الأربعاء، 7 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن التعايش السلمى فى المدينة ( الجزء الأول )



إعداد / محمــــد الدكـــــرورى


ونكمل مع الجهاد والإرهاب، وقد وقفنا مع توثيق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لقواعد المجتمع الإسلامي الجديد، بعد هجرته الشريفه من مكه إلى المدينه، وكانت بإقامة الوحدة العقائدية والسياسية والنظامية بين المسلمين، وقد رأى صلى الله عليه وسلم، أن يقوم بتنظيم علاقاته بغير المسلمين، وكان همه في ذلك هو توفير الأمن والسلام والسعادة والخير للبشرية جمعاء، مع تنظيم المنطقة في وفاق واحد، فسن صلى الله عليه وسلم، في ذلك قوانين السماح والتجاوز التي لم تعهد في عالم مليء بالتعصب والتغالي، وكان أقرب من كان يجاور المدينة المنوره، من غير المسلمين هم اليهود، فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، معاهدة سلام وحرية عبادة ودفاع مشترك، ولم يتجه الرسول إلى سياسة الإبعاد. 


أو المصادرة والخصام ولم تكن فكرة الحرب مطروحة، فحينما وصل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، للمدينة المنورة، قام ببعض الأعمال الأساسية والمهمة، فقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسجد النبوي الشريف، وكان ذلك طوال مدة مكوثه صلى الله عليه وسلم، عند الصحابى الجليل أبي أيوب الأنصاري، وقد قال الواقدي إن المدة كانت سبعة أشهر، وقال غيره إنها كانت أقل من شهر، وقد قيل غير ذلك، وكان ذلك أول عمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في المدينة، وقد ساعده في البناء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وكانوا ينقلون اللبن معه، أى الطوب للبناء، وكانت أرض المسجد عبارة عن بيدر تمر لغلامين يتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة، وقد ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


منهم حتى يقوم ببناء المسجد، وكان المسجد مصنوعا من الطوب اللبن، وأسقفه مغطاة بجريد النخل، وأعمدته من أخشاب النخل، وكان لبناء المسجد عدة أهداف، فلم يكن بناؤه فقط على الأساس الديني، وإنما تنوعت الأهداف، وهو التأكيد على ارتباط الدين والسياسة معا، فكان المسجد بمثابة مكانٍ يمارس فيه القائد والحاكم مهامه، فالسياسة جزء من الدين لا تنفصل عنه، ولو أن الأمر يناقض ذلك لأقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بيتا للأمارة بشكل مستقل عن المسجد، وأيضا كان من أهمية المسجد هو تثبيت الأصل التي تقوم عليه الدولة الإسلامية، والذي يتمثل بالعلاقة مع الله تعالى، فهي الأساس الذي تقوم عليه أمور السياسة، وأيضا استقبال الوفود في المسجد، والاجتماع معهم فيه، للبحث فيما يتعلق بأمور الحروب. 


والإصلاحات والأسرى، وعقد الاتفاقات والتفاوضات معهم، وكذلك التشاور في أمور الغزوات قبل حدوثها، وعقد مجالس لتعلم العلوم الشرعية، وباقي العلوم الأخرى، والحكم بين المتخاصمين داخل المسجد، حيث كان يعد دارا للقضاء، وكذلك ممارسة بعض الأنشطة الاجتماعية، فهو مأوى الفقراء، ومكان لممارسة الأحباش لبعض الأنشطة الترفيهية، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حيث آخى رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بين المهاجرين والأنصار، ووثق بينهم روابط المحبة، والألفة، والتكافل الاجتماعي، وكان على أساس الأخوة الإسلامية، فكانت علاقاتهم بعد المؤاخاة مع بعضهم، كالأخوة تماما، يتقاسمون أمورهم، ويتعاونون مع بعضهم في أمور الخير، وما ينفع مجتمعهم، ويحبون الخير لبعضهم. 


ويؤثرون على أنفسهم رغم ضيق عيشهم وصعوبة أحوالهم، فكانت أخوتهم صادقة وحقيقية، تقوم على الإيمان بالله تعالى، وعلى العقيدة السليمة في نفوسهم، وتمت المؤاخاة في بيت أنس بن مالك رضي الله عنه، وكما أقام النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالمعاهدة بين المسلمين واليهود حيث قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكتابة الوثيقة أو الصحيفة التي تنظم علاقة جميع المواطنين في المدينة على اختلاف دياناتهم وأصولهم، فكانت بين المسلمين من المهاجرين والأنصار مع بعضهم البعض، ومع قبائل يهود بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع، واشتهرت باسم وثيقة المدينة، وقد سمّاها بعض المعاصرين بدستور المدينة، واحتوت الوثيقة في داخلها على مجموعةٍ من البنود المتفق عليها. 


وقام النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ببناء السوق الإسلامي، حيث سعى الرسول صلى الله عليه وسلم، أثناء مكوثه في المدينة إلى بناء سوق إسلامي خاص بالمسلمين، مستقل عن الأسواق الأخرى، حيث إنه لم يكن يعط أي حرية بممارسة أي عمل اقتصادي داخل المسجد، لحرمته وقدسيته، حيث يغلب على أي عمل اقتصادي ممارسته من قبل جميع الناس، وكثرة المعاملات التجارية التي تحصل فيه، وقد اتجه نظر رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لبناء سوق إسلامي، بسبب عدم وجود سوق داخل المدينة خاص بالمسلمين ومعاملاتهم، وقد كان هناك سوق يسيطر عليه اليهود، وهو سوق بني قينقاع، وكانوا هم من يسيطرون عليه، وعلى العمليات التي تتم داخله، ويمنعون المسلمين من الدخول إليه إلا بدفع الخراج لهم. 


فكان أمر رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ببناء السوق الإسلامي الذي يرأسه المسلمون، وقام بوضع الأسس الخاصة بالعمل في داخله، من حيث كيفية البيع والشراء، وتحديد الأسعار، ومع استقرار وضع المسلمون في المدينة ظهرت قريش مجددا على الساحة مهددة ومتوعدة باستئصال المسلمون عن بكرة أبيهم، ولم تكتفي قريش بتهديد المسلمين فحسب بل شمل هذا التهديد أيضا من يعيش معهم في المدينة في سلم، فكتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول بصفته رئيس الأنصار يقولون لهم في كلمات باتة " إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم " وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي بن سلول ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة.


وقد كان يحقد على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لما يراه أنه أخذ ملكه، وبالفعل جمع من معه من عبدة الأوثان واجتمعوا لقتال المسلمين إلا أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، استطاع احتواءهم، ولما علمت قريش بفشل مخططها بإثارة الفتنة في المدينة عمدت إلى تهديد المسلمين مباشرة وارسلت إليهم قائلة " لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم، ونبيد خضراءكم في عقر داركم " وإزاء كل هذه الأحداث وبعد أن أصبح المسلمون قوة أذن الله تعالى، لهم بالقتال ورد العدوان، وهذا هو تعريف الجهاد في الإسلام، وكان وبعد ذلك شرع الجهاد أيضا لتمكين العقيدة من الانتشار دون عقبات، ويؤمن المسلمون أن من واجبهم نشر الإسلام والتعريف به في شتى بقاع العالم. 


وأما الدخول في الإسلام فهي حرية شخصية لا إكراه فيها، ولصرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم الحرة، فقال الله تعالى فى سورة البقره من كتابه الكريم ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) ومن هنا ينبغى أن نؤكد على أن الجهاد حق وفريضة محكمة لا يملك أحد تعطيله ولا منعه، ولكنه إذا تفلت من الضوابط الشرعية ولم تطبق فيه الأركان والشروط والقيود التى ذكرها علماء الشريعة خرج عن أن يكون جهادا مشروعا، فتارة يصير إفسادا فى الأرض، وتارة يصير غدرا وخيانة، فليس كل قتال جهادا، ولا كل قتل فى الحرب يكون مشروعا، وهذا يستلزم أن نفرق هنا بين مفهومين مهمين، وهما مفهوم الجهاد والإرجاف، ومفاهيم أخرى كالبغى والحرابة.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة