إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومع نميلة بن عبد الله وهو صحابي، وكان اسمه نميلة بن عبد الله بن فقيم بن حزن بن سيار بن عبد الله بن كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي الكلبي، وقد قيل أن الصحابى نميلة بن عبد الله، هو الذى قتل مقيس بن صبابة يوم الفتح، وكان من قومه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وإنما أمر بقتله لأن أخاه هشام بن صبابة كان مسلما فقتله رجل من الأنصار في الحرب خطأ، ظنه كافرا، فقدم مقيس يطلب بدم أخيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قتل أخوك خطأ، وأمر له بديته فأخذها ومكث مع المسلمين شيئا، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ولحق بمكة كافرا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وقد اختلفت الأسباب التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهدر دم الأربعة المذكورين في الحديث الشريف.
وهم، عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فمنهم من ارتد وقتل أحدا من المسلمين، ومنهم من ارتد وكان يدعي أنه كان يصرف النبي صلى الله عليه وسلم، عن بعض كلمات الوحي، فيكتب غير ما أنزل، ومنهم من كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن عبد البر في الاستذكار، عن ابن إسحاق قال وأما قتل عبد الله بن خطل، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب، وقال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقتله لأنه بعثه مصدقا، وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما، فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له شاة ويصنع له طعاما، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا، وقال أبو عمر فهذا القتل قود من مسلم.
ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة قتل مسلما بعد أخذ الدية وهو أيضا مما هدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في حين دخوله مكة، وقال لما كان فتح يوم مكة أمن رسول الله أهل مكة إلا أربعة نفر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح" فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله، وفي الاستيعاب، أن عبد الله بن سعد بن أبي السرح كان قد أسلم قبل الفتح، وهاجر وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم، إني كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملي علي "عزيز حكيم " فأقول له أو عليم حكيم فيقول " نعم كل صواب " فلما كان يوم الفتح
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال" نعم" فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله " ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه " وقال رجل من الأنصار، فهلا أومأت إلي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم " إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين " وأسلم عبد الله بن سعد بن أبي السرح أيام الفتح فحسن إسلامه فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك، وأما عكرمة بن أبي جهل، فلم نقف على سبب مباشر لإهدار دمه، إلا أنه كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وقد أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه، وعن نميله فقد روى بقية بن الوليد، عن العجلان الأنصاري قال.
حدثني من سمع نميلة، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول " إن أم سلمة كتبت إلى أهل العراق، إن الله عز وجل بريء وبريء رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شايع وفارق، فلا تفارقوا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وقال هشام بن الكلبي في نسبه انه من كلب ليث، وليس من كلب وبرة، ومتى أطلق كلبي فلا يراد به إلا كلب وبرة، ويقال له الكلبي نسبة لجده الأعلى كلب بن عوف بن كعب وحيث يطلق الكلبي فإنما يراد به من كان من بني كلب بن وبرة، وبنو كلب هى قبيلة عربية من قضاعة، وكانت قبيلة كلب تسيطر على بادية السماوة لا يخالطهم فيها أحد وكانت كلب أقوى قبيلة في العصر الأموي حيث كانت تسيطر على الطرق المؤدية للشام، وكانت لها صلات وثيقة بقريش في مكة قبل الإسلام، وبتحالف قريش مع قبيلة كلب كانت قوافلهم تسير في الشام لا يتعرض لها أحد، وأحيا الأمويون التحالف القديم مع قبيلة كلب.
فسهلت كلب للمسلمين غزو الشام والعراق، وتوثق التحالف بين كلب ومعاوية أثناء ولايته على الشام، وبسيوفهم استطاع أن يقيم ملكه، منذ كان معاوية أميرا على الشام، وفي خلافة عمر بن الخطاب، فقد تزوج معاويه بن أبى سفيان من ابنة بحدل الكلبى، وهو أشهر زعيم لقبيلة كلب وانجب منها ابنه يزيد، وفي مطلع السنة الثانية عشر من الهجره، أقر الخليفة أبو بكر رضى الله عنه، خطة الفتح العامة التي تتضمن الهجوم على الفرس في العراق والدفاع تجاه الروم في الديار الشاميه وكان الفتح على النحو التالى، وهو أن يتقدم القائد خالد بن الوليد بجيشه من اليمامة في نجد إلى جنوبي العراق، ويواصل مثنى بن حارثة الشيباني غاراته على الحيره، ويزحف عياض بن غنم بجيشه المرابط بين النباج والحجاز إلى دومة الجندل ومنها إلى المصيخ ويبدأ بفتح العراق.
ويلتقي بخالد بن الوليد في الحيره، وايهما يسبق كان اميرا على صاحبه ولكن الموقف الإستراتيجي لم يساعد جيش بن عياض فقد لازمه الفشل بعد اجتيازه، الحدود الحجازيه، فلم يكد يصل إلى دومة الجندل حتى حاصرته قبائل بهراء وكلب وغسان وبقي محاصرا في دومة الجندل نفسها فاستنجد بخالد بن الوليد برساله يطلب منه الاستعجال بنجدته وخلاص جيشه فأجابه خالد برساله مختصره، جاء فيها "من خالد إلى عياض، إياك اريد، لبث قليلا تأتك الحلائب، يحملن أسادا عليها القائب، كتائب يتبعها كتائب" وفي الطبري رواية تقول يحملن أساداً عليها القاشب، وترك خالد بن الوليد في عين تمر والتي سبق ان فتحها بالعراق حاميه صغيره، وتوجه قاصدا دومة الجندل فوصل في وقت كلن فيه عياض محاصرا بالقبائل ولم يطل به كثيرا حتى استطاع التغلب على تلك القبائل، ويروي الطبري في تاريخه انه لما بلغهم دنو خالد بن الوليد.
وكانوا على رئيسين أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعه اختلفوا فقال اكيدر انا اعلم الناس بخالد لاحد أيمن طائرا منه ولا أحد في حرب ولايرى وجه خالد قوم ابدا قلوا أو كثروا الا انهزموا عنه فأطيعوني وصالحوا القوم فأبوا عليه وقال له لن أمالئكم على حرب خالد فشأنكم، فخرج لطيته وبلغ ذلك خالد بن الوليد، فبعث عاصم بن عمرو معارضا له، فأخذه واتى به إلى خالد فضُربت عنقه ومضى خالد حتى نزل على اهل دومه وعليهم الجودي بن ربيعه ووديعه الكلبي وابن رومانس الكلبي وابن الايهم وابن الحدرجان فجعل خالد دومه بينه وبين عسكر عياض ودارت بينهم معارك فهزم الله الجودي بن بن ربيعة ووديعه على يد خالد وهزم عياض من يليه وخلع خالد حصن الباب واقتحموا عليهم فقتلوا المقاتلة وسبوا الشرخ ودعا بالأسرى فضرب اعناقهم الا اساري كلب فإن عاصم وبني تميم قالوا قد أمناهم فأطلقهم خالد بن الوليد.
ثم أقام خالد بدومة الجندل ورد الاقرع إلى الانبار، وفي السنة الثالثه عشر من الهجره، أمر الخليفه أبو بكر الصديق رضى الله عنه خالد بن الوليد بالمسيرة إلى الشام من العراق فسار خالد فلما وصل قراقر وهو ماء لكلب اغار على اهلها واراد ان يسير مفوزا إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليال فلم يهتد فالتمس دليلا فدل على رافع بن عميره الطائي فقال له في ذلك فقال رافع، انك لن تطيق ذلك بالخيل والاثقال فوالله ان الراكب المفرد يخافه على نفسه وما يسلكها الا مغرور انها لخمس جياد لايصاب فيها ماء مع مظلتها فقال له خالد بن الوليد، ويحك انه لابد لي من ذلك لا اخرج من وراء جموع الروم لئلا تحبسني عن غياث المسلمين فأمر صاحب كل جماعه ان يأخذ الماء للشعبه لخمس، وان يعطش من الإبل الشرف مايكتفي به ثم يسقوها عللا بعد نهل، والعلل هى الشربة الثانية والنهل هو الشربة الأولى ثم يصر اذان الإبل.
ويشد مشافرها لئلا تجتر ثم ركبوا من قراقر فلما ساروا يوما وليله شقوا لعده، من الخيل بطون عشره من الإبل فمزجوا ماء في كروشها بما كان من الالبان وسقوا الخيل ففعلوا ذلك اربعة ايام فلما خشي خالد على اصحابه في اخر يوم من المفازة قال لرافع بن عمير ويحك يارافع ماعندك قال ادركت الرى ان شاء الله فلما دنا من العلمين قال للناس انظروا هل ترون شجرة عوسج كقعدة الرجل فقالوا مانراها فقال، ان لله وان اليه راجعون هلكتم والله وهلكت معهم وكان ارمد فقال انظروا ويحكم فنظروا فرأوها قد قطعت وبقي منها بقيه فلما رأوها كبروا فقال رافع احفروا في اصلها فاستخرجوا عينا فشربوا حتى روى الناس فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل فقال رافع والله ماوردت هذا الماء قط الا مره واحده مع ابي وانا غلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق