الأحد، 4 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عباس ( الجزء الثانى )



إعداد / محمـــد الدكــــرورى


ونكمل الجزء الثانى مع حبر الأمه عبد الله بن عباس ولقد كان من صفاته العقلية هو اشتهاره بعمق الاستنباط واستنتاجه للمعاني العميقة من النصوص، حتى إن عمر بن الخطاب كان يسمّيه غوّاصا، وكان ابن العباس أيضا سريع الفهم قوي الحفظ، وكان فاهما لجميع ما يسمعه من العلماء في مجالسهم، كما عُرف بالذكاء والفطنة رغم أنه عاصر عددا ممن اشتهروا بهما، وقد عُرف ببعد النظر والحكمة وإصابة الرأي في سائر الشؤون، فوافق رأيه رأي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، في العديد من المواقف، وقد خالف الإمام علي بن أبي طالب، في بعض الأمور ونال إعجاب الخليفة بها، وحين ولاه الإمام علي بن أبى طالب، على الشام رفض ابن العباس الولاية، وأشار عليه بإخبار معاوية بن أبي سفيان بالأمر. 


وكان ذلك حرصا منه على عدم وقوع أي فتنة بالمسلمين، مما يدل على بُعد نظره في عواقب الأمور، وأما عن الصفات الجسمية لعبد الله بن عباس، فقد وهب الله تعالى ابن عباس بسطةً أى وفرة وزيادة في الجسم، وكمالا في الخَلق، وجمالا شكليا، ومن صفاته الجسدية أنه كان صبيح الوجه، وقال عنه عطاء: "ما رأيت البدر إلا ذكرت وجه ابن عباس" ويقصد بصبيح الوجه أي مشرق ووضيء الوجه، وقد نشأ عبد الله بن عباس في عائلة مباركة، فكانت خالته هى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وفي إحدى الليالي التي قضاها في حجرتها صلى خلف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فأوقفه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بجواره، إلا أن ابن عباس رجع إلى الخلف. 


وحين فرغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، سأله عن سبب ذلك، فأجاب ابن عباس قائلا "وهل يساويك أحد وأنت الرسول الذي بعثك الله تعالى، وأنزل عليك القرآن"، فابتسم النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا له بالخير والبر، وقد أتم ابن العباس حفظ القرآن الكريم قبل أن يتم عشرة سنوات من عمره، وقد عاش عُمرا طويلا كريما، وتنقل ما بين مكة المكرمة والمدينة والطائف، وقد شارك في فتح مصر وشمال أفريقيا، وهدى الله تعالى، بسببه آلاف الخوارج بعد عدّة مناظرات أثبت بها الحق، ثم بعثه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، واليا على البصرة، وكان أول جنديّا في غزو القسطنطينية في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وكان ابن عباس يكره الأخذ عن أهل الكتاب في التفسير. 


وهو ما يُسمى بالإسرائيليات، وينهى الناس عن سؤالهم، ويقول " كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ، وكتابكم الذى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرءونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه،وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذى أنزل عليكم، وقد حظي ابن عباس بمنزلة عالية ، فهو ابن عم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويُعد من أهل البيت، وأحد صغار الصحابة، وقد رأي جبريل عليه السلام مرتين، وقد دعا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، له بالحكمة مرتين، وأجلسه في حجره ومسح على رأسه ودعا له بالعلم.


 فدعا له النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالفقه وفهم تأويل القرآن قائلا " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ودعا له صلى الله عليه وسلم بعلم القرآن والحكمة أيضا فقال " اللهم علمه الكتاب، اللهم علمه الحكمة"  وقال ابن حجر العسقلاني مُعلقا " اختلف الشرَّاح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن كما تقدم، وقيل العمل به، وقيل السنة، وقيل الإصابة في القول، وقيل الخشية، وقيل الفهم عن الله تعالى، وقيل العقل، وقيل ما يشهد العقل بصحته، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة، والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس هو الفهم في القرآن  ولقد ولد بن عباس في مكة المكرمه في شعب أبي طالب، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات.


وشعب أبي طالب أو شِعب بني هاشم، هو المكان الذي قوطعت وحوصرت فيه بنو هاشم لمدة ثلاثة سنوات ابتداء من السنة السابعة من النبوة بسبب قرار اتخذه سادة قريش بداية ظهور الإسلام وذلك للضغط على رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولثنيه عن الدعوة للإسلام فتعاهدو على ألا يتعاملوا معهم بأي شكل من المعاملات كالبيع والشراء والزواج، وقد علقوا صحيفة بهذا المضمون في الكعبة، وهو الشعب الذي ولد فيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في الدار التي تعرف باسم دار ابن يوسف، ولما أجمعت قريش على قتل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، جمع أبو طالب بن عبد المطلب بني هاشم وأخبرهم بمكيدة قريش، فقرروا أن ينحازوا بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. 


في شعب بمكة يقال له شعب أبي طالب، وقد انحاز معهم حمية بنو عبد المطلب بن عبد مناف، وقد اجتمع رؤساء قريش في خيف بني كنانة ويسمى اليوم بالمعابدة، وأجمعوا على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب اقتصاديا واجتماعيا، وكتبوا في ذلك كتابا فيه، أن لا يناكحوهم ولا يتزوجون منهم، وأن لا يبايعوهم، ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وأن لا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني عبد المطلب صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسلموا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لهم للقتل، وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة، وقد كان الذي كتب الصحيفة هو منصور بن عكرمة العبدري، فدعا عليه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فشلت أصابعه. 


وقد سارع المشركون في تطبيق الحصار، فضييق على بني هاشم حصارا اقتصاديا استمر الحصار أياما وأشهرا، ويقول سعد بن أبي وقاص " خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال " وكان مما كان في الحصار أن بعض المشركين كان يتعاطف مع أرحامه المحصورين هناك، فكانوا يرسلون إليهم بعض الطعام ليلا، ومنهم هشام بن عمرو العامري الذي كان يحمل البعير بالطعام والثياب، ويأخذ بخطام البعير حتى يقف على رأس الشعب، ثم يخلع خطام البعير ويطلقه في الشعب، وكان حكيم بن حزام يرسل الطعام لعمته خديجة بنت خويلد سرا. 


وأما عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد قال "دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُؤتيني الله الحكمة مرتين " فكان يُسمّى الحبر والبحر لكثرة علمه، وحدّة فهمه، وعن أبي صالح، قال " لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها فخرا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب" وعن الشعبي رحمه الله قال : قيل لابن عباس رضي الله عنه: أنى أصبت هذا العلم؟ قال " بلسان سئول، وقلب عقول " وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يُجلس ابن عباس مع مشايخ الصحابة ويقول: نِعْم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وكان إذا أقبل يقول عمر رضي الله عنه "جاء فتى الكهول، وذو اللسان السئول، والقلب العقول"


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة