إعداد / محمــــد الدكـــــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الجهاد والإرهاب ونقول إن أمتنا هي خير أمه، وهى أمة الخير والوسط والعدل فقال تعالى ( كنتم خير أمة أنزلت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) وإن أمتنا هي الأمة الوسط الشاهدة على الأمم فقال سبحانه وتعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) وأمتنا هي الأمة المتأخرة زماناً المتقدمة فضلا وقيما كما أخبر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " وإن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو خاتم الرسل والأنبياء وأشرف الرسل والأنبياء حيث قال الله تعالى فى كتابه الكريم ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين )
وهذه هي ثوابتنا ومرجعيتنا، ليست إلى مذاهب وضعية، ولا إلى قوانين دولية، وإنما إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فيهما لنا عن كل شيء غناء فقد قال الله عز وجل ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ويقول الحق عز وجل في خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) ويخبرنا الله سبحانه وتعالى، أن شريعتنا ليس فيها تشريع لغير الله تعالى فقال سبحانه ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وأنه ليس فيها اتباع لأحد إلا لرسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد فيها حق تحليل وتحريم إلا لله تعالى، وإلا لما بلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولسنا غيرنا ممن ذكر الله عز وجل في القرآن فقال سبحانه ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وإن وحدتنا هي وحدة الإيمان آصرتنا آصرة الإسلام حيث قال الله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) ويقول الحق سبحانه وتعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ويخبرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عن تلاحمنا فيقول صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " والله سبحانه وتعالى، يخاطبنا خطاب الأمة الواحدة فيقول سبحانه ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونِ ) وهكذا نجد أن هذه المعاني كلها هي التي ينبغي أن نعرف بها أنفسنا، ونحن أعظم ونحن أفضل.
ونحن أخيّر من كل من في هذه الأرض، نعلم ذلك وإن فقدنا شيئا من أسباب المادة وإن فقدنا كثيرا من أسباب القوة، فإن قوة الحق واليقين وقوة الاعتصام بالكتاب والسنة وقوة الالتجاء بالله سبحانه وتعالى، هى أعظم من كل ذلك، وإن الفرق بين الجهاد والإرهاب، فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، ونصر عباده المؤمنين، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله، ويقفون في طريقه، ولما يترتب عليه أيضا من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، وغير ذلك من المصالح التي تخص المؤمنين، وتعم الخلائق أجمعين "
وقد قال ابن القيم رحمه الله " والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة والحجة واللسان والرأي والتدبير والصناعة، فيجب بغاية ما يمكن " وقال العز بن عبدالسلام رحمه الله " لما بذل الشهداء أنفسهم من أجل الله، أبدلهم الله حياة خيرا من حياتهم التي بذلوها، وجعلهم جيرانه، يبيتون تحت عرشه، ويسرحون من الجنة حيث شاءوا، لما انقطعت آثارهم من السروح في الدنيا "وقد قال ابن دقيق العيد رحمه الله " الجهاد أفضل الأعمال، لأنه وسيلة إلى إعلان الدين ونشره، وإخماد الكفر ودحضه، ففضيلته بحسب فضيلة ذلك والله أعلم"
وليعلم أن الفضل الوارد في القرآن الكريم وفى السنه النبوية الشريفة لا يكون إلا لمن قاتل لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري قال، جاء رجل إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم " من يقاتل لتكون كلمة الله هى العليا، فهو فى سبيل الله " وقد أخبر الله سبحانه وتعالى، انه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم " ومن أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي: هلم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة " وقد وذكر ابن ماجه عنه صلى الله عليه وسلم قال " من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في غرمه، أو مكاتبا في رقبته، أظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فالجهاد بالمال معناه أن تدفع مالا يستعين به المجاهدون في سبيل الله، في نفقتهم ونفقة عيالهم وفي شراء الأسلحة وغيرها من معدات الجهاد، وفي ذلك فضل عظيم، لأن الله ذكره في القرآن الكريم مقدماً على الجهاد بالنفس مما يدل على أهميته ومكانته عند الله تعالى، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وإن الإرهاب يختلف عن الجهاد اختلافا جوهريا في كل شيء، في حقيقته ومفهومه، وأسبابه، وأقسامه، وثمراته ومقاصده، وحكمه شرعا، هو أن الإرهاب بمعنى العدوان، وهو ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم، ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم، وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيا وإفسادا في الأرض، وأما عن الجهاد، فهو يهدف إلى الدفاع عن حرمات الآمنين، أنفسهم وأموالهم، وأعراضهم وإلى توفير وتأمين الحياة الحرة الكريمة لهم، وإنقاذ المضطهدين وتحرير أوطانهم وبلدانهم من براثن قوى الاحتلال، وإن الإرهاب كلمة مقصورة محصورة في الإقدام على القتل والتخويف، والخطف والتخريب، والسلب والغصب، والزعزعة والترويع، والسعي في الأرض بالفساد.
فالإرهاب إزهاق للأرواح المعصومة، وإراقة للدماء المحترمة، من غير سبب مشروع، وإن الإرهاب لا يعرف وطنا ولا جنسا، ولا دينا ولا مذهبا، ولا زمانا ولا مكانا، وإن المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره، والبراءة منه ومن أصحابه، فهو علامة شذوذ، ودليل انفراد وانعزالية، فإن هذا إبراز لصورته الكالحة، وآثاره المدمرة، والتأييد العالمي، والتكتل الدولي مطلوب من أجل مكافحته، فيجب على كل عاقل بغض النظر عن جنسيته أو ديانته، أو لونه أو هويته، أن يعلن الحرب على الإرهاب الغاشم الظالم، والمسلم حين يُدين الإرهاب، فإنه لا يستمد موقفه هذا وإدانته تلك من إعلام الإثارة والتهويل، ولكنه إدانة من مسلم منطلق من إسلامه الذي يمنع قتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق