كتب محمد محسن
عقد مجلس النواب أول محاكمة برلمانية لوزيرة الصحة، استمرت ما يقرب من 5 ساعات تمثلت فى مناقشة أول استجواب من النائب محمد الحسينى، طالب فيه بسحب الثقة من الدكتورة هالة زايد، وانضم له عدد كبير من النواب، حتى تصور البعض أن الأمر سينجح وأن الوزيرة مهددة بالفعل، وفى لحظة احتشدت الأغلبية وبدأت فى تعديل مسار الجلسة، وبدأ الحديث يتغير
هل كان استجواب الحسينى ضعيفا؟
البعض رأى أن الاستجواب الذى قدمه النائب محمد الحسينى ضعيفا، لأنه لم يتضمن اتهامات بوقائع فساد أو إهدار للمال العام، هذا ما أكده النائب كمال أحمد الذى وقف فى القاعة، وتساءل "هو فين الاستجواب، لم يكن هناك اتهام فى الاستجواب، وبالتالى لا يوجد استجواب يمكن الاستعانة بالوسائل الأخرى كالصورة والفيديو للتأكيد على الاستجواب، لكن لا تكون هى الأساس".
وعندما ردت وزيرة الصحة على الاستجواب وانتهت من ردها وقف كمال أحمد يصفق قائلا: "نجحت الوزيرة ولم ينجح المجلس"، ما أثار غضب رئيس البرلمان، الدكتور على عبد العال، ووجه بحذف عبارة "نجحت الوزيرة ولم ينجح المجلس"، قائلا "مش عايزين تسفيه لصورة المجلس"، مؤكدا أن الصور التى عرضها النائب محمد الحسينى تكفى لمساءلة الحكومة مُكتملة.
وأضاف: "تصوير لكوبرى معين به خطأ واضح كاف لاستجواب الوزير"، وأكد أن الاستجواب استوفى لكافة الشروط اللائحية والدستورية، وعندما تحدثت الدكتور شيرين فراج بعد فتح باب المناقشة وعرضت مضمون الاستجواب الذى تقدمت به ضد وزيرة الصحة قائلة "كنت آمل أن يتم ضمه مع استجواب الحسينى للمناقشة"، فعلق كمال أحمد قائلا "هو ده الاستجواب اللى كان ينفع يتناقش"، ورد عبد العال قائلا "إحنا هنقعد نقول ده ينفع وده لا ينفع".
وعلى الجانب الآخر أيد عدد من النواب الاستجواب على اعتبار أن حال مستشفى بولاق الدكرور مثال لحال أغلب مستشفيات مصر، ووجهوا للنائب الشكر ومنهم النائب أحمد السجينى رئيس لجنة الادارة المحلية، ومحمود بدر، وسناء برغش، وإيهاب منصور.
استجواب المناطق الشعبية
فى بداية عرضه للاستجواب وجه النائب الحسينى التحية لرئيس المجلس وهيئة المكتب على إدراج أول استجواب للمناطق الشعبية، قائلا "أتشرف أن أكون أول واحد يقدم استجواب عن الغلابة"، وتضمنت وقائع الاستجواب فيديو يظهر مبانى المستشفى متهالكة وغير آدمية ولنتشار القطط والكلاب الضالة داخل المستشفى، فضلا عن النفايات الخطرة.
وفى حديث النائب كانت الوقائع تتلخص فى وجود مبنى بالمستشفى مغلق منذ 17 عاما، وتعطل المصاعد الكهربائية، وانتشار النفايات الخطة ووجود عجز شديد فى الأطباء والممرضين، ونقص فى الأجهزة والمستلزمات الطبية، ومبانى متهالكة داخل المستشفى ومشكلة فى النظافة، ووجود صرف صحى أمام وحدة الغسيل الكلوى، مُضيفا أن هذا الوضع فى كل مستشفيات مصر، إلا ما رحم ربى، مختتما حديثه قائلا "أحمل المسئولية لوزيرة الصحة .. وبضمير وطنى أتقدم بسحب الثقة منها".
وحاول النائب خلال عرضه التأكيد على عدد من الأمور منها أنه مع الدولة المصرية وأن الرئيس يعمل لصالح الغلابة لكن بعض الوزراء لا يعملون و"مكبرين دماغهم" – بحسب قوله.
رئيس البرلمان يضبط إيقاع المناقشات
وبدوره حرص الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، على أن يتدخل أكثر من مرة ليضبط إيقاع المناقشات بحيث لا تكون هناك ألفاظ أو عبارات تحمل تجاوزات تجاه أى طرف من الأطراف، كما حاول كثيرا شرح اللائحة فيما يخص الاستجواب، خاصة وأنه اول استجواب يشهده أغلب النواب.
فخلال عرض النائب محمد الحسينى استجوابه حاول إثارة حماس النواب لمساندته فى استجواب وزيرة الصحة، وقال "كل نائب ممثل للشعب ربنا هيحاسبك، خلى بالك مش بنلعب انتخابات مع حد، بفضل ربنا إحنا جينا المجلس وكل واحد يحكم ضميره، إحنا مع الدولة ومش بنلعب سياسة مع حد"، واعترض النواب على حديث الحسينى، حيث أكدوا أن ما ذكره يعنى أن عدم موافقة النائب على رأى مُقدم الاستجواب تعكس غياب الضمير بدى النواب، الأمر الذى دفع الدكتور على عبد العال إلى مطالبة النائب بالالتزام بالسياق وانتقاء الألفاظ، قائلا "لا عبارات جارحة أو عبارات سب وقذف لذا، أحذف أى عبارة تخرج عن موضوع الاستجواب".
وتدخل عبد العال مرة أخرى عندما قال الحسينى إنه قال لوزيرة الصحة فى 2018 بعد توليها مسئولية الوزارة كلمتين "ياريت تزورى مستشفى بولاق"، مضيفا: "عندما أدرجت الاستجواب على جدول أعمال المجلس وجدت أن كل المسؤلين فى الوزارة راحوا المستشفى.. يا ولاد الإيه"، غير أن رئيس البرلمان وجه بحذف تلك العبارة أيضا من مضبطة الجلسة.
الطريف فى الأمر أن هناك عددا من النواب لم يهتموا بالاستجواب ومصيره، وكان كل همهم توقيع طلبات من الوزيرة خاصة بدوائرهم، ما دعا الدكتور على عبد العال إلى التشديد على وزيرة الصحة بعدم توقيع أية طلبات أثناء مناقشة الاستجواب.
الوزيرة مابتردش
وطبقا لنص اللائحة الداخلية للمجلس من حق مقدم الاستجواب أن يحصل على المعلومات التى يطلبها لكن ما حدث مع الحسينى غير ذلك، فقد أشار إلى أنه طلب البيانات من الوزارة ولم يحصل على رد، وأرسل طلب استعجال موقع من رئيس المجلس ولم يحصل أيضا على رد، ما اضطره للنزول وتصوير الفيديو عن المستشفى.
الاستجواب طالع نازل
مر الاستجواب بمراحل صعود وهبوط خلال الجلسة العامة، كانت مرحلة الصعود عندما تم فتح باب المناقشة عقب انتهاء مُقدم الاستجواب من عرض استجوابه ثم تعقيب وزيرة الصحة، حيث تضامن عدد من النواب مع مُقدم الاستجواب فى طلب سحب الثقة، منهم النائب محمود بدر، الذى اتهم وزيرة الصحة بإهدار مبلغ مليار و54 مليون جنيه، لافتا إلى أنه تم الانتهاء من إنشاء 48 مركزا، أنفق عليهم من الموازنة العامة للدولة وقرض البنك الدولى نحو مليار و54 مليون جنيه، منذ عام ونصف ولازالت مُغلقة، قائلا: "هذه المراكز بها رعايات مركزة، والناس بره بتموت عشان مش لاقية رعاية مركزة، أماكن مُغلقة رغم الانتهاء منها منذ عام ونصف".
وطالبت النائبة مى محمود، بسحب الثقة من وزيرة الصحة، قائلة: "رد وزيرة الصحة لم يكن قدر الاتهامات الموجهة لها بالاستجواب، وهى لم ترد على كم من الاتهامات واستأثرت بالتباهى بما ليس لها والتباهى بمبادرات رئاسية"، وقال النائب عبد الهادى بعجر، إن الاستجواب المقدم من النائب محمد الحسينى يوازى 594 استجوابا من أعضاء البرلمان، وتحدث النائب إيهاب منصور عن تجربته مع مستشفى بولاق الدكرور، قائلا: "تواجدت مع المريض حتى الفجر، وقعدت أهش القطط اللي بتجرى داخل الرعاية المركزة".
أما النائب ضياء داوود فقال إنه كان يجب على وزيرة الصحة أن تتحمل المسئولية السياسية وتتقدم باستقالتها من الوزارة، لافتا إلى أن ملف الصحة فى مقدمة الأسباب التى تؤدى لاحتقان اجتماعى، وإنه لو لم يتم سحب الثقة من الدكتور هالة زايد، وزير الصحة "يبقى كنا بنفضفض"
ثم بدأت الجلسة فى التحول من الهجوم على الوزيرة إلى التهدئة مع بداية حديث النائب إيهاب الطماوى، وكيل اللجنة التشريعية، ثم أشرف رشاد، رئيس لجنة الشباب، وعاطف ناصف، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، ثم الدكتور عبد الهادى القصبى رئيس ائتلاف دعم مصر، وكلهم أجمعوا على المطالبة بجلسة قادمة يتم فيها الاستماع لوزير المالية بحضور وزيرة الصحة بحيث يعرف النواب ما هو التمويل الذى حصلت عليه الوزارة، وهل كان كاف أم لا، ثم يتم محاسبتها بعد ذلك.
5 ساعات استجواب
وحرص الدكتور على عبد العال على إفساح المجال لكافة النواب بمختلف توجهاتهم السياسية لعرض آرائهم باعتبار أن قضية الصحة تمس كل نائب، ما أضفى حيوية على الجلسة، فرغم أن الاستجواب حقيقة لم يكن فيه أدلة بإهدار مال عام أو فساد، لكن حديث باقى النواب كان من شأنه أن يرفع من درجة حرارة الجلسة لدرجة أن البعض استشعر الخطر فى أن يتم سحب الثقة من الوزيرة.
هالة زايد تنجو من سحب الثقة
ثم جاءت اللحظة الحاسمة عندما أعلن الدكتور على عبد العال إغلاق باب المناقشة، مُعلنا أنه تلقى طلبين، الأول موقع من 60 نائبا بسحب الثقة من الوزيرة، والثانى يطالب بالانتقال إلى جدول الأعمال، ونصت اللائحة الداخلية لمجلس النواب لأول مرة على أن يتم عرض طلب سحب الثقة الأول حيث إن اللائحة الداخلية فى المجالس السابقة على هذا المجلس كانت لا تضع هذا الشرط فى أن تكون الأولوية فى عرض طلب سحب الثقة على الانتقال لجدول الأعمال فكان مثلا فى مجلس 2005/2010 يتم عرض الاستجواب ويكون قوى ومليئ بالمستندات والأدلة ثم يعلن رئيس المجلس إغلاق باب المناقشة، وأنه وصله طلب موقع من 20 عضوا يطلبون الانتقال إلى جدول الأعمال ويوافق الأغلبية، على ذلك وينتهى أمر الاستجواب.
وفى استجواب الحسينى فقد عرض الدكتور على عبد العال طلب سحب الثقة، ولكن طبقا للائحة أيضا كان يجب التحقق من وجود الـ60 عضوا بالقاعة لأن عدم وجود أى منهم يعتبر تنازل منه عن الطلب ويصبح الطلب غير مستوفى الشروط لأن اللائحة تنص على أن يقدم طلب سحب الثقة من عُشر أعضاء المجلس وهو 60 عضوا، وبالفعل قام مقرر الجلسة بالمناداة على أسماء من وقعوا على الطلب ليكتشف أن هناك ما يقرب من نصف العدد غير موجود بالقاعة، وهنا أعلن الدكتور على عبد العال أن الطلب غير مستوفى للشروط ولم يعرض على المجلس للتصويت عليه، مُعلنا الانتقال لجدول الأعمال.
وزيرة الصحة قبل وبعد
موقف وزيرة الصحة اختلف خلال الجلسة من حيث تعبيرات وجهها ونبرة الصوت، فخلال ردها على الاستجواب كانت النبرة عادية والقلق موجود فحاولت أن تدافع عن أداء وزارتها بكل الأرقام، لكن بعد سقوط الاستجواب والانتقال إلى جدول الأعمال طلبت الوزيرة الكلمة، وكانت نبرة صوتها بها تحدٍ، حيث أوضحت كثير من النقاط التى جاءت على لسان النواب قائلة: "أفخر أن وزارة الصحة هى من نفذت رؤية قائد مصر، التى نجحت فى مجال الأمراض السارية".
وذلك ردا على ما قاله النواب من أن المبادرات الرئاسية لا تنسب لها، وبالتالى كان يجب ألا تتحدث عنها فى ردها على الاستجواب أيضا.
***********************
***********************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق