتنى كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم». فقال له الحر بن يزيد: «إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ولسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك الا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد».[101]
وصول وحركة قافلة الحسين
فقال الحسين رضي الله عنه لأصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: ما تريد؟ قال الحر: «أريد والله أن انطلق بك إلى عبيد الله بن زياد». قال له الحسين : «اذا والله لا اتبعك». فقال له الحر: «إذن والله لا أدعك»، فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثر الكلام بينهما قال له الحر: «إنّي لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفاً حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب اليه أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».[102]
فتياسر الحسين رضي الله عنه وأصحابه عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا والحر يسايره.[103]
واصل الركب الحسيني حركته حتى وصل الى البيضة صباحا[104] فأمر الإمام عليه السلام أصحابه بالتوقف هناك لأداء الصلاة ثم أمرهم بالحركة متوجها صوب نينوى التي وصلها ظهر ذلك اليوم.[105]
وصول مبعوث ابن زياد:
فاذا بمبعوث أبن زياد مالك بن النسر الكندي فدفع الى الحر كتابا من عبيد الله، فاذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.[106] فلما قرأ الكتاب جاء به الى الحسين رضي الله عنه ومعه الرسول، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره، وآخذكم بالنزول في ذلك المكان، فقال له الحسين رضي الله عنه: دعنا ننزل في هذه القرية نينوى[107] أو هذه (الغاضرية)[108] أو هذه يعنى شفيّة. فقال الحر: والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا. فقال زهير للحسين رضي الله عنه: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسين رضي الله عنه: ما كنت لأبدئهم بقتال.[109] فقال له زهير: فسر بنا الى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات، فان منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم، فقال الحسين رضي الله عنه: وأي قرية هي؟ قال: العقر[110]، فقال الحسين رضي الله عنه: اللّهم إنّي أعوذ بك من العقر.[111] فنزل بمكانه وهو كربلاء.[112]
الحسین في كربلاء:
ذكرت أكثر المصادر التاريخية أن ركب الحسين بن علي رضي الله عنه وصل الى كربلاء يوم الخميس المصادف للثاني من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة.[113] الا الدينوري حيث ذهب الى القول بانّ الحسین رضي الله عنه وصل الى كربلاء يوم الأربعاء المصادف لأول يوم من شهر محرم.[114] وليس ذلك ببعيد
ولم يزل الحرّ يساير الحسین، وكلمّا أراد المسير، يمنعونه تارة ويسايرونه اُخرى حتّى بلغ كربلاء، فلمّا وصلها، قال: ما اسم هذه الأرض؟ فقيل: كربلاء. فقال: اللهمَّ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد مرَّ بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم! فَسُئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمّد ، ينزلون هاهنا!.[115]
وقال الحسين رضي الله عنه : انزلوا، فها هنا مَحطُّ رحالنا، وسفك دمائنا، ومقتل رجالنا.[116] ثمّ أمر الحسين رضي الله عنه بأثقاله، فحُطَّت بذلك المكان يوم الخميس الثاني من المحرم من سنة إحدى وستين[117] وقيل يوم الأربعاء، غُرّة المحرّم من سنة إحدى وستين.[118]
وروي أنّ الحسین رضي الله عنه جمع ولده وإخوته وأهل بيته، ثم نظر إليهم فبكى ساعة، ثم قال: «اللهم إنا عترة نبيك محمد وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أمية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا، وأنصرنا على القوم الظالمين». ثم أقبل على أصحابه، فقال: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون».[119]
وجاء في بعض الروايات إن أبا عبد الله اشترى الأرض المحيطة بقبره من أهل نينوى والغاضرية بمبلغ ستّين ألف درهم، ودفعها لهم صدقة بشرط أن يدلّوا الناس على قبره ويضيّفون القادم لزيارة قبره لثلاثة.[120]
ولما نزل الحسین رضي الله عنه وأصحابه كربلاء في الثاني من المحرم [121] كتب الحرّ بن يزيد الرياحي الى عبيد الله بن زياد بالخبر[122] فكتب عبيد الله بن زياد كتاباً إلى الحسين يقول فيه: أما بعد، إنّ يزيد بن معاوية كتب إليَّ أن لا تغمض جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام أو يرجع الحسين على حكمي، أو تقتله والسلام.
فلما ورد الكتاب قرأه الحسين رضي الله عنه ثم رمى به ثم قال: «لا أفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق».
فقال له الرسول: «أبا عبد الله! جواب الكتاب؟».
قال: «ما له عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب».
فأخبر الرسول ابن زياد بذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب‏ وأمر باعداد الجيش لمحاربة الحسین .[123]
نفس المصادر السابقة
يتبع إن شاء الله

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة