السبت، 7 نوفمبر 2020

الدكرورى يكتب عن عمرو بن الحمق ( الجزء الثالث)



إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثالث مع الصحابى عمرو بن الحمق وقد توقفنا عندما قال ضرار، رحم الله الإمام على بن أبى طالب، كان والله قصير اللباس، جشب المعاش، لا يعلق له الستور، ولا يدخر عنده النذور، ولا يغلق له دوننا باب، ولم يحجبنا عنه حجاب، وكان والله طويل السجود، قليل الهجود، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، يجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لم تطمع الدنيا فيه فتلهيه، ولا الشيطان فيغويه، فكان هذا هو شعور عمرو بن الحمق وهو يعيش لحظات الفراق وما أشده من ألم وحزن كحزن من ذبح وحيدها في حجرها كما وصفه ضرار، ويؤكد الإمام على بن أبى طالب هذا الفراق بقوله لعمرو "لعمري أني مفارقكم " ويُغمى على الإمام على بن أبى طالب بين ساعة وأخرى وعمرو يريد أن يتزوّد منه ما أمكنه، يقول عمرو، بعد أن أفاق علي من إغمائه سمعته يقول "طوبى لهم وطوبى لكم، وطوباهم أفضل من طوباكم. 


قال، قلت صدقت يا أمير المؤمنين، طوباهم برؤيتك، وطوبانا بالجهاد معك، وطوبانا بطاعتك، ومن هؤلاء الذين طوباهم أفضل من طوبانا؟  فقال الإمام على بن أبى طالب أولئك شيعتي الذين يأتون من بعدكم، يطيقون ما لا تطيقون ويحملون ما لا تحملون، ولكن الإمام على بن أبى طالب طمأن عمرو بأنه سيمضي شهيدا على الحق وعلى ولايته فقال له " يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام، والويل لقاتلك" وهذه الشهادة قد أخبره قبلها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا الشهادتين من منبع واحد حيث كان عمرو يقول في حياته، والله لو كنت في جوف حجر لاستخرجني، وقد حدثني بذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، إن رأسي أول رأس ينحر في الاسلام وينقل من بلد إلى بلد، وكان بعد استشهاد الإمام على بن أبى طالب، بدأت مرحلة ثانية من صفحات الجهاد في حياة عمرو بن الحمق. 


وهي التصدي للأمويين، وكان عمرو صديقا لحجر بن عدي الكندي ورفيقه دربه في الجهاد وشريكه في ثورته، ويقول الطبري " ثم كانت حادثة حجر بن عدي الكندي، فأبلى عمرو فيها بلاء حسنا، وضربه رجل من الحمراء من شرطة زياد  يدعى بكر بن عبيد بعمود على رأسه فوقع، وحمله الشيعة فخبأوه في دار رجل من الأزد، ثم خرج فارا وصحبه الزعيم الآخر رفاعة بن شداد، وهو من رجال ثورة حجر، فيمما المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل فكمنا في جبل هناك، واستنكر عامل ذلك الرستاق شأنهما فسار اليهما بالخيل، فأما عمرو فلم يصل الموصل إلا مريضا بالاستسقاء، ولم يكن عنده امتناع، واما رفاعة بن شداد، وكان شابا قويا، فوثب على فرس له جواد، وقال لعمرو، أقاتل عنك، قال وما ينفعني أن تقاتل، إنج بنفسك إن استطعت، فحمل عليهم فأفرجوا له، فخرج تنفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه، وكان راميا


فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه، وسألوا عمرا، من انت ؟ فقال من ان تركتموه كان أسلم لكم، وان قتلتموه كان أضرّ لكم، فسألوه فأبى ان يخبرهم، فبعث به ابن أبي بلتعة، عامل الرستاق، الى عامل الموصل، وهوعبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي، فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب الى معاوية بخبره، فأمره معاوية بأن يطعنه تسع طعنات كما كان فعل بعثمان فطعن ومات بالأولى منهن أو الثانية، ويقول ابن عبد البر، ثم اجتز رأسه وأرسله إلى معاوية بن أبى سفيان بالشام فأمر به أن يطاف به في الشام وغيرها، وكان رفاعة قد توارى عنهم فلما قتلوا عمروا وقطعوا رأسه وأخذوه معهم خرج رفاعة فدفن جثته وبقي رفاعة حتى خرج مع الحسينبن الإمام على رضى الله عنهم، في ثورته واستشهد معه يوم الطف، وكان معاوية بن أبى سفيان قد أمر بسجن زوجة عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد.


وكان ذلك في دمشق بتهمة عدم البراءة من الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، فبقيت في السجن لمدة سنتين فلما قتل زوجها وجيء برأسه إلى الشام أمر بإرساله إليها فرموه في حجرها وهي في السجن، فوضعت كفها على جبينه، ولثمت فمه، وقالت "غيبتموه عني طويلا، ثم أهديتموه اليّ قتيلا، فأهلا به من هدية غير قالية ولا مقلية" ثم قالت لرسول معاوية بن أبى سفيان " بلغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول، أيتم الله ولدك وأوحش منك أهلك ولا غفر لك ذنبك، وطلب الله بدمه، وعجل الوبيل من نقمه، فقد أتى أمرا فريا و قتل بارا تقيا فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت" فبلغ الرسول ما قالت فبعث إليها فقال لها، أنت القائلة ما قلت؟ قالت "نعم غير ناكلة عنه و لا معتذرة منه" فقال لها اخرجي من بلادي، فقالت له " أفعل، فو الله ما هو لي بوطن، ولا أحن فيها إلى سجن، و لقد طال بها سهري، واشتد بها عبري، وكثر فيها ديني، من غير ما قرت به عيني" 


فقال عبد الله بن أبي سرح الكاتب "إنها منافقة فألحقها بزوجها" فنظرت إليه فقالت " يا من بين لحييه كجثمان الضفدع ثم أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس ألا قلت من أنعمك خلعا وأصفاك كساء إنما المارق المنافق من قال بغير الصواب و اتخذ العباد كالأرباب فأنزل كفره في الكتاب" فأومئ معاوية إلى الحاجب بإخراجها، فقالت " وا عجباه من ابن هند يشير إلي ببنانه ويمنعني نوافذ لسانه أما و الله لأبقرنه بكلام عتيد كنواقد الحديد أو ما أنا بآمنة بنت الشريد " واستمرت المحاورة بينهما فأخرست هذه اللبوة الشجاعة هذا الطاغية بفصاحة لسانها وصلابتها في دينها، وقيل أن معاوية أمر بقتلها وكانت أول امرأة قتلت في الإسلام بعد أن عرض عليها البراءة من الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، فامتنعت عليه وتبرأت منه ومن جلاديه ومن يحابيه بفعل أو قول، وكان لمقتل عمرو بن الحمق وزوجته وحجر بن عدي الكندي وأصحابه ردود أفعال لدى المسلمين تجاه وحشية السلطة. 


لكنها كانت تجابه بالقمع والإهمال، وجاءت ردود الأفعال هذه من كثير من شخصيات المسلمين، ومن هذه الردود هو رد السيده عائشة في قولها لمعاوية كما يورده الطبري في تاريخه  " أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه؟ أما والله إن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا" وعندما يقول لها معاوية، إني رأيت قتلهم صلاحا للأمة وإن بقاءهم فساد للأمة، تقول له "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء" ولكن ماذا لو قتل عمرو وحجر في يوم الجمل؟ وكانت شهادة عمرو بن الحمق مع زوجته الشهيدة آمنة بنت الشريد عام خمسين من الهجرة وقد بلغ الثمانين من عمره وقد أبلته العبادة كما وصفه الإمام الحسين في رسالته التي بعثها إلى معاوية حيث يقول فيها "ألست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم العبد الصالح الذي أبلته العبادة.


فأنحلت جسمه، وصفرت لونه، بعدما أمنته واعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل اليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد" ولقد طابت نفس عمرو إلى الشهادة فتقدم إليها بقدم الواثق المطمئن الذي سيلاقي ربه بروح وريحان وجنة نعيم، فلم ترهبه سيوف الجلادين، ولا سجون الظالمين، فنطق بالحق وعمل به وقد توفي سنة خمسين من الهجرة وذلك أنه كان من الذين قاموا مع حجر بن عدي، فتطلبه زياد والي البصرة، فهرب إلى الموصل، فبعث معاوية إلى نائبها، فطلبوه فوجدوه قد اختفى في غار فنهشته حية، فمات فقطع رأسه، فبعث به إلى معاوية، فطيف به في الشام وغيرها، فكان أول رأس طيف به، ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت في سجنه فألقي في حجرها، فوضعت كفها على جبينه و لثمت فمه، و قالت غيبتموه عني طويلا، ثم أهديتموه الي قتيلا، فأهلا بها من هدية غير قالية و لا مقلية.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة