إعداد محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الخامس ومع الخليفه مروان بن محمد، وكان بعد أن أقام مروان بدير أيوب مدة حتى بايع لابنه عبد الله ثم عبيد الله بولاية العهد وزوجهما ابنتي هشام بن عبد الملك، وهما السيده أم هشام وعائشة، وكان مجمعا حافلًا وعقدًا هائلًا، ومبايعة عامة، ولكن لم تكن في نفس الأمر تامة، ثم ذهب مروان إلى دمشق، وأمر بثابت وأصحابه أن يصلبوا على أبواب البلد، ولم يستبق منهم أحد إلا واحدًا وهو عمر بن الحارث الكلبي، وكان عنده فيما زعم علم بودائع كان ثابت بن نعيم أودعها عند أقوام، وكان مروان في دير أيوب فبايع لابنيه عبيد الله وعبد الله وزوجهما ابنتي هشام بن عبد الملك واستقام له الشام ما عدا تدمر، وتدمر هى مدينة أثرية ذات أهمية تاريخية كبيرة، حيث تقع حاليا في محافظة حمص.
بالجزء الأوسط من دولة سوريا، ويعود تاريخ المدينة القديم إلى العصر الحجري الحديث، وكانت تدمر مدينة كبيرة الثراء بفضلِ موقعها، الذي كان يقع عند نقطة تقاطع عِدة طرق تجارية في العالم القديم، وقد اشتهر التدمريُّون بمدن كثيرة أقاموها على طريق الحرير، وهو أحد أهم الطرق التجارية القديمة والذي امتد من الصين غرباً إلى أوروبا شرقاً، وكما ساعدتهم علاقاتهم التجارية مع الإمبراطورية الرومانية، وقد خوَّلتهم أرباح تجارتهم لتعمير أبنية هائلة في مدينة تدمر، وكان الخليفه مران قد سار إليها فنزل القسطل وبينه وبين تدمر أيام وكانوا قد عوروا المياه فاستعمل القرب والإبل، فكلمه الأبرش بن الوليد الكلبي، وكان الأبرش كاتب هشام بن عبد الملك الخليفة الأسبق.
وكان أهل تدمر قومه من بنو كلب فسأله أن يرسله إليهم أولا ليثنيهم عن الثورة، فبعث عمرو بن الوليد أخو الأبرش، فلما قدم عليهم لم يسمعوا له فرجع، فهمَّ مروان أن يبعث الجنود، فسأله الأبرش أن يذهب لهم بنفسه فأرسله، فلما قدم عليهم الأبرش استمالهم إلى الطاعة، فأجابه أكثرهم وامتنع بعضهم، وهرب نفر منهم إلى البرية ممن لم يثق بمروان ورجع الأبرش إلى مروان ومعه من أطاع بعد أن هدم سورها، وكان مروان قد أرسل يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق لقتال الضحاك الخارجي وضرب على أهل الشام بعثًا وأمرهم باللحاق بيزيد وسار مروان إلى الرصافة فاستأذنه سليمان بن هشام لقيم أيامًا ليقوى من معه ويستريح ظهره، فأذن له، وكان الضحاك بن قيس الشباني هو زعيم ثورة الخوارج.
وهى التي قامت في الموصل ضد الخليفة الأموي مروان بن محمد، ثم بعد ذلك تقدم مروان إلى قرقيسيا وبها ابن هبيرة ليرسله إلى الضحاك فرجع عشرة آلاف مقاتل ممن كانوا مع مروان لقتال الضحاك، وقرقيسيا هي مدينة سورية صغيرة عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات، وهي اليوم أطلال أثرية قرب مدينة دير الزور السورية، واسمها القديم اللاتيني كركيسيوم وتعني المعقل أو الحصن الدائري وحولت إلى قرقيسيا في العصور العربية الإسلامية، وكان مروان ومن معه، قد أقاموا بالرصافة ودعوا سليمان إلى خلع مروان فأجابهم، وقالوا له: أنت أرضى عند الناس من مروان وأولى بالخلافة، فأجابهم إلى ذلك وسار بإخوته ومواليه معهم فعسكر بقنسرين وكاتب أهل الشام فاتوه من كل وجه.
وقد بلغ الخبر مروان فرجع إليهم من قرقيسيا وكتب إلى ابن هبيرة يأمره بالمقام واجتاز مروان في رجوعه بحصن الكامل وفيه جماعة من موالي سليمان وأولاد هشام فتحصنوا منه فأرسل إليهم: إني أحذركم أن تعرضوا لأحد ممن يتبعني من جندي بأذى فإن فعلتم فلا أمان لكم عندي، فأرسلوا إليه: إنا نستكف، ومضى مروان فجعلوا يغيرون على من يتبعه من أخريات الناس وبلغه ذلك فتغيظ عليهم، واجتمع إلى سليمان نحو من سبعين ألفًا من أهل الشام والذكوانية وغيرهم وعسكر بقرية خساف من أرض قنسرين وأتاه مروان فواقعه عند وصوله فاشتد بينهم القتال وانهزم سليمان ومن معه وأتبعتهم خيل مروان تقتل وتأسر واستباحوا معسكرهم ووقف مروان موقفًا ووقف ابناه موقفين.
ووقف كوثر صاحب شرطته موقفًا وأمرهم أن لا يؤتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبدًا مملوكًا، وقتل في المعركة إبراهيم بن سليمان وأكثر ولده وخالد بن هشام المخزومي خال هشام ابن عبد الملك وادعى كثير من الأسرى للجند أنهم عبيد فكف عن قتلهم وأمر ببيعهم، ومضى سليمان حتى أنتهى إلى حمص وانضم إليه من أفلت ممن كان معه فعسكر بها وبنى ما كان مروان أمر بهدمه من حيطانهم، وسار مروان إلى حصن الكامل حنقًا على من فيه فحصرهم وأنزلهم على حكمه فمثل بهم وأخذهم أهل الرقة فداووا جراحاتهم فهلك بعضهم وبقي أكثرهم وكانت عدتهم نحوًا من ثلاثمائة، ثم سار إلى سليمان ومن معه فقال بعضهم لبعض: حتى متى ننهزم من مروان فتبايع سبعمائة من فرسانهم على الموت.
وساروا بأجمعهم مجمعين على أن يبيتوه إن أصابوا منه غرة، وبلغه خبرهم فتحرز منهم وزحف إليهم في الخنادق على احتراس وتعبية فلم يمكنهم أن يتبعوه فكمنوا في زيتون على طريقه فخرجوا عليه وهو يسير على تعبية فوضعوا السلاح فيمن معه وانتدب لهم ونادى خيوله فرجعت إليه فتقاتلوا حتى ارتفاع النهار إلى بعد العصر وانهزم أصحاب سليمان وقتل منهم نحو من ستة آلاف فلما بلغ سليمان هزيمتهم خلف أخاه سعيد بن هشام بحمص إلى تدمر فأقام بها ونزل مروان على حمص فحصر أهلها عشرة أشهر ونصب عليهم واحدا وثمانين منجنيقًا يرميهم بها الليل والنهار وهم يخرجون إليه كل يوم فيقاتلونه وربما بيتوا نواحي عسكره، فلما تتابع عليهم البلاء طلبوا الأمان على أن يمكنوه من سعيد بن هشام.
وابنيه عثمان ومروان ومن رجل كان يسمى السكسي كان يغير على عسكره ومن رجل حبشي كان يشتم مروان وكان يشد في ذكره ذكر حمار ثم يقول: يا بني سليم يا أولاد كذا وكذا هذا لواؤكم، فأجابهم إلى ذلك فاستوثق من سعيد وابنيه، وسعيد بن هشام بن عبد الملك بن مروان، هو أمير أموي، من بني مروان بدمشق، وقد قتلة مروان بن محمد مع أبنيه عندما ثار مع أهل حمص على مروان بن محمد، وقتل السكسكي وسلم الحبشي إلى بني سليم فقطعوا ذكره وأنفه ومثلوا به، فلما فرغ من حمص سار نحو الضحاك الخارجي، وقد شبت ثورة عارمة قادها عبد الله بن معاوية من أحفاد جعفر بن أبي طالب في العراق، وكما اشتعلت في الوقت نفسه ثورة للخوارج بقيادة الضحاك بن قيس الشيباني في العراق وقويت هذه الفتنة بانضمام بعض أبناء البيت الأموي، وهدّدت سلطة الخلافة بكثرة أتباعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق