إعداد / محمــــد الدكـــــرورى
الخليفه يزيد الثانى بن عبد الملك، وهو يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي القرشي، وهو أبو خالد، وكانت أمه هى السيده عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد ولي الخلافة بعد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز سنة مائه وواحد من الهجره، بعهد من أخيه سليمان بن عبد الملك وقد كانت أيامه أيام غزوات وحروب، وكان أعظمها حرب الجرّاح الحكمي مع الترك وانتصاره عليهم، والجرَّاح الحَكميّ، وهو أبو عقبة الجرَّاح بن عبد الله الحكميّ الوالي الأموي على سجستان، وهو تابعي عاصر الصحابة، وحارب وجاهد في نصرة الإسلام ونشره في بلاد ما وراء النهر، وفي حروبه على الخارجين على دولة الخلافة الإسلامية، وهو من دمشق من بلاد الشام، وقد ولد ونشأ فيها.
وقد ولد الجرَّاح الحَكميّ، مع نهاية العقد السادس الهجري من القرن الأول، فقد دل على ذلك مشاركته في نصرة كتائب الإسلام، وأشارت المصادر التي ترجمت له إلى أن أول ظهور عسكري له، إنما كان سنة اثنين وثمانين من الهجره، في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث، عندما خرج على الدولة الأموية في دمشق، وشوهد في معركة دير الجماجم، حيث قتل ابن الأشعث، وكان مشاركا الحجاج في قيادة الجيش الأموي، وبرز الجراح في هذه المعركة في سعيه لأطفاء نار الفتنة عن طريق إتصالهِ بمعارفه ممن هم بمعية ابن الأشعث، وذلك في مناصحته لهم بالأبتعاد عنهُ وقد نجح في ذلك، وقد خرج عليه يزيد بن المهلب بالبصرة فوجه إليه أخاه مسلمة بن عبد الملك فتغلب عليه وقتله في العقر، وهى بين واسط و بغداد.
وهى قرب بابل، وقد كان من أصحاب المروءات مع إفراط في طلب اللذات، فقد قيل أنه هام حبا بجاريتين له، إحداهما تدعى حبابة، والأخرى تسمى سلامة، وقد قيل أنه تتيم بحب حبابة، وبنى لها قصرا جميلا بدمشق وزينة وجهزه بافضل الزينة واشتهرت قصة حبابة ايما شهرة في التاريخ ومات بعد موتها بأيام يسيرة ويقال سبعة عشر يوما، ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره، وقد ذكرت روايات غير مؤكده عنه بما لايليق بسبب عشقه للجاريات وإلى ماذلك غير أن بعض المؤرخين، يرفضون هذه الروايات ويردونها إلى نقمة العباسيين المتمردين على الأمويين وخاصة في هذه الفترة من أواخر حكم الأمويين، وانها مدسوسة ومغرضة، وقد كان يزيد بن عبد الملك قبل خلافته محبوبا في قريش، بجميل مأخذه بنفسه.
وكذلك هديه وتواضعه وقصده، وكان الناس لا يَشُكُّون إذا صار إليه الأمر أن يسير بسيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، لما ظهر منه، وقد تلقى تربيته على علماء أهل الدين والفضل فكان منهم الضحاك بن مزاحم، وعامر بن شراحيل، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر والزهري وهؤلاء العلماء اختارهم عبد الملك لتربية أولاده، وقد تأدب يزيد على يد إسماعيل بن أبي المهاجر والزهري، وكان يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، ويغشى مجالسهم، ويحضر حلقاتهم ويتأدب بآدابهم، ويصغي لكلامهم، ويقبل توجيهاتهم، ويأخذ العلم عنهم، وشيوخه الذين تلقى عنهم العلم: مكحول الزهري في الشام، والمقبري وابن العتاب من علماء المدينة، وعلى ما يبدو أنه بلغ درجة رفيعة من العلم.
وبخاصة حفظ الحديث وروايته مما جعل بعضهم يعده من المحدثين، وعن ابن جابر قال: أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مجلس مكحول، فهممنا أن نوسع له، فقال: دعوه يتعلم التواضع، وقد كان رأي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فيه حسنًا، وقد تولى الخلافة في دمشق مكملآ رسالة الدولة الاموية في نشر الإسلام، وقال: سيروا بسيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أن الخلفاء لا حساب لهم ولا عذاب، غير أن بعض المؤرخين، يرفضون قبول هذه الروايات التي وضعت في عصر متأخر عن عصرهم، وقد وضع أكثرها محاباة للعباسيين، وكانت أيامه أيام فتوحات وغزوات، أعظمها حرب الجراح الحكمي في بلاد ما وراء النهر مع الترك واللان وأنتصر عليهم.
وقد قيل أنه كان يزيد بن عبد الملك من أصحاب المروءات مع إفراط في طلب الملذات، وقد بويع له بالخلافة بعد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في رجب سنة مائة وواحد من الهجره، ، بعهد من أخيه سُليمان بن عبد الملك، على أن يكون الخليفة بعد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وقد سار يزيد بن عبد الملك في بادية حكمه بسيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، إلا أنه لم يستطع المواصلة، وقال عنه الذهبي: وكان لا يصلح للإمامة، وكان مصروف الهمة إلى اللهو والغواني، وقال عنه ابن كثير: فما كان به بأس، لكن الواضح أن درايته السياسية وكفاءته الإدارية، لم تكن تؤهله لملء مكانه، وقيادة الدولة أو تحقيق العظيم من المنجزات، والفريد من السياسات التي تلفت إليها الأنظار.
فكان يزيد حاكمًا عاديا ليس سياسيا مقتدرا كمعاوية، أو إداريا ناجحا كعبد الملك، أو مصلحا كأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، كما لم يكن مسيئا كابنه الوليد بن يزيد، ويمكن القول إن توليته الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز جعل المفارقة بينه وبين أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز واضحة وكبيرة، وأدت إلى عتامة صورته لدى جمهرة المسلمين، وكان بإمكان يزيد أن يسير على نهج تجربة عمر بن عبد العزيز، ويعطي العلماء دورهم القيادي المنوط بهم كما كانوا في عهده، إلا أن العلماء تراجعوا إلى حدٍّ كبير، وحُرِمت الأمة من تجربة ناجحة تنفست بها الصعداء، وأطلت من خلالها على عهد الخلفاء الراشدين، ولعل هذا التراجع الذي حدث لمشاركة العلماء في عهد يزيد يرجع إلى عدة عوامل وكان أهمها.
هو شخصية يزيد بن عبد الملك، حيث لم يكن بمكانة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وحماسته وحرصه على أن يسوس الناس بمنهج الله بلا محاباة ومساومة، كما لم يكن على منهج عمر في نظرته للخلافة على أنها تكليف لا تشريف، وأنها عمل لإسعاد غيره على حساب نفسه وأهله، ويدل على ذلك أن يزيد لم يُطِق أن يسير على نهج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أكثر من أربعين يوما، ثم عدل عنه إلى نهج الملوك، وكان العامل الثاني مترتب على الأول ومرتبط به، إذ لما رأى العلماء عزم يزيد ترك العمل بسيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولم يجدوا عنده ما وجدوه عند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، تركوه وانصرفوا إلى مسئولياتهم العلمية.
فحين قال قائل لرجاء بن حيوة لما اعتزل يزيد: إنك كنت تأتي السلطان فتركتهم، قال: إن أولئك الذين تريد قد ذهبوا، وأما ما ورد من أن يزيد تخلَّى عن السير على نهج أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، لأنه شهد له أربعون شيخا بأن ليس على الملوك حساب ولا عذاب، فهذا ادِّعاء أوهى من أن يُردَّ عليه، فهو يتضمن في طياته الرد على مختلقه، فمن هم الشيوخ الذين شهدوا بذلك الزور؟ ثم إنه يتعلق بأمر من ضروريات الإيمان وبديهياته، فأي مسلم مهما بلغ به الجهل مبلغه، يعلم أنه يُسأل عن أعماله، ويجازَى عليها، والحديث الصحيح: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وهو مشهور عند عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم، في هذه العصور المتأخرة، فكيف بعصر صدر الإسلام؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق