إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل مع الخلافه الأمويه ومع الخليفة الأموي الثالث عشر إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، وقد قيل عنه أنه كان أبيض جميلا وسيما طويلا يميل إلى السمن، وكانت أُمُّه هى أَمَة بربرية، وقد بويع له بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد بن الوليد بعهد منه، وكان ذلك في نهاية شهر ذي الحجة سنة مائه وسته وعشرين من الهجره، ولكنه لم يتم له الأمر، فقد كان الناس كما يقول الطبري: جمعة يسلمون عليه بالخلافة، وجمعة بالإمارة، وجمعة لا يسلمون عليه بالخلافة ولا بالإمارة، وقد تولى الخلافة بعهد من أخيه يزيد الثالث، ولم يدم حكمه طويلا إذ لم يبايعه إلا أهل دمشق، وخالفه ولم يعترف به مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، فقد عدَّه مسؤولاً هو وأخوه يزيد الثالث.
عن مقتل الخليفة الحادي عشر الوليد الثاني بن يزيد الثاني وكانت هذه مناورة منه لاستلام الخلافة، وكان أول من رفض بيعته أهل حمص، فأرسل إليهم ابن عمه عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ليأخذ له البيعة منهم بالقوة فحاصرهم، وبينما هو على حصارهم وهم يرفضون البيعة، قَدِم مروان بن محمد، فلما علم عبد العزيز بن الحجاج بمقدمه ترك حمص، فدخلها مروان، وبايعه أهلها، وساروا معه قاصدين دمشق، فلقيهم جيش إبراهيم بن الوليد على رأسه سليمان بن هشام في مائة وعشرين ألفًا، فالتقى بهم مروان في ثمانين ألفًا، ودارت بينهما معركة في مكان يسمى عين الحر بين دمشق وبعلبك، فهُزم سليمان وقُتل من جنده حوالي سبعة عشر ألفًا وأُسر مثلهم.
فعاد منهزمًا إلى دمشق، والتقى بإبراهيم بن الوليد وعبد العزيز بن الحجاج واتفقوا على قتل ولدي الوليد بن يزيد وهم الحكم وعثمان ابنى الوليد بن يزيد، وذلك قبل وصول مروان، وقالوا: إن بقي ولدا الوليد حتى يخرجهما مروان، ويعيد الأمر إليهما لن يستبقيا أحدًا من قتلة أبيهما، والرأي قتلهما، فقتلوهما ثم هرب إبراهيم بن الوليد وأنصاره، ودخل مروان دمشق وأخرج يزيد بن خالد وأبا محمد السفياني من السجن، وجاءوا إليه بابني الوليد بن يزيد مقتولين، فشهد أبو محمد السفياني لمروان بأنهما جعلا له الخلافة بعدهما وبايعه الناس، وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة مائه وسبعه وعشرين من الهجره، فكانت مدة خلافة إبراهيم بن الوليد ما يقرب من أربعة أشهر.
وتسلم مروان بن محمد الخلافة ليصارع أحداثًا أقوى منه، ويواجه دنيا مُدبِرَة ودولة ممزقة، قُدِّرَ له أن يكتب الفصل الأخير من حياتها، وقد أتى حكم إبراهيم بن الوليد في فترة اضطراب الدولة بعد أن كانت في أوج ازدهارها وقوتها، أمر بقتل اثنين من أبناء الخليفة الوليد الثاني خوفا على حكمه، ولبث في الخلافة سبعين يومًا، وانتهى حكمه عندما تولى مروان بن محمد امر دمشق وسيطر على الدولة وتنازل له إبراهيم عن الخلافة، واختفى إبراهيم، ثم ظهر بعد أن أمنه مروان، وقُتل مع من قتل من بني أمية حين سقطت دولتهم على يد العباسيين، وقيل غرق في نهر الزاب، وكان ذلك سنة مائه واثنين وثلاثين من الهجره.
وقد قال برد بن سنان، حضرت يزيد بن الوليد لما احتضر، فأتاه قطن، فقال: أنا رسول من وراءك، يسألونك بحق الله أن تولي الأمر أخاك إبراهيم، فغضب، وقال: بيده على جبهته: أنا أولي إبراهيم، ثم قال لي: يا أبا العلاء: إلى من ترى أن أعهد؟ قلت: أمر نهيتك عن الدخول فيه، فلا أشير عليك في آخره، قال: وأغمي عليه حتى حسبته قد مات، فقعد قطن، فافتعل كتابا على لسان يزيد بالعهد إلى إبراهيم، ودعا ناسا، فاستشهدهم عليه، ولا والله ما عهد يزيد شيئا، وقد قال أبو معشر، مكث إبراهيم بن الوليد سبعين ليلة، ثم خلع، ووليها مروان، وقيل أنه عاش إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائة مسجونا، وكان شجاعا، وأمه بربرية ولم يستقم له أمر الخلافة، فكان جماعة يسلمون عليه بالخلافة وطائفة بالإمارة.
وقد امتنع جماعة من بيعته، وقيل: يبايع إبراهيم في كل جمعة ألا إن أمرا أنت واليه ضائع، وقال أحمد بن زهير: أقبل مروان بن محمد في ثمانين ألفا، فجهز إبراهيم لحربه سليمان بن هشام في مائة ألف، فالتقوا، فانهزم سليمان إلى دمشق، فقتلوا عثمان والحكم ولدي الوليد بن يزيد، وأقبلت خيل مروان، فاختفى إبراهيم، ونهب بيت المال، ونبش يزيد الناقص، وصلب على باب الجابية، وتمكن مروان، فأمن إبراهيم، وسليمان بن هشام، وكان باب الجابية هو باب من أبواب دمشق الرومانية في الطرف الغربي للمدينة، وهو مكرّس لكوكب المشتري الذي يمثّل الإله جوپيتر، وكانت له ثلاث بوابات، الوسطى كبيرة، وعلى طرفيها بوابتان أصغر، ومن هذا الباب دخل أبو عبيدة بن الجرّاح.
وكان لحضور صلحا عند فتح دمشق سنة أربعه عشر من الهجره، وقد جدّد أيام نور الدين الشهيد وعمل له باشورة سنة خمسمائه وستون من الهجره، ثم أيام الملك الناصر داوود الأيوبي، واليوم لم يبق من الأبواب الثلاثة سوى الباب الجنوبي الصغير، أمّا حول اسمه فقد نسبه المؤرّخون العرب إلى قرية الجابية في إقليم الجيدور الغربي بحوران لأن الخارج إليها يخرج منه، وهذا وهم فالاسم محرّف بالتواتر عن اسم جوپيتر الإله الروماني، وكان للخليفه لإبراهيم أربعة أولاد، ثم قتل إبراهيم يوم وقعة الزاب، وقد توفي إبراهيم عام مائه واثنين وثلاثين من الهجره، يوم الزاب، وقيل أنه قتله مروان وصلبه، وأما عن معركة الزاب الكبرى أو معركة الزاب الأعلى.
فهى معركه وقعت في الحادى عشر من جمادى الآخرة عام مائه واثنين وثلاثين من الهجره، قرب نهر الزاب الكبير وهو أحد روافد نهر دجلة، ويقع في شمال العراق، وقد وقعت المعركة بين الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد وعبد الله بن علي، حيث التقى الجيشان في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل، فانهزم جيش مروان وفر إلى مصر حيث قُتل في مدينة أبي صير فكان آخر خلفاء بني أمية في الشام، وبمقتله انتهت عمليًا الخلافة الأموية ولذلك تعد إحدى المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، ولم ينجُ من الأمويين إلا عبد الرحمن بن معاوية المُلقب بـعبد الرحمن الداخل، الذي بدوره فر إلى الأندلس وأسس الدولة الأموية الثانية بها.
وكانت الخلافة الأموية قد وصلت إلى مرحلة الضعف في عهد مروان بن محمد وعمت الثورة التي قام بها الخراسانيون ضده وعلا شأن بني العباس، فتوجه مروان إلى الثوار في جيش كبير، زَحف الخليفة الأموي مروان بن محمد بجيشه حتى وصل إلى الموصل، ونزل دجلة، وسار إليه جيش العباسيين، وعسكر على الزاب الأكبر بقيادة عبدالله بن علي فكان النهر بينهما، وأما عن سليمان بن هشام بن عبد الملك بن مروان، فهو أمير أموي، وقد ولد ونشأ في دمشق وقد غزا في عهد أبيه هشام أرض الروم، وحج بالناس سنة مائه وثلاثة عشر من الهجره، ثم سجنه الوليد بن يزيد بعد توليه الخلافة، وظل سجينا حتى قُتل الوليد، ثم ولاّه الخليفة الجديد يزيد بن الوليد بعض حروبه.
وقد طمع في الخلافة بعد تولي مروان بن محمد لها عام مائه وسبعه وعشرين من الهجره، ولكن قوات مروان هزمت قواته، فلحق الضحاك بن قيس الشيباني، إلى أن قُتل الضحاك العام التالي، ثم تولى أمر أصحابه شيبان الحروري، وتزوج سليمان أختاً لشيبان، وتحالف معه لقتال مروان بن محمد، فهزم أيضاً، فرحل بأهله إلى السند، وعندما تولى أبو العباس السفاح الخلافة، أقبل عليه سليمان، فآمنه، أقعده معه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق