الجمعة، 27 مارس 2020

فى ظلال الهدى النبوى ومع حاضنة الرسول " أم أيمن "


بقلم / محمــــد الدكـــرورى

ولد النبى الكريم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسول الإسلام وآخر المرسلين والنبيين، يتيم الأب وفى الطفولة أصبح يتيم الأم أيضا، لهذا فقد كان للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، منذ ولادته مرضعة ومربية، احتضنت الطفل الصغير، الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

هي الصحابية الجليلة أم ايمن الحبشية ، حاضنة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أم أيمن وهى اسمها ، بركة بنت ثعلبة بن عمر بن حصن بن مالك بن عمر النعمان، وهي أم أيمن الحبشية، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، وأصبحت زوجاً لحب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ، وأماً للشهيد أيمن بن عبيد الخزرجي ، وأماً لفارس من فرسان الإسلام ، وهو الحب بن الحب أسامة بن زيد ، رضي الله عنهما .

ورثها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من أبيه ثم أعتقها عندما تزوج بخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي صحابية مباركة ، وقد عرفت أم أيمن النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً ، ونبياً مرسلاً ، وعاشت مراحل النبوة كلها ، وعاصرت الأحداث الإسلامية ، وكانت من المهاجرات الأول رضي الله عنها ، وهاجرت الهجرتين ، الهجرة الأولى الى أرض الحبشة ، والثانية من مكة الى المدينة .

وقيل أن النبي الكريم محمد  صلى الله عليه وسلم كان يقول لأم أيمن: ” يا أم ” ويقول : “هذه بقية أهل بيتي ” ،وهذا إن دل فإنما يدل على مكانة أم أيمن عند رسول الله وحبه الشديد لها حيث اعتبرها من أهل بيته ، وكانت تتميز تلك الصحابية الأم بالعاطفة الحية ، والحنان الصادق الذى بلغ الذروة ، فبلغت أعلى مراتب الايمان .

وحظيت بالتكريم من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وحظيت بمكانة عالية بين النساء ، أصبحت بفضل الله تعالى حرة جليلة القدر ، يشار اليها بالبنان ، وتغبط مكانتها المتميزة من سائر بني جنسها ، وكيف لا؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لها: "يا أماه"؟، وهل فوق درجة الأمومة من درجة ؟.

وأم أيمن هذه هي التي كانت مع آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهبت إلى المدينة لزيارة بني النجار أخوال جده عبد المطلب ، ولما عادت إلى مكة مرضت آمنة في الطريق ، وتوفيت في الأبواء ، وفي تلك اللحظات الحرجة الأليمة ، ظهرت أم أيمن بعطفها وبرها برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كان طفلا في السادسة .

فعادت أم أيمن بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصبحت حاضنته ، وأوقفت نفسها لرعايته والعناية به ، وغمرته بعطفها ، كما غمره جده عبد المطلب بحبه ، وعوضه الله تعالى بحنان جده وأم أيمن عن حنان الوالدين ، وأغرم به عبد المطلب غراماً شديداً وكثيراً ما كان يوصي الحاضنة أم أيمن قائلاً لها : يابركة ، لا تغفلي عن ابني ، فإني وجدته مع غلمان قريباً من السدرة ، وأن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة .

وبعد وفاة عبد المطلب حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً ، وتقول أم أيمن : رأيت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبد المطلب ، وشب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقدر أم أيمن ويكرمها ، لأنها كانت رضي الله عنها تقوم على أموره وشؤونه ، وترعاه رعاية حسنة .

فلما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها أعتق أم أيمن فتزوجها عبيد بن زيد الخزرجي ، فولدت له أيمن ، وأيمن هذا صاحب هجرة وجهاد ، قتل يوم حنين رضي الله عنه ، وكانت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها قد ملكت زيد بن حارثة فسألها النبي صلى الله عليه وسلم أن تهب له زيداً فوهبته له .

فأصبح زيد أثيراً لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أي : يحبه ويؤثره على نفسه ، فأعتقه ، ثم زوجه أم أيمن ، فولدت له أسامة فكان يكنى به ، وكانت أم أيمن كغيرها من أوائل المؤمنين والمؤمنات ، فقد لاقت العذاب والأذى من قريش بسبب إسلامها ، فهاجرت الهجرتين الأولى الى الحبشة والثانية إلى المدينة ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذت أعمالها تزداد فى التألق وخصوصا فى مجال الجهاد والصبر والجود .

ورغم كبر سن أم أيمن فقد أبت إلا أن تشارك في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غزوة أحد خرجت أم أيمن مع النساء ، وكانت مهمتها مداواة الجرحى والاعتناء بهم ، وسقاية العطشى من المجاهدين .

وفي غزوة خيبر خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون امرأة كان من بينهن أم أيمن رضي الله عنها وأما ابنها أيمن فقد تخلف لمرض فرسه ، وكانت أمه قد وصفته بالجبن ، وفي سرية مؤتة قتل زيد بن حارثة رضي الله عنه فتلقت أم أيمن نبأ استشهاد زوجها وهي صابرة محتسبة .

ثم تأتي غزوة حنين ويقتل فيها ابنها أيمن ، فتصبر وتحتسب ابنها عند الله تعالى ابتغاء مرضاته ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومرت الأيام سريعاً ، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وتسرب النبأ الفادح وأظلمت على المدينة أرجاؤها وآفاقها بفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت أم أيمن حزينة تبكي على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذا وقد روي عن أنس رضي الله عنه قال : قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله ، فقالت : ما أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء .

ولما كانت لأم أيمن رضي الله عنها منزلة ومكانة عظيمة وقدرا كبيرا عند النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يكفيها من الفضل أنه كان يقول فيها: "من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن" وهذا مما عظمها في عين زيد بن حارثة فتزوجها رضي الله عنها ، وتوفيت أم أيمن بعدما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر وقيل ستة أشهر رضي الله عنها وأرضاها .

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة