الأربعاء، 5 أغسطس 2020

الدكرورى يكتب عن الأيام الفاطميه


إعداد محمـــد الدكـــرورى

إن في مرور الأيام والليالي، وتعاقب الشهور والأعوام، عبرة وعظة، عبرة في سرعة انقضاء الأعمار، وعظة في قرب حلول الآجال، أليست هذه الأيام والشهور مراحل نقطعها من أعمارنا، فمع غروب شمس كل يوم وانتهاء كل شهر، وانصرام كل عام تنقص الآجال، ويقترب حلول الموعد المجهول؟ ولكن يجب أن ننتبه لقوله عز وجل، (وتلك الأيام نداولها بين الناس) ويجب علينا أن نعلم ان الدلالة فى التعبير بالمضارع في قوله عز وجل: (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) هو الإشعار بأن تلك المداولة سنة إلاهية مسلوكة بين الأمم جميعها سابقها ولاحقها وفي ذلك تسرية عن صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وتسلية لهم، والمراد بالأيام وهى أوقات الغلبة والنصر يصرفها الله تعالى على ما أراد تارة لهؤلاء

وتارة أخرى لهؤلاء، فالأيام على قديم الدهر لا تبقي الناس على حالة واحدة،وأما الغرض من الاستفهام في قوله تعالى: ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) وهو الإنكار، أي الإنكار على المؤمنين الذين يطمعون في دخول الجنة دون تحمل المشاق من الجهاد لنصرة الحق، والصبر في الشدائد والمحن، وأما سر التعبير عن الجهاد بالفعل، جاهدوا، وفي التعبير عن الصبر بالاسم، الصابرين؟ وهو لأن الجهاد لا يستغرق الزمن كله بل يكون في أوقات معينة، أما الصبر فينبغي أن يكون خُلُقاً راسخاً للمؤمن وملازماً له سواء جاهد أم لم يجاهد، وأما المقصود بنفي علم الله تعالى بالذين جاهدوا والصابرين من المؤمنين المشاركين في غزوة أحد في قوله تعالى: ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) . 

فالمقصود هو الكناية عن حالة نفي الجهاد والصبر عن المخاطبين، لأن الله تعالى إذا علم شيئاً فذلك المعلوم محقق الوقوع، فكني هنا بنفي العلم، عن نفي المعلوم، أي أن الله تعالى علم عدم جهادهم وعدم صبرهم ولو كانوا مجاهدين فعلاً وصابرين حقاً لعلم الله ذلك منهم، وفي هذه الكناية حث للمخاطبين وترغيب لهم بالمبادرة إلى العمل الصالح من الجهاد وغيره، ليعلمه الله منهم واقعاً بعد أن علمه غير واقع، ويقول الله تعالى: ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) 

وتلك الآيات وما بعدها تسلية للمؤمنين عما أصابهم يوم أحد من هزيمة وقتل، وفيها بشرى لهم بالنصر القريب بعد أحد، وتثبيت لهم بذكر مصير المكذبين من الأمم السابقة، وبأن أيام الحروب تكون مرة للمؤمنين لينصر الله تعالى دينه، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم، وفي الآيات حث على قتال عدوهم، ونهي لهم عن العجز والفشل والضعف، والأيام الفاطمية هي أيام ذكرى شهادة السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، التي يتخذها الشيعة أيام حزن وعزاء، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في يوم وفاتها، وأشهر تلك الأقوال ثلاثة، وهي ستة أيّام فهو الثالث من شهر جمادى الأولى، أو  الثالث من جمادى الثانية، والأيام الفاطمية الأولى تبدأ من يوم الثالث عشر. 

حتى الخامس عشر، من شهر جمادى الأولى، والفاطمية الثانية تبدأ من اليوم الثالث إلى اليوم الخامس من شهر جمادى الثانية، وهي أيام يحيي فيها الشيعة في كل بقاع العالم المجالس الرثائية حداداً وحزناً على ذكرى وفاة فاطمة الزهراء ابنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تعددت الروايات في ذكر تاريخ وفاة السيدة فاطمة الزهراء، ولم يذكر المؤرخون تاريخاً محدّداً لها، وقد حصر الشيخ الزنجاني الخوئيني في موسوعته عن فاطمة الزهراء، الأقوال التي ذكرت تاريخ شهادتها في احد وعشرون قولا، ولكن هناك ثلاثة أقوال اشتهرت بين الشيعة، فالقول الأول قائل بأن السيدة فاطمة استشهدت في الثامن من ربيع الثاني، إي بعد أربعين يوماً من وفاة أبيها، والقول الثاني يقول بأنها استشهدت في الثالث عشر. 

من جمادى الأول يعني بعد خمسة وسبعين يوماً من رحيل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القول الأشهر، ومجموعة أخرى من الروايات تقول بأنّ شهادتها كانت بعد وفاة أبيها بخمس وتسعين يوماً وذلك في الثالث من جمادى الثاني، وهو الأقوى، وتوجد هناك أسباب كثيرة لوجود هذه الاختلافات في الروايات، ومن هذه الأسباب، أنه في تلك العصور كانت التواريخ أغلبها من المسموعات، فكانت تتعرض هذه المسموعات للنسيان مع مرور الزمن، وكان تاريخ وفاة فاطمة الزهراء، قبل ظهور عملية التدوين، حيث جاء التدوين متأخرا في التاريخ الإسلامي وذلك في القرن الثاني، ويرى البعض أنه كان يتم التدوين على صحف قديمة ووسائل تقليدية وبسيطة فتعرض الكثير منها للزوال. 

وربما الاختلاف كان بسبب الأحداث التي رافقت رحيل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وما جرى من أحداث كبيرة وخطيرة، حيث اصبحت المدة مبهمة في مرضها حتى شهادتها، ولعل نشأ الاختلاف من التصحيف في الكلمات المتشابهة أو التحريف في النقل، ويوصي بعض المراجع الدينية الشيعية أن تعقد مجالس العزاء في أيام شهادة فاطمة الزهراء، وان تستمر ثلاثة أيام، ولذلك اشتهر يوم الثالث عشر إلى الخامس عشر من شهر جمادى الأولى بالفاطمية الأولى، واليوم الثالث إلى اليوم الخامس من شهر جمادى الثانية بالفاطمية الثانية، ففي هذه الأيام تحيي الشيعة المجالس الرثائية في الحسينيات والمساجد والبيوت حداداً وحزناً على ذكرى شهادة فاطمة الزهراء. 

ويذكرون فيها سيرتها وفضائلها ومناقبها، وقد يعظّم شيعة العراق وبالأخص النجف هذه المناسبة في هذه الفترتين، ولكن يعظم الشيعة في إيران هذه الذكرى بناء على رواية اليوم الثالث من جمادي الثانية، وهذا اليوم لديهم يوم عطلة رسمية وحداد عام، والشيعة هو اسم يطلق على ثاني أكبر طائفة من المسلمين، وهم الذين عرفوا تاريخيًا بشيعة علي، أو أتباع علي، وهو الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وغالبًا ما يشير مصطلح الشيعة إلى الشيعة الاثنا عشرية لأنها الفرقة الأكثر عددًا، ويرى الشيعة أن الإمام علي بن أبي طالب، هو وأحد عشر إمامًا من ولده من زوجته السيده فاطمة بنت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هم أئمة مفترضو الطاعة بالنص السماوي. 

وهم المرجع الرئيسي للمسلمين بعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويطلقون عليهم اسم الأئمَّة أو الخلفاء الذين يجب اتِّباعهم دون غيرهم طبقًا لأمر من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في بعض الأحاديث مثل حديث المنزلة، وحديث الغدير، وحديث الخلفاء القرشيين الاثنا عشر، وحديث الثقلين المنقولة عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بنصوص مختلفة والذي يستدلّون به على غيرهم من خلال وجوده في بعض كتب بعض الطوائف الإسلامية التي تنكر الإمامة وهو كالتالي: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما" .

وقد اعتاد المسلمون الشيعة في العراق وفي بلدان أخرى كل عام على إحياء طقوس عاشوراء، وهو ذكرى مقتل الإمام الحسين بالقرب من كربلاء في القرن السابع للميلاد، ويروي مؤرخون أن الحسين بن علي بن أبي طالب، توجه مع رهط من صحبه وأهله إلى الكوفة قادما من الحجاز، للمطالبة بالخلافة بعد تلقيه دعوات من اهل العراق، وكان يزيد بن معاوية قد تولى الخلافة بعد وفاة أبيه، الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، ولكن والي يزيد في البصرة والكوفة أرسل قوة لمواجهة الحسين بن على مع العدد القليل من أنصاره، مما اضطره إلى مواصلة السير باتجاه كربلاء حيث جرت محاصرتهم ومنع الماء عنهم، ومن ثم قتلهم وأسر النساء والأطفال من أهله وبينهم ابنه، علي زين العابدين. 

وهو الإمام الرابع لدى الشيعة، وقد شكلت هذه الواقعة بمقتل الحسين وأنصاره وسبي أهله، منعطفا هاما في تحديد المنحى الذي سارت عليه طقوس الطائفة الشيعية، الأمر الذي أسهم، إلى حد كبير، في تشكيل هويتها، ويقول أحد الشيعه إنه مع حلول شهر المحرم، شهر الشهيد الإمام الحسين، وهو شهر الحزن والسواد فى كل بيت مسلم حزنا على استشهاد سيد شباب الجنة وسبط الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يحمل شهر المحرم فى أيامه ولياليه الوجيعة والحزن والألم، فتتحول كل بيوت المسلمين ومحبى أهل البيت للون الأسود، حيث يُلبس السواد وتقام مجالس العزاء، فالمحرم شهر الشهيد وزمن الإمام الحسين بن على بن أبى طالب.

***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة