إعداد / محمـــد الدكـــرورى
سنكمل الحديث عن خلافة يزيد بن معاويه بن أبى سفيان، ويجب علينا أن علم جيدا أنه، لم يكن يزيد بن معاويه، هو أحد المرشحين لخلافة معاوية لحكم المسلمين في بادئ الأمر، بل حدد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، أن الخلفاء من بعده سيكون واحداً من ستة أشخاص وقد سماهم، وهم: سعيد بن العاص، عبد الله بن عامر، الحسن بن علي، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير، وقد وصفهم معاوية بن أبى سفيان، بصفات حسنة كالفقه، والاهتمام بالحدود، والكرم، والدهاء، ولم يفكر الصحابي معاوية في أخذ البيعة ليزيد إلا بعد وفاة الحسن بن علي بن أبى طالب، وكان يرى أنه لم يبق إلا ابنه وأبناء الصحابة وابنه أحق، لتمرسه السياسة ومعرفته بحاله وأن أهل الشام لا يقبلون إلا أموياً.
وقد قال ابن كثير، وابن خلدون فى ذلك: وأنه لما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان يظن أنه لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في الملك مقامه وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم كان به صالحاً، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه، وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشاً لله لمعاوية من ذلك، وقد أعلن معاوية خوفه هذا على عبد الله بن عمر، كما كان يدعو الله خوفاً من أن يكون تعيين يزيد ولياً للعهد هو حب الأب لابنه، فقال إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع.
ثم قال معاويه : اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني إنما وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته، وقد طرحت فكرة البيعة أولاً على أهل دمشق، فصعد خليفة المسلمين معاوية بن أبى سفيان، على المنبر وأعلن أنه اختار يزيداً خليفة بعده فرضي أهل دمشق وبايعوه بدون أي اعتراض، وفي سنة واحد وخمسين للهجرة أرسل الخليفة معاوية إلى البلدان بأن يفد إليه الناس، فكان مماً أتى: وفد أهل الشام وفيهم الضحاك الفهري، وثور السلمي، وعبد الله الأشعري، وعبد الله الفزاري، وعبد الرحمن الثقفي، وحسان الكلبي، وكان وفد أهل البصرة، وهم ألأحنف بن قيس التميمي، وكان وفد أهل المدينة، منهم محمد الأنصاري.
وقد اجتمع الخليفة معاويه بهم ما عدا ممثل أهل المدينة فتكلم معه على انفراد، وقال كل واحد منهم رأيه، وقال واحد منهم وهو محمد الأنصارى، وما أصبح اليوم على الأرض أحد أحب إلي رشداً من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد أصبح غنياً في المال، وسطاً في الحسب، وإن الله سائل كل راع عن رعيته، فاتق الله وانظر من تولي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاك الفهرى، يا أمير المؤمنين، إنه لابد للناس من وال بعدك، والأنفس يغدى عليها ويراح، وإن الله قال: ( كل يوم هو في شأن ) ولا ندري ما يختلف به العصران، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن معدنه وقصد سيرته، من أفضلنا حلماً وأحكمنا علماً، فوله عهدك واجعله لنا علماً بعدك، فإنا قد بلونا الجماعة والألفة، فوجدناها أحقن للدماء، وآمن للسبل، وخيراً في العاقبة والآجلة.
وقال عمرو بن سعيد: أيها الناس، إن يزيد أمل تأملونه، وأجل تأمنونه، طويل الباع، رحب الذراع، إذا صرتم إلى عدله وسعكم، وإن طلبتم رفده أغناكم، جدع قارح، سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع فقرع، فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه، وقال زيد بن المقنع أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى السيف، وقال الأحنف بن قيس التميمى، يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله رضا، ولهذه الأمة، فلا تشاور الناس فيه، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة،
ثم تمت البيعة ليزيد على ذلك.
وبعدما بايعت الوفود ليزيد، أرسل معاوية ابن أبي سفيان، إلى واليه على المدينة مروان بن الحكم بأخذ البيعة ليزيد، فخطب مروان فيهم وحض الناس على الطاعة وحذرهم الفتنة، ودعاهم إلى بيعة يزيد وشبهها بعهد أبي بكر الصديق، لعمر بن الخطاب، رضى الله عنهم أجمعين، إلا أن عبد الرحمن بن أبي بكر رفض البيعة وأنكر أن تكون متشابهتين مما أدى لحصول خلاف بينه وبين مروان، وبعد ذلك، أرسل الخليفة رجلاً آخر لعل أهل المدينة يوافقون على البيعة، وهو زياد ابن أبيه فخطب فيهم وقال: يا معشر أهل المدينة، إن أمير المؤمنين حسن نظره إليكم، وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، وهو يزيد بن معاويه ابنه، إلا أن أهل المدينة رفضوا مرة أخرى.
وبعد رفض أهل المدينة التام لمبايعة يزيد بسبب فكرة تولية ابن الخليفة حاكماً من بعده، قرر معاوية بن أبي سفيان أن يزور المدينة في طريقه للحج في عام واحد وخمسين للهجرة، فتوجه إليها مع ألف من أهل الشام ومعه ابنه يزيد، فلما اقترب من المدينة خرج عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير منها إلى مكة، ولما وصل معاوية إلى المدينة خطب فيهم وقال:قد بايعنا يزيد فبايعوه، ثم توجه إلى مكة، وبعد أن أكمل الخليفة نسك الحج، ابتدأ بعبد الله بن عمر أولاً، ودار بينهم حوار وقد انتهى بموافقة عبد الله بن عمر، على بيعة يزيد إذا اجتمع الناس على بيعته، وبعد ذلك جرى حوار سريع بين الخليفة وعبد الرحمن بن أبي بكر وكانت نتيجته الرفض التام للمبايعة وتحذير الخليفة له من إعلان رفضه قبل أن يعلن أنه بايع أمام أهل الشام لكيلا يقتلوه، فلم يعترض.
وبعد ذلك لم يبقى إلا الصحابي عبد الله بن الزبير والذي قال الخليفة بأنه السبب في رفض عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، للبيعة، إلا أن عبد الله بن الزبير أجاب الخليفة بأن عليه أن يتنحى عن الإمارة إذا ملها، وأنه لا يقدر أن يبايع شخصين في الوقت ذاته وقال:إن مللت الإمارة فهلم ابنك فلنبايعه،وقد فهم الخليفة من آراء الثلاثة أنها لا تعترض على شخص يزيد فصعد المنبر وأعلن أن الثلاثة قد وافقوا على البيعة وهى موافقة مبدئية، إلا أن أهل الشام لم يرضوا وطلبوا من الخليفة أن يأمرهم بإعلان البيعة أو ضرب أعناقهم، مما أدى لغضب الخليفة عليهم ونهرهم وأمرهم بعدم الإساءة إلى قريش، وفي نهاية الأمر بايع الناس ليزيد بن معاويه، وكان ممن بايعه ستون صحابياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق