الخميس، 16 يناير 2020

الانتحار الأدبى وتراجع القيم الانسانية


بقلم قيصر الأدب
د.طــارق رضــوان
بعد بحث وقراءة في موضوع الانتحار وربط الأسباب الخفية سيكيلوجيا والتي تجعل شعراء وأدباء عالميين ينهون حياتهم بالانتحار تبين أنها كانت في الدرجة الأولى انعكاسا لما يقدمونه من أدب اتسم بالتشاؤم والسوداوية نتيجة مرض الهوس الاكتئابي أو الاضطراب ثنائي القطب.
يذكر هوميروس -الشاعر الإغريقي الشهير- أن الانتحار عمل مقبول يقره المنطق كردة فعل تسقط فيها كل الخيارات حين تواجهك صدمة كارثية لا يمكن لك أن تتقبلها.
كان كلامه مبررا لانتحار(جاكستا) التي تزوجت (أوديب) وأنجبت منه أربعة أطفال ثم اكتشفت مؤخرًا بإن أوديب هو ابنها فقررت الانتحار بفعل تلك الصدمة غير المتوقعة وفقا لماتقوله الأسطورة في (الأوديسية). ونجد أن وليم شكسبير يتحدث على لسان (كاسيوس) -الذي مات منتحرا- في التراجيديا الرومانية (يوليوس قيصر) فيقول: ” إن المرء الذي يموت قبل عشرين عاما من أجله، إنما يختصر مدة خوفه من الموت بنفس العدد من السنين”
الانتحار كفعل لتحقيق الطمأنينة
اختلفت الأسباب المودية إلى انتحار أغلب العاملين في المجال الفنّي والأدبي، على الرغم من انتهاء الأطباء النفسيين إلى نتيجة مفادها أنّ الانتحار ناجم في الدرجة الأولى عن اضطرابٍ عقلي. وتعدَّدت أشكال التعبير عن السّخط أو اللا طمأنينة في العالم لدى الكتَّاب والأدباء أو المشتغلين في المجال الفنّي أو الفلسفيّ، وبغضِّ النظر عن تعبيرهم عن ذلك في منتوجهم الأدبي، فقد تخطَّى التعبير لدى البعض منهم ليصل إلى تحقيقه فعليَّاً، وهو الانتحار، ربمّا كخلاصٍ من التوتر أو الظلم أو العذاب اليومي، أو ربمّا للتعبير بشكلٍ أدقّ عن حالة المعاناة، أو ربمّا في محاولةٍ لتحقيق الخلود كما جالَ ذلك في خاطر أغلب الفلاسفة المنتحرين!
ويرى(فريدريك نيتشه) أن على الإنسان أن يجعل من موته عيدًا فيختار هو لحظاته ، موعده، وشكله، ولا يترك للموت المفاجئ والقدر أن يخطفا منه هذا الاختيار الإيجابي الجميل.أما الكاتب الأمريكي إرنست هيمنغواي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عن روايته (العجوز والبحر) فقد عمد إلى إنهاء حياته منتحرا بإطلاق رصاصة من بندقيته على رأسه.
كما فعل تماما الكاتب الروسي فلاديمير مايا كوفسكي وكذلك الشاعرة الأمريكية سيليفيا بلاث والكاتب الياباني يوكوماشيما وغيرهم الكثير الكثير.
كما اعتُبِر فنسنت فان غوخ من أشهر الرسَّامين المثيرين للجدل، فحياته لم تخلو من المعاناة، وباتَ مضرب المثل في أنّ الفنان التشكيلي يبقى طوال حياته في رحم المعاناة دون أن يخرج منها، وفي نظرةٍ سريعةٍ على ما كُتِبَ عنه أو روي، سنلحظُ مدى البؤس الذي عاشه هذا الفنان، وكثرة التنقّل على خلفيَّات الفقر والعازة، إضافةً إلى تعرّضه لنوباتٍ عديدة من الإضطرابات العقليَّة، وربّما السنوات الخمس الأخيرة من حياته كانت الفيصل في اعتباره من أشهر الفنانّين حول العالم على الإطلاق، حيث رسم ما يربو فوق الـ 700 لوحة، هي كل ما نعرفه عن فان غوخ، متوِّجاً كل ذلك بطلقةِ مسدَّس، منهياً حياة البؤس والحزن الذي يدوم.
وتعتبر «فيرجينيا وولف» من علامات الأدب الإنجليزي في القرن العشرين، فقد تركت ميراثًا هامًا من الروايات والقصص القصيرة والمقالات وحتى الدراسات النقدية . حتى بعد رحيلها ظلت مُلهمة للكثير من الحركات النسوية، بل كتب عنها الأدباء مسرحيات وروايات مستوحاة من حياتها، ودرس الطلبة أعمالها في أغلب مدارس العالم، وظهرت صورتها على طوابع البريد.
رغم هذا النجاح والشعبية، عانت «فيرجينيا وولف» من الاكتئاب بعد كتابة آخر أعمالها، بالإضافة لإصابتها في الأصل بمرض الاضطراب ثنائي القطب الذي يجعل الشخص يتأرجح بين الفرح الشديد والحزن التام.
ومع قلة الفهم لحالتها، قررت الأديبة الانتحار غرقًا في عمر 59 سنة، وقبل الرحيل كتبت رسالة شهيرة جدًا بأسلوبها الأدبي العذب، كأنها جزء من قصة أو عمل روائي، الرسالة موجهة للزوج هذه المرة وتقول فيها:
كل ما أريد قوله هو أننى أدين لك بسعادتى. لقد كنت لطيفًا معي وصبورا والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذنى فسيكون أنت
«عزيزى، أنا متأكدة بأننى سأجن، ولا أظن بأننا قادرون على الخوض فى تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما لا أظن بأننى سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أتخيل أصواتًا وفقدت قدرتى على التركيز، لذا سأفعل ما أراه مناسبًا، لقد أشعرتنى بسعادة عظيمة ولا أظن أن أى أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سويًا إلى أن أصابني هذا المرض الفظيع، لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أننى أفسد حياتك وبدونى ستحظى بحياة أفضل. أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ. كل ما أريد قوله هو أننى أدين لك بسعادتى. لقد كنت لطيفًا معي وصبورا والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذنى فسيكون أنت، فقدت كل شىء إلا يقينى بأنك شخص جيد، لا أستطيع المضى فى تخريب حياتك»
وأيضا تكاد تكون حكاية سيلفيا بلاث 1932 – 1963 مع الانتحار الأكثر غرابةً على الإطلاق، فعدا عن الأمراض النفسية التي كانت تعاني منها طوال حياتها، سوى أنَّها كانت شعلةً مُتّقِدة في المجال الكتابي، وبرعت في نشاطها الأدبي إلى أبعد حدٍّ ممكن، مركِّزةً على الكتابة حول الموت في تصوّرٍ طغى على مجمل أعمالها في الشعر والرواية والقصة القصيرة.
أنهت حياتها بأن وضعت رأسها داخل فرن الطبخ المنزلي، ليعثر على جثتها صباح 11 فبراير عام 1963.
وكمثال للانتحار في السينما المصرية.. سعاد حسني في "موعد على العشاء".. وميرفت أمين في "حافية على جسر الذهب".. سناء جميل وعمر الشريف في "بداية ونهاية"
ولا ننسى أن النجمة الهندية حققت شهرة لا بأس بها في السينما الهندية (بوليوود)، إلا أنها قررت فجأة شنق نفسها، وعثر عليها معلقة في سقف غرفتها عام 2013، وتركت رسالة من 6 صفحات تكشف أسرار انتحارها، وملخصها أنّ علاقتها بصديقها هي التي دفعتها لقتل نفسها، وتقول في سطر منها: "لا أدري لماذا جمعنا القدر معاً؟ وبعد كل الألم والعذاب قررت الانتحار لأنني لا أستحق هذا".





***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة