إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الحديث عن خلافة يزيد الثانى بن الوليد، فلما انتهوا إليه بشروه بقتل الوليد، وسلموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرة آلاف، فقال له روح بن بشر بن مقبل: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، فسجد شكراً لله، ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يده للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده، وقال: اللهم إن كان هذا رضى لك فأعني عليه، وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به وكان ذلك ليلة الجمعة من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد، فقيل له: إنما ينصب رأس الخارجي، فقال: والله لأنصبنه، فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا.
ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد فقال أخوه: بعداً له، أشهد أنك كنت شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه لم يأنف من ذلك، وطبعا كل هذه الأقاويل والوشايات قيل أنها كانت مغرضه من الدوله العباسيه لتشوية سيرة الدوله الأمويه والله أعلم هل كانت حقائق أم أكاذيب وإفتراءات، وقد قيل: إن رأسه لم يزل معلقاً بحائط جامع دمشق الشرقي مما يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية، وقيل: إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستاً وثلاثين سنة، وأما عن يزيد الثالث بن الوليد الأموي القرشي وهو الخليفة الأموي الثاني عشر، والذى توفي بعد توليه الخلافة بقليل فلم يدم حكمه أكثر من ستة أشهر، وقد سمي بيزيد الناقص لأنه أراد أن يقتدي بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
فأنقص رواتب الجيش أسوة بعمر بعد أن كان يزيد الثاني الخليفة الأموي التاسع قد زادها بعد توليه الخلافة، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أمه هى السيده شاه آفريز بنت فيروز بن يزدجرد، وهو آخر ملوك الفرس، وكان يجمع في أصوله بين الدم العربي والفارسي، والرومي والتركي، فجَدُّه لأبيه هو عبد الملك بن مروان، وهو عربي، وجَدُّه لأمه هو فيروز بن يزدجرد وهو فارسي، وجَدَّة جده لأمه ابنة قيصر، وأم جدته لأمه ابنة خاقان الترك، فكان يفخر ويقول: أنا ابن كسرى وأبي مروان ، وقيصر جدي وجدي خاقان، وقد بويع له بالخلافة في بادئ الأمر في قرية المزَّة من قرى دمشق، ثم دخل هذه المدينة منتصرًا وغلب عليها، وأرسل جيشًا اصطدم بابن عمه الوليد الثاني وقتله.
واستحوذ على الخلافة في أواخر جمادى الآخرة عام مائه وسته وعشرين من الهجره، وقد خطب فى الناس مبررًا قتل الخليفة شارحًا نهجه في الحكم، وقد أظهر يزيد الثالث التقوى خلال حكمه، وتشبَّه بأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولكنه سمي بالناقص لأنه أنقص أعطيات الجند والناس ما زاده الوليد الثاني معتقدًا أنها مرتفعة، وأكثر مما يستطيع بيت المال تحملها، وردها إلى ما كانت عليه في عهد هشام، وتولى يزيد الثالث بن الوليد، الحكم بعد قيامه بانقلاب على ابن عمه الوليد بن يزيد إذ تحرك من ضاحية المزة إحدى ضواحي دمشق وسيطر على المسجد الجامع وأرسل قائدا من عنده استطاع إلقاء القبض على الوليد الثاني في قصره وقتله، وقد كانت نفسه تميل للإصلاح وكان متقشفا.
وقد ولى عهده أخوه إبراهيم بن الوليد، وهو إبراهيم بن الوليد الأموي القرشي وهو الخليفة الأموي الثالث عشر، وقد تولى الخلافة بعهد من أخيه يزيد الثالث، وقد كان الخليفه يزيد الثالث هو أول من خرج بالسلاح في العيدين، فقد خرج يومئذ بين صفين من الخيل عليهم السلاح من باب الحصن إلى المصلى، وقد خطب أمير المؤمنين يزيد بن الوليد الناس بدمشق فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس، إني والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي، ولكن خرجت غضبا لله ولدينه، وداعيا إلى كتاب الله وسنة نبيه، حين درست معالم الهدى، وطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار المستحل للحرمة، والراكب البدعة.
فأشفقت إذ غشيكم ظلمه أن لا يقلع عنكم من ذنوبكم، وأشفقت أن يدعو أناسا إلى ما هو عليه، فاستخرت الله، ودعوت من أجابني، فأراح الله منه البلاد والعباد، أيها الناس إن لكم عندي إن وليت أن لا أضع لبنة على لبنة، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد الثغور، فإن فضل شيء رددته إلى البلد الذي يليه، حتى تستقيم المعيشة وتكون فيه سواء، فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم، فأنا لكم، وإن ملت، فلا بيعة لي عليكم، وإن رأيتم أقوى مني عليها، فأردتم بيعته، فأنا أول من يبايع، ويدخل في طاعته، وأستغفر الله لي ولكم " وفي هذه السنة: عزل يزيد ين الوليد يوسف بن عمر عن إمرة العراق، لما ظهر منه من الحنق على اليمانية، وهم قوم خالد بن عبد الله القسري، حتى قتل الوليد بن يزيد.
وكان قد سجن غالب من ببلاده منهم، وجعل الأرصاد على الثغور خوفاً من جند الخليفة، فعزله عنها أمير المؤمنين يزيد بن الوليد، وولى عليها منصور بن جمهور مع بلاد السند وسجستان وخراسان، ويوسف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، هو أمير العراق وخراسان لهشام بن عبد الملك، ثم أقره الوليد بن يزيد على العراق، وقد كان شهما سائسا مهيبا جبار عسوف جواد معطاء، وقد كان ولي اليمن قبل العراق، ويوسف بن عمر هو بن عم الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد قال ابن عساكر : لما هلك الحجاج بن يوسف الثقفي ، وتولى بعد يزيد بن المهلب العراق لسليمان بن عبد الملك أخذ يوسف بن عمر مع آل الحجاج ليعذب وكان يزيد بن المهلب يبغض الحجاج وأقاربة.
فقال يوسف : أخرجوني أسأل، فدفع إلى الحارث الجهضمي وكان مغفلا، فأتى دارا لها بابان، فقال : دعني أدخل إلى عمتي أسألها فدخل وهرب من الباب الآخر، وكان يوسف من ولاة العهد الأموي، وكانت منازل أهله في البلقاء بشرقي الأردن، تولي اليمن لهشام بن عبد الملك سنة مائه وسته من الهجره، وكانت قبضته شديدة فيها، فبعد ولايته بسنة واحدة خرج عليه في اليمن عباد الرعيني الذي ادعى أنه حميري آخر الزمان، وكان له من الأتباع ثلاثمئة رجل، فتمكن يوسف من القضاء على ثورته وقتله مع أصحابه، مما زاد في مكانته عند الخليفة فما زال على اليمن حتى جاءه التقليد بولاية العراق، فاستخلف ابنه الصلت على اليمن وسار هو للعراق .
وقد كان منصور بن جمهور أعرابياً جلفاً وكان يدين بمذهب الغيلانية القدرية، ولكن كانت له آثار حسنة، وعناء كثير في مقتل الوليد بن يزيد، فحظي بذلك عند يزيد بن الوليد، ويقال: إنه لما فرغ الناس من الوليد ذهب من فوره إلى العراق فأخذ البيعة من أهلها إلى يزيد، وقرر بالأقاليم نواباً وعمالاً وكر راجعاً إلى دمشق في آخر رمضان، فلذلك ولاه الخليفة ما ولاه، والله أعلم، وأما يوسف بن عمر فإنه فر من العراق فلحق ببلاد البلقاء، فبعث إليه أمير المؤمنين يزيد فأحضره إليه، فلما وقف بين يديه أخذ بلحيته وكان كبير اللحية جداً، ربما كانت تجاوز سرته وكان قصير القامة، فوبخه وأنبه ثم سجنه وأمر باستخلاص الحقوق منه، ولما انتهى منصور بن جمهور إلى العراق قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليهم.
في كيفية مقتل الوليد، وأن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأنه قد ولى عليهم منصور بن جمهور لما يعلم من شجاعته ومعرفته بالحرب، فبايع أهل العراق ليزيد بن الوليد، وكذلك أهل السند وسجستان، ومنصور بن جمهور بن حصن الكلبي، هو من فرسان العرب المعدودين في عصر بني أمية، وقد خرج مع يزيد الناقص على الوليد بن يزيد، وكان مع من شارك في قتل الوليد، ولاه يزيد العراق وخرسان، وقاتل الضحاك بن قيس الخارجي، ثم قام يزيد بعزله فلحق بالشام، ولما ولي مروان بن محمد خرج عليه منصور بن جمهور ولحق بالسند فغلب عليها، فلما أصبحت الدولة لبني العباس ظفروا به وقتلوه، وأما نصر بن سيار نائب خراسان فإنه امتنع من السمع والطاعة لمنصور بن جمهور، وأبى أن ينقاد لأوامره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق