الأحد، 16 أغسطس 2020

الدكرورى يكتب عن الخنزير


إعداد / محمـــد الدكــــرورى


لقد كرّم الله سبحانه وتعالى، الإنسان، وجعل المخلوقات مسخّرةً له، ثم علّمه كيف يستخدمها في تلبية حاجاته من طعام، ونحوه، وينبغي على المؤمن أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يشرّع الشرائع، ولم يسنّ السنن إلا لما فيه خير العباد، فما أمر الله تعالى به فهو واقع لمصلحة العبد المكلّف، وما ينهى الله عنه، فإنما ينهى عنه لما فيه من دفع المضرة عنه ، ولهذا فقد أحل الله الطيبات، وحرم الخبائث، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) وعادة ما يؤثّر الطعام الذي يتغذى عليه الإنسان في طبائعه، وهو من أقوى أسباب التغيّر الحاصل في بدن الإنسان، وخُلقه، ولذا فقد أمر الله تعالى المسلمين بألّا يأكلوا إلا الطيّب من الطعام، ولذلك أيضا حرّم الإسلام أكل الخبائث، فهي تُفسد الطباع.


وغالبا ما تتغذى على الخبائث، ومن اجتنب الحرام في الدنيا كان ذلك سبباً لكمال لذّته ومتعته في الجنة، لأن أكمل الناس لذة في الجنة من صان نفسه عن الحرام في الدنيا، فلا يلبس الحرير في الجنة من لبسه في الدنيا بالنسبة للرجال، ولا يشرب الخمر في الجنة من شربه في الدنيا، فليست لذة من استوفى اللذات المحرمة في الدنيا، كلذة من تركها لله عز وجل، والأصل في جميع المأكولات والمشروبات في الإسلام أنها مباحة، ولا يجوز تحريم شيء منها إلا بدليلٍ دل على ذلك، ولكن يجب علينا أن نقف على الحقيقة فما هو الشيء الطيب؟ أو ما الحكم في تقييم الشيء طيباً أو غير طيب؟ العقل، عقل الآخرين في بلاد الغرب دعاهم إلى أن يأكلوا شيئاً خبيثاً، عقلهم دعاهم إلى أن يأكلوا لحم الخنزير. 


وفي بعض الشعوب يأتون بقرد حي يضعونه في صندوق، ويضعون في رقبته قيداً، ويقطعون طرف رأسه الأعلى، ويأكلون من دماغه بالملعقة وهو حي، إذا أردنا أن نقول: العقل حكم، في بعض البلاد يأكلون الثعابين، فالحديث عن الطعام والشراب عند الشعوب حديث لا ينتهي، هناك طعام تخرج من جلدك إذا رأيته، لا الذوق مقياس ولا العقل مقياس، ولكن الشيء الطيب الذي أحله الله، والشيء الخبيث الذي حرمه الله، هذه هي القاعدة، لذلك عند العلماء قاعدة أصولية الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، والعقل من دون وحي أعمى لا يصلح مقياساً أبدا، فمن الواجب على المسلم أن يتحاشى تناول ما حرم الله من المطعومات أو المشروبات طاعة لله عز وجل، أدرك العلة من التحريم أم لم يدرك العلة 


من ذلك ، مسلماً بأن تلك المحرمات إنما حرمها الخالق المصور العليم بما يضر هذا الإنسان الذي خلقه بيده سبحانه وبما ينفعه، وأما لماذا لا يأكل المسلمون الخنزير؟ فلأن الله سبحانه حرمه، وقضى بأنه رجس لا يحل للمسلم أكله، فقال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة الأنعام، وللطعام المباح في الإسلام ضوابط محددةٌ، فمنها: أولاً ألا يكون ضاراً، وهذا منسجم مع الأمر العام للمسلم باجتناب الضرر، فقد قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، مُشيرا إلى ذلك " لا ضَرَرَ ولا ضِرَار " وقد اتفق العلماء على حُرمة كل ما فيه ضرر من مأكل. 


أو مشرب، ويدخل في ذلك الدخان، والطعام الفاسد، والسم، وكل ما حكم الطب بحصول ضرر من تناوله، ومن الضوابط أيضا، عدم نجاسة وخبث الطعام، وقد أكد العلماء على أن كل ما حكم عليه بالنجاسة، أو الاستخباث من الطعام فأكله حرام، ويدخل في ذلك البول، والعذرة، والحشرات، كالخنافس، ونحوها، والضابط الثالث هو عدم التحريم، فكل طعامٍ نص الشرع على تحريمه فلا يجوز أكله، ويمكن الاستدلال على التحريم بوجه من ثلاثة وجوه، إما بالنص على تحريمه، كما جاء في تحريم الدم، وإما بالنهي عنه، لأن النهي يقتضي التحريم، كنهي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن أكل كل ذي ناب من السباع مثلا، وإما بوصف الشارع له بالخبث، أو الفسق، ومثال ذلك الخمر.


والحكمة من تحريم لحم الخنزير هو أمر الله سبحانه وتعالى، والإنسان بكثير من الأحكام الشرعية، والأصل في المسلم أن يطيع الله عز وجل، ويُجيبه إلى ما أمر به، فيفعله، وينتهي عما نهاه عنه كذلك، سواء ظهرت له الحكمة من تلك الأوامر والتشريعات، أم لم تظهر، فليس للمسلم أن يرفض أمر الله تعالى، أو يتوقف في تنفيذه إلى أن تظهر له الحكمة منه، ولحم الخنزير فرع من ذلك، فقد حرمه الله عز وجل، بنص القرآن الكريم، فلا يُباح لمسلم أن يأكل منه شيئا أبدا إلا في حالة الضرورة القصوى، كخشية الإنسان على نفسه الهلاك من الجوع، ولم يجد أمامه طعاما سواه، فيجوز له حينها أن يدفع عن نفسه تلك الضرورة الملحّة بالأكل منه، وفقا للقاعدة الفقهية التي تنص على أن الضرورات تُبيح المحظورات. 


ولم يرد في نصوص الشريعة الإسلامية ما يعلّل تحريم لحم الخنزير على المسلم، سوا وصفه بأنه رجس، والرجس صفة تطلق على كل أمر مستقبحٍ في الإسلام وفي الفطر السليمة، وقد ورد في القرآن الكريم أيضا تعليل عام لكل ما حرمه الله عز وجل، من مطعمٍ، ومشربٍ، وهو اتصافها جميعا بالخبث، فكلها من الخبائث، كما جاء في القرآن الكريم، ويُراد بالخبائث، هو  كل ما فيه ضرر على الإنسان في صحته، أو ماله، أو خُلقه، وكل ما له عواقب وخيمة على الإنسان من أي جانب كان، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الخنزير من بين كل الحيوانات الأخرى يعدّ مستودعا للجراثيم الضارة بجسم الإنسان، ففيه الأمراض الطفيلية، والأمراض البكتيرية، والأمراض الفيروسية، والأمراض الجرثومية. 


كما دلّت الاكتشافات العلمية الحديثة أيضا على تولّد دودة خطيرة من لحم الخنزير تنشبّ في أمعاء الإنسان حين يأكل من لحم الخنزير، ولا تقبل العلاج بالأدوية الطاردة لديدان الأمعاء، بل تصل إلى عضلات الإنسان بصورة مستحكمة، وقد عجز الطب إلى اليوم عن تخليص الإنسان منها بعد إصابته بها، فيظهر من ذلك أن لله سبحانه وتعالى، حِكم جليلة في تحريم لحم الخنزير، تتمثل في الحفاظ على إحدى الضروريات الخمسة، وهي حفظ النفس، وعن سبب تحريم لحم الخنزير مع أنه مخلوق من مخلوقات الله، ولماذا خلقه إذا؟ فالخنزير هو حيوان سبعي بهمي، لحمي عشبي، وهو آكل لكل شيء، القمامة والفضلات والنجاسة، وهو مفترس إذ يأكل الجرذان والفئران، وأيضا الجيف حتى جيف أقرانه. 


وهنا تكمن فوائده فهو يخلص الأرض من القذارة فهو عبارة عن مكنسة حيوانية، ومضاره بالأمراض التي يحملها الخنزير داخل جسده إذ يبلغ عددها كما قال العلماء والأطباء إلى ربعمائه وخمسين مرضاً، منها سبعه وخمسين طفيلي ينتقل للإنسان ويقتله، وهو المصدر الرئيسي للأمراض الوبائية، إذ يحتوي جسده على سبعه وعشرين مرض وبائي، وأيضا يساهم لحم الخنزير بتصلب الشراين إذ يحتوي على كمية عالية جداً من الكولسترول على خلاف باقي الحيوانات، ويؤدي إلى العقم، وتليف الكبد، والسرطانات المختلفة، وقد ذكرنا أن الخنازير تتغذى على الجرذان والجرذان عبارة عن مستودع لهذا الفيروس الخطير فتنتقل العدوى من الجرذان إلى الخنازير إلى الإنسان، والذي يسبّب التهاب في الدماغ والقلب. 


ومما يؤدي بحياة المصابين،ومن الأمراض البكتيرية التي يسببها لحم الخنزير، كما قال الأطباء هى بكتيريا السلمونيا والتيفوئيد، وبارا التيفوئيد، والتسمم الغذائي، ومن الأمراض التي تسببها السلمونيا، بكتيريا الحمرة الخبيثة وهى من اللحاميين والدباغين حيث تنتقل هذه البكتيريا الخبيثة، وتكون على شكل لوحة حمراء، حارقة للأيدي، تصاحبها ارتفاع في درجات الحرارة، وقشعريرة والتهاب الأوعية اللمفاوية، وكل هذه الأمراض بالإضافة إلى الديدان المفلطحة، الشريطية، الخيطية والأسطوانية التي ينقلها هذا الحيوان الرجس إلى الإنسان، وقد قال الأطباء أن الخنزير يتولد من لحمه الذي يأكله الإنسان دودة خطيرة توجد بذرتها في لحم الخنزير، وتنشب في أمعاء الإنسان بصورة غير قابلة للعلاج بالأدوية


الطاردة لديدان الأمعاء، بل تنشب تلك الدودة الخنزيرية ضمن عضلات الإنسان بصورة عجز الطب إلى اليوم عن تخليص الإنسان منها بعد إصابته بها، وهي خطر على حياته، وتسمى تريشين، ومن هنا ظهرت حكمة تحريم لحم الخنزير في الإسلام، وقد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية إن هذه الدودة الخبيثة التريشين تنتقل إلى الإنسان وتتجه إلى القلب، ثم تتوطن في العضلات، وخاصة في الصدر، والجنب والحنجرة، والعين، والحجاب الحاجز، وتبقى أجنتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة، ولا يمكن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل، بل يمكن للعلم الذي اكتشف في الخنزير هذه الآفة أن يكتشف فيه في المستقبل آفات أخرى لم تعرف بعد، ومن ثم لا يقبل في نظر الإسلام رأي من يزعم.


 أن تربية الخنازير الأهلية في العصر الحاضر بالطرق الفنية المراقبة في مراعيه، وفي مبيته، ومأواه كفيلة بالقضاء على هذه الجرثومة، ولما بينا أن نص الشريعة في التحريم مطلق وغير معلل، فمن الممكن أن تكون هناك مضار أخرى للخنزير غير الذي اكتشف، والعلم دائما في تطور مستمر، وينبغي أن يلاحظ أيضا أنه إذا أمكن تربية الخنازير بصورة فنية مزيلة لهذه الآفة، في وقت أو مكان أو أمكنة كثيرة من مراكز الحضارة في العالم، فإن ذلك غير ممكن في جميع آفاق الأرض، وحكم الشريعة يجب أن يكون صالحا وواقعا لجميع الناس في جميع الأماكن، ولذلك كان التحريم عاماً وشاملا. والله أعلم.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة