إعداد / محمـــد الدكـــرورى
نكمل الحديث عن الخلافة الإسلامية وهي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية، وقد وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف النبى الكريم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة والجهاد، بينما الخلافة عند أغلب فرق الشيعة كالإمامية والإسماعيلية موضوع أوسع من الحكومة بعد الرسول الكريم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخلافة عندهم هى إمامة والخليفة إمام، وهي بذلك امتداد للنبوة، وكلام الإمام وفعله وإقراره حجة ويجب الأخذ به.
حيث اتفق علماؤهم على أن الإمام يساوي النبي في العصمة والإطلاع على حقائق الحق في كل الأمور إلا أنه لا يتنزل عليه الوحي وإنما يتلقى ذلك من النبي، فالخليفة عند السنة يخلف بتعيينه حاكماً على الأمة، وعند الشيعة هو الإمام ولا يشترط أن يكون الإمام حاكما، ولكن لا يطبق الآن نظام الخلافة منذ سقوط السلطان العثماني وسقوط الدوله والخلافه الإسلاميه ونكمل مع الخلافه الأمويه وقد وصلنا إلى الخليفه الوليد الثانى بن يزيد، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة أبو العباس الدمشقي الأموي وقد ولد سنة تسعين من الهجره، وقيل عندما مات أبيه الخليفه يزيد بن عبد الملك كان الوليد عمره أحد عشرة سنة، فعقد له أبوه بالعهد من بعد أخوه الخليفه هشام بن عبد الملك.
فلما مات هشام بن عبد الملك، سلمت إليه الخلافة، وكانت جدته أم أبيه هى السيده عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأمها أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وكانت أم عامر بن كريز هى السيده أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان يقول الوليد: نبي الهدى خالي ومن يك خاله، نبي الهدى يقهر به من يفاخره، وقد قال ابن الأثير، وهو عز الدين أبي الحسن الجزري الموصلي المعروف بـابن الأثير الجزري، وهو مؤرخ عربي كبير، وقد عاصر دولة صلاح الدين الأيوبي، ورصد أحداثها ويعد كتابه الكامل في التاريخ مرجعا لتلك الفترة من التاريخ الإسلامي، وهو ابن الأثير الجزري، عز الدين أبي الحسن.
هو علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري الموصلي الشيباني من بني شيبان من بكر بن وائل من ربيعة، وقد ولد عز الدين ابي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري والمعروف بعز الدين بن الأثير في الرابع من جمادى الآخرة سنة خمسمائه وخمسه وخمسون من الهجره، بالجزيرة المسماة في المصادر العربية الإسلامية بجزيرة ابن عمر، وهي داخلة ضمن حدود الدولة التركية حالياً في أعالي الجزيرة السورية، وقد عني أبوه بتعليمه، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ورحل إلى الموصل بعد أن انتقلت إليها أسرته، فسمع الحديث من أبي الفضل عبد الله بن أحمد، وأبي الفرج يحيى الثقفي، وكان ينتهز فرصة خروجه إلى الحج.
فيعرج على بغداد ليسمع من شيوخها الكبار، من أمثال أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي، وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصدمي، وقد رحل إلى دمشق، وتعلم من شيوخها وعلمائها واستمع إلى كبار فقهاء الشام وأستمر فترة من الزمن، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا للتأليف والتصنيف، وقد قال ابن أثير عن الخليفه الوليد الثانى بن يزيد، أنه كان من فتيان بني أمية وظرفائهم وشجعانهم واجوادهم وأشدائهم ومن حسن الكلام ما قاله الوليد بن يزيد، لما مات مسلمة بن عبد الملك، فإن هشاما قعد للعزاء، فأتاه الوليد وهو نشوان يجر مطرف خز عليه، فوقف على هشام فقال: يا أمير المؤمنين، إن عقبى من بقي لحوق من مضى، وقد أقفر بعد مسلمة الصيد لمن رمى، واختل الثغر فهوى.
وعلى أثر من سلف يمضي من خلف، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، فأعرض هشام ولم يحر جوابا، وسكت القوم فلم ينطقوا،و قال أبو الحسن بن الأثير وقد نزه قوم الوليد وذلك مما قيل فيه، وأنكروه ونفوه عنه وقالوا: إنه قيل عنه وألصق به وليس بصحيح، وقال المدائني: دخل ابن للغمر بن يزيد أخي الوليد على الرشيد، فقال له: ممن أنت ؟ قال: من قريش، قال: من أيها ؟ فأمسك، فقال: قل وأنت آمن ولو أنك مروان، فقال: أنا ابن الغمر بن يزيد، فقال: رحم الله عمك الوليد ولعن يزيد الناقص، فإنه قتل خليفة مجمعا عليه، ارفع حوائجك، فرفعها فقضاها، وقال شبيب بن شيبة: كنا جلوسا عند المهدي فذكروا الوليد، فقال المهدي: كان زنديقا، فقام أبو علاثة الفقيه فقال: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل.
قد أعدل من أن يولي خلافة النبوة وأمر الأمة زنديقا، ولقد أخبرني من كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليه المطايب المصبغة، ثم يتوضأ فيحسن الوضوء، ويؤتى بثياب نظاف بيض فيلبسها ويصلي فيها، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها واشتغل بشربه ولهوه، فهذا فعال من لا يؤمن بالله؟ فقال المهدي: بارك الله عليك يا أبا علاثة، والوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، لم يتمكن أبوه من استخلافه لصغر سنه فعقد لأخيه هشام، وجعل الوليد وليًّا للعهد بعد هشام، وكانت له ألقاب عدة: فقد لُقب بالبيطار، ولقب بخليع بني مروان والفاتك، وقد بويع له بالخلافة وهو بدمشق بعد وفاة عمه هشام.
وقد اختلفت الأقوال فيه، وتضاربت فمن قائل يقول عنه مثل العصامي: كان أكمل بني أمية أدبا وفصاحة، وأعرفهم باللغة والحديث، وكان جوادا مفضالاًَ ، ثم يناقض العصامي نفسه قائلا: ولم يكن في بني أمية أكثر منه إدمانا للشُرب والسماع، ولا أشد مجونا وتهتكا منه واستخفافا بالدين وأمر الأمة، وبينما يقول عنه السيوطي: كان فاسقا شريبا للخمر، منتهكا حرمات الله، والقارئ يُصاب بالحيرة جَرّاء هذا التناقض، فبعض المصادر بالغت في وصف سلوكه السيئ، في حين نفت بعض المصادر الأخرى ذلك عنه، ووصفته بالخليفة المجمَع عليه، ويبدو أن الوليد بن يزيد قد نشأ نشأة فيها بعض العبث، فاستغل عمه هشام ذلك لأغراض سياسية، فشهَّر به وسهَّل له سبل اللهو والمجون.
وكان آملا فى أن ينساق في هذا المسلك، وينشغل عن المطالبة بالخلافة، أو إيغار صدور الناس عليه بتكوين رأي عام معارض، أو أن يجره هذا الانسياق في سلوكيات مذمومة تبرر خلعه من ولاية العهد، وهنا يعهد هشام لابنه بالخلافة من بعده، ويُلاحَظ أن الحملة التشهيرية ضده بدأت في أثناء خلافة عمه هشام في الوقت الذي كان هو وليًّا للعهد، ورفض طلب عمه أن يتنازل عن ولاية العهد لصالح ابنه مسلمة، ونتيجة للضغط الذي تعرض له، خرج الوليد من دمشق، ونزل قصر الأزرق في الصحراء، ولم يزل مقيمًا فيه حتى توفي هشام، فجاءه الكتاب بموته وبيعة الناس له، فكان أول ما فعل أن كتب إلى العباس بن عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحمي ما فيها من أموال هشام وولده وعياله وحشمه.
إلا مسلمة بن هشام، فقدم العباس الرصافة ففعل ما كتب به الوليد، وقد استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأحوال رعيته اهتماما شاملا، إذ شرع في إعداد الخطط وجَدَّ في تنفيذها لتحسين أوضاع المواطنين المعيشية تحسينًا ملحوظًا، كسبًا لودهم وإظهارًا لفضله على هشام بن عبد الملك، ولبلوغ هذه الأهداف اتخذ الوليد ثلاثة قرارات: رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين في العاصمة، فَوَاسَى البؤساء والضعفاء والعجزة والقاعدين والمكفوفين من أهل الشام، ووزَّع المعونات والهدايا على أطفالهم، وزيادة رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء، فرفع رواتب أهل الأمصار جميعًا عشرة دراهم، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق