الاثنين، 10 أغسطس 2020

الدكرورى يكتب عن الخليفه الوليد بن عبد الملك ( الجزء الثانى )


إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع الخليفه الوليد بن عبد الملك، وقد ترك الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد دولة مستقرة موحدة بعد أن بذل جهدا كبيرا في توحيدها واستقرارها، فكانت أيامه حافلة بالمنجزات في تاريخ الدولة الأموية، وكان ذلك لما تم في عهده من إصلاحات داخلية عظيمة وفتوحات إسلامية موفقة، وقد قال عن الوليد بن عبد الملك العامة في عهده، أنه كان أبواه يترفانه فشب بلا أدب، وكان لا يحسن النحو ويجهل الخطاب واشتهر بأنه كان جبارا وظالما، ولكنه أقام الجهاد وفتحت في خلالته فتوحات عظيمة، وكان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ويرتب للزمنى من يخدمه وللاضراء من يقودهم وعمر المسجد النبوي ووسعه ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء وحرم عليهم سؤال الناس وفرض لهم ما يكفيهم

وضبط الأمور أتم ضبط، وفي عهده فتحت الهند والاندلس وبني مسجد دمشق، وقد أولى الوليد بن عبد الملك أمور الجيوش عناية خاصة، وقد هيأ الله في زمانه مجموعة من القادة الذين اتصفوا بالبأس والشدة في القتال، ففتح الله على أيديهم عدد كبيرًا من الأمصار والبلدان وكان من أهمها فتح بلاد السند على يد محمد بن القاسم الثقفي، وبلاد ما وراء النهر حتى حدود الصين بقيادة قتيبة بن مسلم، وتابع موسى بن نصير فتح بلاد المغرب، فضم جميع أمصارها إلى الدولة الأموية، ثم استطلع بن نصير أمور الأندلس، فعلم بضعف مملكة القوط فيها، فاستشار الوليد بن عبد الملك، فأذن له الوليد بفتحها مع توخي الحذر، وفتحت البلاد في ثلاث سنوات على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير.

وكان الاستقرار في زمن الوليد بن الملك نتيجة عمل مضني من والده الذي أخمد جميع الثورات وقضى على جميع أعدائه، وقد أسهم هذا الاستقرار بشكل كبير في تفرغ الوليد لبناء الدولة من الداخل مع اطلاعه الدائم على أحوال قادة الجيوش على الثغور في الشرق والغرب، ومع توسّع رقعة الدولة وتوافر الأموال زاد اهتمام الوليد بن عبد الملك بالعمران، فبدأ بتحسين الطرقات وتعبيدها، ولاسيما تلك التي تؤدي إلى العاصمة دمشق، وكذلك الطرقات في جهة الحجاز ليؤمن الراحة في طريق الحجاج والمعتمرين، وقد أمر بحفر الأبار ووضع العلامات على طول الطريق، وفي المدينة كلّف ابن عمه عمر بن عبد العزيز بالإشراف على توسعة المسجد النبوي الشريف، وضم الحجرات النبوية إلى مساحة المسجد

وكان حريصًا على بذل ما يستطيع من الأموال ليظهر المسجد النبوي الشريف بأبهى حلّة كما أرسل للمدينة الرخام والأحجار والعمال من الروم والقبط، واعتنى عناية فائقة بعمارة دمشق التي توسعت في زمانه توسعًا كبيرًا، وكان من أهم اعماله بناء المسجد الأموي في دمشق، وقد انفق فيه الوليد بن عبد الملك مبالغ ضخمة ليكون المسجد علامة بارزة وصورة ناصعة لفن العمارة الإسلامية، فكان مظهرًا من مظاهر عظمة الإسلام على مر السنين، وقد تعرض الوليد للانتقاد الكبير من الناس بسبب ما أنفقه من بيت المال على المسجد، لكن الوليد تابع في البناء، لكنه لم يشهد افتتاحه الذي تم بعد وفاته زمن أخيه سليمان، وكانت من أعظم فتوحات الوليد بن عبد الملك هى فتح بلاد ما وراء النهر.

وتقع هذه البلاد حاليًا في جنوب روسيا وفي كازاخستان وتمتد شرقا في أواسط قارة آسيا وكانت تسكنها في هذا الوقت قبائل تركية وثنية، وقد قاد قتيبة بن مسلم الجيش والذي كان والي خراسان فاستولى على "مرو" ومن ثم واصل زحفه إلى "خوارزم" واستولى بعد ذلك على "بخارى" و"سمرقند" وواصل زحفه حتى وصل أطراف الصين، وقد اعتنق أغلب هذه البلاد الإسلام وظهر منهم العديد من العلماء فيما بعد مثل ابن سينا والخوارزمي والفارابي والبخاري، وكانت من أعظم فتوحات الوليد بن عبد الملك أيضا هى فتح بلاد السند، وتقع هذه البلاد حاليا بين ليبيا وموريتانيا وهى بلاد المغرب الإسلامي الكبير، وكان أهلها أمازيغ وثنيين، وقد قاد الجيش موسى بن نصير ومعه القائد الأمازيغي طارق بن زياد. 

فاستولوا على طنجة ومن ثم إلى سبتة حتى وصلوا إلى شاطئ المحيط الأطلسي، وكانت من أعظم فتوحات الوليد بن عبد الملك أيضا هى فتح الأندلس، وكان من أسباب فتح الأندلس هو إقبال البربر على اعتناق الإسلام بعد تمام فتح المغرب وتوقهم للغزو والجهاد في سبيل الله، وفي نفس الوقت شجع والي طنجة الرومي يُليان المسلمين على مهاجمة الأندلس بِسبب خلاف كبير وقع بينه وبين الملك لُذريق بسبب اعتداء الأخير على ابنته واغتصابها عندما كانت تُقيم في بلاطه، وفق ما تتفق عليه المصادر العربية والإسلامية، وكذلك لأن المسلمين رأوا توجيه جهود الفتح والغزو نحو بلاد حضرية غنية تفيد الدولة الأموية وعموم المسلمين، بدل تحويله نحو الواحات والبلاد الصحراوية، ولرغبتهم في الاستمرار بنشر الإسلام.

في البلدان المجاورة، وتم فتح الأندلس خلال فترة قياسية نسبيا، واعترف المسلمون بعد خضوع شبه الجزيرة الأيبيرية لهم بحقوق النصارى واليهود في إقامة شعائرهم الدينية نظير جزية سنوية، كما هو الحال مع سائر أهالي البلاد المفتوحة من المسيحيين واليهود، وأقبل معظم القوط على اعتناق الإسلام وامتزجوا مع الفاتحين الجدد، وانسحب قسم آخر منهم نحو الشمال الأيبيري الذي لم يخضع طويلا للمسلمين، وقد عاد قائدا الفتح موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى عاصمة الخلافة دمشق بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة سته وتسعين من الهجره، حيث لم يمارسا أي عمل سياسي أو عسكري بعد ذلك لأسباب اختلف فيها المُؤرخون، ولف الغموض نهاية طارق بن زياد خصوصا حيث لم يعرف ما حل به

بعيد وصوله إلى دمشق، وكذلك فكان اهتمامه بشؤون الدولة عظيم جدا، فقد أمن طرق الدولة في مختلف الاتجاهات من دمشق إلى الحجاز وإلى أفريقية وإلى كافة الاتجاهات كما حفر الآبار على طول هذه الطرق، ووظف من يعنى بهذه الآبار ويمد الناس بمياهها، وكان هو أول من أقام المستشفيات في الإسلام وحجز المجذومين وأجرى لهم الأرزاق، وأعطى لكل أعمى قائدًا ولكل مقعدًا خادما، يتقاضون نفقاتهم من بيت المال في دمشق، وتعهد الأيتام وكفلهم ورتب المؤدبين، وأقام بيوتا ومنازل لإقامة الغرباء، وقد اهتم الوليد بالعمران في مدن الدولة الأموية وفي عاصمتها دمشق وأنشأ الطرق بخاصة الطرق المؤدية إلى الحجاز والجزيرة واهتم بالعمران وبيوت الرعاية ومن آثار الوليد الخالدة في العمارة الجامع الأموي

بدمشق وكان يعد من عجائب الدنيا، ولا يزال حتى اليوم ناطقا بعظمة الوليد ويعد من معالم الإسلام الخالدة عبر العصور ومن آثاره عمارة المسجد النبوي والمسجد الأقصى الذي بدأ به أبوه، للوليد الكثير من المحاسن في العدل وتوحيد المسلمين وبناء الدولة بكل عظمتها، ولوليد بن عبد الملك هو الخليفة الأموي هو أول من أنشأ المستشفيات في الإسلام، وقدم المعونة والمساعدة للمحتاج واقام دور الرعاية وجعل لذلك موظفين، وقد شاع بناء المستشفيات في العصر الأموي حتى أصبح في الكثير من المدن الإسلامية، ولم يكن المغرب الإسلامي اقل اهتماما من المشرق ببناء المستشفيات، إذ كان في قرطبة أيام الدولة الأموية خمسين مستشفى

وقد نجح الوليد في مدة خلافته التي لم تتجاوز عشر سنوات أن يقيم دولة عظيمة، وأن ينعم الناس في ظلها بالرخاء، وأن تنشط حركة العمران، وتزدهر الثقافة وحلقات العلم في المساجد الكبرى، حتى صارت دولته أقوى دولة في العالم آنذاك، ولم تطل به الحياة وتوفي الخليفه الوليد بن عبد الملك، في نصف شهر جمادى الآخرة من عام سته وتسعين من الهجره، بمنطقة دير مروان بغوطة فى دمشق ودفن في دمشق وكان عمره ثمانيه وأربعين سنة وكانت مدة حكمه عشر سنوات وبضعة أشهر، وكان الذي صلى عليه هو عمر بن عبد العزيز، لأن أخاه سليمان بن عبد الملك كان بالقدس، وهو الذي أنزله إلى قبره وقال حين أنزله: لننزلنه غير موسد ولا ممهد، قد خلفت الأسلاب وفارقت الأحباب، وسكنت التراب، وواجهت الحساب فقيرا إلى ما قدمت غنيا عما أخرت، وقيل أنه كان له من الأولاد الذكور تسعة عشر إبنا.

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة