إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا فى الحديث عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت مع ظهور الدين الإسلامي في القرن السابع الميلادي بعد هجرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، وهى المدينة المنورة، وتأسيسه الدولة الإسلامية فيها، وفي ذلك الوقت شُرع للمسلمين الجهاد، حيث أن هذه الغزوات ومع اختلاف أسبابها جاءت بالتوافق مع مبدأ الحرب الدينية من مفهوم إسلامي أو ما يطلق عليه الجهاد، من ناحية أخرى فكان بعض المهاجرين يريد تعويض خسائره حيث تركوا كل ما كانوا يملكون في مكة وقت فرارهم من تعذيب الكفار في مكة، وكانت قوافل المكيين التجارية إلى بلاد الشام وفلسطين تمر بالقرب من المدينة المنورة.
وأما عن يوم للشعر، ويوم لأيام العرب، والمقصود بقول أيام العرب، فهي وقائع العرب قبل الإسلام، وقد تناول الإخباريون والعامة أيام العرب من ناحية مكارم الأخلاق والملاحم والبطولات والنواحي الأدبية من شعر ونثر أكثر من كونها وثائق عسكرية، وكانت لتنشأة القتالية للأفراد تبدأ بولادة الصبي فمنهم من يعطون أسماء ذات هيبة ووقع في النفوس لردع العدو، ويتم تجهيز صندوق للمولود به وهى لامة الحرب، وهي لباس الحرب وعدة القتال من سيف ودرع ملبوس، عمامة الحرب تكون عادة حمراء أو سوداء، ويتم تدريب الأبناء على الفروسية والرماية والمضاربة بالسلاح، ويتم زرع الحمية وقيم الإباء ورفض الذل، وتعتبر القوة القبلية هي نواة الجيوش الجاهلية أفرادها هم أبناء المجتمع.
فعلى كل راشد قادر على حمل السلاح القتال سواء من أبناء المدن أو البادية، ومن يثبت نفسه في الحروب ينال مكانة عالية وتقديرا في المجتمع ويعتبر بطلا، وهو ينال بذلك القابا تشريفية، وعادة ما يكون البطل فردا شجاعا ضخم البنية متمرس في القتال، ولو اجتمعت به كذلك القدرة الأدبية الشعرية حاز شهرة بين كل العرب، وأما عن كان الركبان فهم الهجانة، وهم راكبوا الهجن كما أن وضع الرماحين على الهجن يعتبر وضعا آمنا محصنا خصوصا في حالات الهجوم، والفرسان، وهو يعد الحصان العربي الأفضل عالميا لصلابته ولياقته الاستثنائية في القفز والجري وقد اهتم العرب بالخيل حتى جعلوا لها نسبا كنسب البشر، وألفوها حتى تفاهموا معها بالإشارة، ولم يكن اهتمامهم بشيء من الحيوان أشد من أهتمامهم بالخيل.
وكان من تمرسهم فنون الفروسية أن الرجل منهم كان يركب على ظهر الحصان بقفزة واحدة ويميل من فرسه الذي يعدوا فيلتقط السلاح وغيرها من الأرض، وقد روى بن عباس رضى الله عنهما حوالي ألف وستمائه وستون حديثا، وله في الصحيحين منهم خمسه وسبعون حديثا متفقا عليها، وقد تفرد الإمام البخاري له بمائه وعشره من الأحاديث، وقد تفرَّد الإمام مسلم بن الحجاج بتسعه وأربعون حديثا، وأما عن قول الصحيحان في اصطلاح علماء الأحاديث، وهما صحيح البخاري الذي جمعه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى، وصحيح مسلم الذي جمعه الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، وقد اختلفت الروايات في سنة مولد عبد الله بن عباس على عدة أقوال، والقول الأشهر أنه وُلد في عام الهجرة إلى المدينة.
وهو ما يؤيده ما يرويه سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن عشر سنين وأنا مختون، وقد قرأت المُحكَم من القرآن " وكانوا لا يختنون الرجل إلا عندما يبلغ الحلم، وأما القول الثاني أنه وُلد قبل الهجرة بثلاث سنوات، فى زمن حصار المسلمين في شعب أبي طالب، وهذا الرأى تؤيده عدة روايات، فعن شعبة بن الحجاج عن ابن عباس أنه قال "ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين، ونحن في الشعب، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا ابن ثلاث عشرة" وعن مجاهد بن جبر عن ابن عباس أنه قال " لما كان النبى صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته فى الشعب، أتى أبى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال يا محمد، ما أرى أم الفضل إلا قد أشتملت على حمل.
فقال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، " لعل الله أن يقر أعيننا منها بغلام " فأتى بى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،وأنا فى خرقتى فحنكنى، وقد قال مجاهد، لا نعلم أحد حنك بريق النبوه غيره " وقال الواقدي، أنه لا خلاف أنه ولد في الشعب، وبنو هاشم محصورون، فولد قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وبينما قال ابن منده، أن بن عباس ولد قبل الهجرة بسنتين، وكذلك فإنه لا يُعرف زمن إسلامه على وجه التحديد، ولكنه أسلم هو وأمه أم الفضل بنت الحارث قبل فتح مكة بزمن غير يسير، ولكنهما لم يهاجرا إلى المدينة المنورة، وكان يتلو قول الحق سبحانه وتعالى ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) ويقول بن عباس "كنت أنا وأمي ممن عذر الله"
ولم تتح لهما الهجرة إلا عندما أشهر والده العباس بن عبد المطلب إسلامه، وأراد الهجرة قبيل فتح مكة، فخرجا معه، فلقوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالجحفة، وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة في صبيحة يوم الجمعة وقيل أنه وافق عشرين من شهر رمضان فى السنه الثامنه من الهجره، وقد بايعه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وبايع ابن عباس وهو صغير لم يبلغ الحُلم بعد، ويقول محمد بن علي بن الحسين "أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بايع الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيرا إلا منا" أي من أهل البيت، بعدما هاجر ابن عباس، لزم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ عنه.
وكانت صحبته للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حوالي ثلاثين شهرا، وكان لقرابته للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أثر في ذلك، فكانت خالته ميمونة بنت الحارث زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عباس يدخل بيت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويبيت في حجرة خالته أياما، ويقوم بخدمة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يصف للصحابة كل ما يراه من أفعال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأقواله، وذات مرة كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في بيت ميمونةَ فوضع ابن عباس له وضوءا من الليل فقالت له ميمونة "وضع لك هذا عبد الله بن عباس" فقال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " اللهم فقهه في الدينِ وعلمه التأويل "
وضمّه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى صدره وقال " اللهم علمه الكتاب " ويذكر ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين في بيت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول "رأيت جبريل مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين" ويروي ابن عباس قصة رؤيته لجبريل فيقول " كنت مع أبي عند النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، فقال العباس: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه، قال: أوكان عنده أحد؟ قلت: نعم، فرجع إليه، فقال: يا رسول الله هل كان عندك أحد، فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل تناجيه؟ قال: هل رأيته يا عبد الله؟ قلت: نعم، قال صلى الله عليه وسلم " ذاك جبريل " وكان ابن عباس ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم، في مرضه واحتضاره ووفاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق