إعداد / محمـــد الدكـــرورى
لقد ميز الله سبحانه وتعالى بين الناس في مراتبهم، فجعل فيهم الشريف والوضيع والأمير والفقير والعزيز والذليل، وجعل لكل مرتبة أسبابا فمن حاز أسباب مرتبة وُصف بتلك المرتبة، و لا يوجد أعز ولا أشرف من مراتب الدين لأنها من أمور الآخرة التي خلق الناس لها، وأما مراتب الدنيا، فإنما هي متاع زائل، ولذة منتهية، وإن من مراتب الناس، هى مرتبةَ الصحبة التي يشرف بها العبد أو يذل، فعلى قدر مرتبة صاحبك تعلو أو تنزل، ومن شرف الصحبة، أن الله عز وجل، قد ذكر كلبا في كتابه الكريم ورفع من شأنه لما صاحب الصالحين، وذلك كما قصّه الله تعالى علينا من خبر الفتية الذين أووا إلى الكهف، فما الظن بالصالح يصحب الصالحين، بل الصالح يصحب الأنبياء والمرسلين، وإن في تخوم التاريخ ثمة رجال أرسوا دعائم روعته، وأوقدوا ملامح عظمته، ونفخوا من إشراقات سيرتهم في روحه، فهو بدونهم عقيم المغزى.
عديم المعنى، فإنهم جوهره الذي لا يخبو، وشمسه التي لا تأفل، ومنبعه الذي لا ينضب، مهما تعاقبت عليه الحقب، بل يزداد تألقا وإشراقا يوما بعد يوم، فهم فيه كالمطر، كلما ازداد هطوله وتغلغل في أعماق التربة تتبرعم منه قامات السنابل، وإن المسار الذي رسمه هؤلاء الرجال الأفذاذ في مدار التاريخ ببطولاتهم وبسالتهم وصلابتهم وتمسكهم بمبدئهم وعقيدتهم كان مسارا استثنائيا خاصا لا يتكرر كثيرا في دورة التاريخ، إنه ليس كالمسار الذي يكتبه أغلب المؤرخين عن أمجاد مزيفة وبطولات مزوّقة أضفوا عليها شعارات باطلة، ولكنه مسار ليس كمسار السلوك الخاضع لإرادة السلطة والذي تخصص فيه إمعات الرجال من الذين تابعوا السلطة من الوصوليين والمنتفعين والسماسرة والمرتزقة والوضاعين وغيرهم والذين تقود إرادتهم غير الواعية إرادة السلطة فينساقون لها بخضوع تام ويستجيبون لأمرها، ويسالمون من تسالم.
ويحاربون من تحارب، ويحبون من تحب، ويبغضون من تبغض، فهم عبيد لها مهما بلغت تلك السلطة من الظلم والجور والفساد والطغيان، ولكن المسار الذي سار عليه أولئك الرجال العظماء يختلف تماما مع هذا المسار، بل يجابهه ويعارضه ويقاطعه، إنه المسار الذي يختط نفسه بنفسه، إنه مسار الحقيقة الذي رسموه بإدراك كامل، ووعي تام، وصلابة لا تنثني، فوقفوا إلى جانب الحق وحاربوا الباطل ودافعوا عن الحقيقة ملبين نداء العقيدة تحت لواء البصيرة وهم على أعلى درجات اليقين، ولقد أخذ هؤلاء الرجال النادرون على عاتقهم مسؤولية مواصلة مسيرة الإسلام والسير على النهج المحمدي الأصيل المتمثل بوصي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فظلوا أوفياء لبيعته بعد أن تابعوه في أرساء قواعد الإسلام ببطولاتهم وتضحياتهم، إنهم الآن في مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة بعد أن استقر الإسلام وأثبت قواعده، وهي مهمة الدفاع عنه.
ضد المنافقين، وهي مهمة لا تقل عن مهمتهم العظيمة في نشر الإسلام إن لم نقل أعظم منها، إنهم يرون الإسلام مهددا من قبل نفس أعدائه في الجاهلية بعد أن تزيّوا بزي الإسلام، ولم تفارق الجاهلية قلوبهم، وبين أيدينا فى هذا المقال صحابى جليل من صحابة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الصحابى عمرو بن الحمق بن الكاهن الخزاعي، وقد أسلم قبل الفتح وهاجر، وقيل إنه اسلم عام حجة الوداع، وكان أحد صحابة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن المقربين، وقد روى عنه العديد من الأحاديث، وكان من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وقد شارك معه في حروب الجمل وصفين والنهروان، وقتل سنة خمسين من الهجرة، وقد ورد في حديث أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، دعا له أن يمتعه الله بشبابه، فبقي ثمانين سنة لا يُرى في لحيته شعرة بيضاء، وقد ذكر الواقدي أنه كان أحد الأربعة
الذين دخلوا على عثمان بن عفان وقتلوه، حيث وثب على عثمان فجلس على صدره، وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال، أما ثلاث منهن فلله، وست لما كان في صدري عليه، وقد قيل أنه أسلم قبل فتح مكة وهاجر، وقيل إنه اسلم عام حجة الوداع والأقرب أنه هاجر إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية الذي كان أحد أهم بنوده، فمن احب من القبائل أن يتحالف مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فليتحالف، فتحالفت قبيلة خزاعة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهاجر الكثير من افرادها إليه، وكان منهم عمرو بن الحمق الخزاعي، وقد سكن عمرو بن الحمق الشام، ثم كان يسكن الكوفة، وقيل أنه كان من قتلة عثمان بن عفان، حيث حاصروا الخليفة الثالث وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه، في داره مع كنانة بن بشر وابن عدي البلوي وغيرهم، ثم اصطف مع علي بن أبى طالب، فشهد معه الجمل وصفين.
وبعد انتهاء صفين، وبعد وفاة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، قد إصطف عمرو مع شيعة الإمام علي بن أبى طالب، فشهد معه الجمل وصفين، وبعد انتهاء صفين لم ترض النتيجة أتباع الإمام علي بن أبى طالب، فقاموا بتجميع قوتهم مرة أخرى إلا أن معاوية احكم قبضته فقيل ان معاوية بن ابي سفيان قتله مع عائلته، وان الصحابي عمرو بن الحمق الخزاعي كان من سيوف أمير المؤمنين على بن أبى طالب، فى قتاله وكان الصوت الذي صرخ بوجه معاوية بن أبى سفيان فآثر الموت على حياة، فكان بعد السقيفة وما رافقها من ويلات ومآسي وظلم بحق الإمام على بن أبى طالب وزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء، وما تلاها من المجازر بحق المسلمين وغيرهم من الغزو والسلب والنهب وقتل مالك بن نويرة، الذي بشرّه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بالجنة وقومه وهم مسلمون، ونفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري إلى الصحراء حتى مات جوعا وعطشا إلى غيرها من الأعمال.
فقد ابتليت الأمة الإسلامية بأعداء الإسلام وأعداء النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الألداء الذين لا زالوا يتربّصون به الدوائر ويكيدون له ما وسعهم، ولكن كان هناك رجال، ومن أولئك الرجال العظماء الذين كانت له مواقف مشرقة ومشرّفة في الوقوف مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب، في مواصلة مسيرة الإسلام والدفاع عن الشريعة الغراء بعد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، هو الصحابي الجليل الشهيد عمرو بن الحمق الخزاعي الذي كان من سيوف أمير المؤمنين في قتاله، فهو عمرو بن الحمق بن الكاهن بن حبيب بن عمرو بن القين بن ذراح بن عمرو بن سعد بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعي، وقيل أنه لمّا بعث رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، جماعة من الصحابة في بعثة، قال لهم " إنكم ستلقون رجلا صبيح الوجه يطعمكم مِن الطعام ويسقيكم من الشراب ويهديكم الطريق، هو من أهل الجنة" فأقبلوا حتى انتهوا إلى عمرو بن الحمق الخزاعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق