إعداد / محمـــد الدكــــرورى
لقد فرض الله عز وجل، الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا، وجعلها صلة بينها وبينهم ليزدادوا بذلك إيمانا، ولقد فرض الله علينا خمس صلوات باليوم والليلة وهذه الصلوات هي بمثابة المطر الذي ينقي الروح والبدن من الأدران التي تعلق بها، فهي تزكية وهي تطهير وراحة وسكينة، ومن رحمة الله بنا أن جعل بجانب الصلاة المفروضة صلاة التطوّع، فهي ضرورية ومهمة لتكون صلاتنا كاملة تامة دون نقص وفي نفس الوقت سبب القرب والرفعة من الله يوم القيامة، فالصلاة فريضة ليست مرتبطة بموسم كالحج مثلا، أو الصوم في رمضان، ولا موقوفة على مناسبة ليست في العمر مرة ولا في العام مرة، ولكنها في اليوم والليلة خمس مرات مفروضة على كل مسلم مكلف غني وفقير.
وصحيح ومريض، ذكر وأنثى، مسافر ومقيم، في الأمن والخوف، ولا يستثنى منها مسلم مكلف، ما عدا الحائض والنفساء، فهى قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، وهي ركن الدين وعموده، كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا دين لمن لا صلاة له“ و”لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة“ و”ليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة“ و“من ترك صلاة مكتوبة متعمدا برئت منه ذمة الله“ ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثواباً وقرباً من الله تعالى.
وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، فمن التطوع في الصلوات، هى الرواتب التابعة للصلوات المفروضة وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، وأما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وبأنها راتبة للفجر تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، وقد قال فيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
ومن النوافل في الصلوات، هو صلاة الوتر، وهو من أوكد النوافل حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله (مَن ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة)، وتختم به صلاة الليل فمَن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ومع طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، فقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد.
وإن أوتر بتسع فكذلك يسردها ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة، ويتشهد ويسلم، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالحادية عشرة وحدها، وإذا نسي الوتر أو نام عنه فإنه يقضيه من النهار، لكنه مشفوعاً لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت في الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن وتره أو غلبه وجع صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة" ومعنى صلاة التطوع، وهي كل صلاة سوى الصلاة المفروضة وهي سبب للقرب من الله عز وجل، ومحبته ورضاه كما في الحديث القدسي " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه "
ويكون التطوع في الصلاة على وجهين، وهما تطوع مقيد وهو ما حدده الشرع بحد، والتطوع المطلق، وهو الذي لم يضع له الشرع حد، ولذلك شرع الله لنا الكثير من النوافل مثل ركعتي الفجر والظهر وركعتي ما بعد المغرب وما بعد العشاء، والوتر، والضحى، وتحية المسجد، وصلاة التهجّد، والتراويح وسواها الكثير وذلك لفتح أبواب الخير والحسنات من أوسع الأبواب، وأما عن حكم صلاة التطوع، فحكم صلاة التطوع هي سنة مؤكدة مستحبة غير واجبة، أما صلاة الفريضة فهي واجبة ولذلك فتركها حرام ويعاقب تاركها ويجب على كل ذكر بالغ عاقل أن يصليها بالمسجد، بينما صلاة التطوع فلا يعاقب تاركها ولكن يثاب ويؤجر فاعلها وهي سبب في القرب من الله ورضوانه.
وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يحرص أن يصلي شيئاً من صلاته النافلة في منزله كما ذكر حتى لا تصبح البيوت كالمقابر، وأفضلها ما كان في جماعة كالتراويح والاستسقاء فيكون الأجر مضاعفاً مما لو كان وحده، كذلك المرأة تصلي صلاة النافلة في بيتها ولها أجر الرجال في جماعة ويسن لها أن تخرج للمسجد تصلي لكن يبقى أفضل مسجد للمرأة بيتها ومصلاها، وأما عن أهمية صلاة التطوع فتبدو أهميتها بارزة واضحة في أحاديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حين كان يوصي أصحابه بكثرة السجود لما فيه من قرب ورفعة يوم القيامة وسبب في القرب من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ومن أهميتها أيضا أنها تسد مسد النقص في صلاة الفريضة.
وذلك لما ورد في حديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم :" إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة قال: يقول ربنا جل وعز لملائكته: وهو أعلم انظروا في صلاة عبدي أتمّها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال انظروا هل لعبدي من تطوع، فإن كان له تطوع قال أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم"، ولذلك كان حريٌ بنا أن ندرك ذلك فنتزود من كل خير وذلك ليوم سنبحث فيه عن الحسنة الواحدة ولا يشفع لنا إلأ كل عمل صالح إدخرناه ليوم لا نفع فيه مال ولا بنون إلأ من أتى الله بقلب سليم، فمن أراد أن يحاسب نفسه صادقا، فليتفقد نفسه في صلاته، صلاته التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وأما الفرق بين صلاة الفرض وصلاة النافلة ؟ فمن أوضحها ؟ هو أن صلاة النافلة تصح في السفر على الراحلة ولو بدون ضرورة، فإذا كان الإنسان في سفر وأحب أن يتنفل وهو على راحلته سواء كانت الراحلة سيارة، أم طيارة، أم بعيراً، أم غير ذلك فإنه يصلي النافلة على راحلته متجهاً حيث يكون وجهه، يومئ بالركوع والسجود، لأنه ثبت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك، ومن الفروق أيضا هو أن الإنسان إذا شرع في فريضة حرم أن يخرج منها إلا لضرورة قصوى، وأما النافلة فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح، وإن كان لغير غرض فإنه لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلوات معينة كالاستسقاء وصلاة الكسوف على القول بأنها سنة.
ولا بأس بأن يصلي الإنسان النافلة أحياناً جماعة كما كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه جماعة في بعض الليالي، فقد صلى معه مرة ابن عباس، ومرة حذيفة، ومرة ابن مسعود، وأما في رمضان فقد ثبت أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قام بهم ثلاث ليال ثم تأخر خوفاً أن تفرض على الناس، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سُنة لأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن تركها خوفاً من أن تفرض وهذا مأمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فالصلاة أول ما فرض على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من الأحكام، وقد فرضت في أشرف مقام، وأرفع مكان، وهي آخر ما أوصى به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أمته، وهو على فراش الموت يحتضر مناديا: “ الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم “.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق