الخميس، 13 أغسطس 2020

الدكرورى يكتب عن الوليد الثانى بن يزيد ( الجزء الثانى )


إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الثانى مع الوليد الثانى بن يزيد، وقد رفع رواتب أهل الأمصار جميعا عشرة دراهم، ومنح أهل الشام عشرة دراهم أخرى، وضاعف الأعطيات والهبات لأقربائه الذين قدموا عليه وأعلنوا مساندتهم له، وأكرم كل من قصدوه وسألوه، وتَأَلَّف أهل المدينة ومكة واسترضاهم فأعاد إليهم أرزاقهم وحقوقهم المالية، وأنفق الوليد في هذه الوجوه والسبل الإصلاحية ما حاز من ثروة هشام، وما وجد في خزائن الدولة من أموال حتى أفلس في ضائقة خانقة، ووضع الوليد القرارين السابقين من خطته الإصلاحية في قصيدة عينية طويلة لهـضاع أكثرها وسَلِم أقلُها، قالها على المنبر بدمشق لما بويع بالخلافة، ثم أمر بكتابة نسخ منها لتُوزع على الأمصار المختلفة، وأرسل نسخة منها إلى المدينة. 


وذلك يحيي فيها أهل الأمصار ويعدهم بخير عميم، ويلتزم برواتبهم في موعدها المحدد الثابت كل سنة دون تأخير أو مماطلة، ويتعهد بزيادة رواتبهم زيادة مجزية، ويمنيهم بحياة رغيدة إن عاش وامتدت خلافته، والقرار الثالث الذي اتخذه الوليد لتحسين أوضاع المواطنين بالشام يتمثل في بناء بعض المنشآت المائية للنهوض بالزراعة وتوسيع رقعة الأراضي التي تزرع في الصيف وزيادة محاصيلها، ورفع أجر العاملين بها فأقام جسر الوليد على طريق أَذَنة وهو من المصيصة على تسعة أميال، وشيَّد مشروع أُسَيْس، المائي على بعد ثلاثة وثمانين ميلاً شرقي دمشق، وهو يشتمل على جهاز الري يستخدم للانتفاع بمياه الأمطار، وكما عُنِي الوليد بشئون الدولة العسكرية ولم يفرط فيها. 


ولكن حركة الجهاد كانت قد ضعفت منذ نهاية العقد الأخير من القرن الأول، وتحول دور المسلمين في حدودهم الشرقية مع الترك وحدودهم الشمالية مع الروم، من الهجوم والفتح إلى الدفاع والحفاظ على البلدان التي نشروا الإسلام فيها، وبسطوا سلطانهم عليها، ومع ذلك فإنه تمت في عهد الوليد بعض الفتوح الجديدة، وأغار بعض إخوته على الروم غاراتٍ كثيرة ناجحة، ففي خلافة الوليد فُتِحت قبرص، إذ أغزى الوليد بن يزيد أخاه الغمر بن يزيد بن عبد الملك، وأَمَّر على جيش البحر الأسود بن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرص، فيخيرهم بين المسير إلى الشام إن شاءوا، وإن شاءوا إلى الروم، فاختارت طائفة منهم جوار المسلمين فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض الروم. 


فانتقلوا إليها وولَّى أخاه الغمر بن يزيد الصائفة غير مرة، فغنم ما لم يغنمه أحد قط، وكانت آخر صوائفه في سنة ست وعشرين مائة، وعلى قِصَر خلافة الوليد بن يزيد، فإن القرارات الثلاثة الإصلاحية التي ارتآها وطبقها، وبعض الفتوحات والغزوات المظفرة التي قادها أخوه الغمر تدل على تفكيره في مشاكل رعيته المالية والاجتماعية والزراعية، تفكيرا جادا خلص منه إلى وضع الحلول السريعة للمشاكل العاجلة، وتدل على اجتهاده في بعض حركة الفتوح والجهاد وتقويتها، وحماية حدود الدولة، وتنفي عنه ما اتهمه به اليعقوبي من أنه كان مهملاً لأمره، قليل العناية بأطرافه، متشاغلاً عن أمور الناس، ويذكر التاريخ جنايات كثيرة للوليد بن يزيد بن عبد الملك وهو الوليد الثاني، على الدولة الأموية. 


وكان أعظمها إفساده بني عميه هشام والوليد والوزراء والولاة اليمانية وهم الدولة، فقد قام بجلد ابن عمه سليمان بن هشام وتغريبه إلى عمان لأمور كان ينقمها من أبيه وهو ولي عهده، وكان سليمان محبوبًا معدودًا من أكابر الرجال علما وسياسة ودراية بالحروب، ومعرفة بحيلها ومكائدها، وكما أراد الوليد بن يزيد البيعة لابنيه الحكم وعثمان وكانا غلامين، وسجن الوزير سعيد بن صهيب لنهيه إياه عن البيعة لابنيه، فغضب عليه وتركه في السجن حتى مات، وعرض أمر البيعة لابنيه على خالد بن عبد الله القسري فرفض، وكان خالد رأس ولاة الأمويين وشيخ وزرائهم وأعظم قائد لجند اليمانية، فغضب الوليد الثاني على خالد، ومما زاد من غضبه أن خالد القسري تكتم على اليمنية الذين كانوا يخططون لاغتياله


ولم يدله عليهم، فقد كان الوليد الثاني على علم بما أجمع عليه زعماء مضر وقضاعة واليمانية من الفتك به، فأبى أن يكاشف خالد بما علم اتقاء الفتنة، ثم أمر بحبس خالد ودفعه إلى يوسف بن عمر أمره أن يستأدِي منه أموال العراق أيام كان عليه، فقبض منه خمسين مليون درهم، وسار به يوسف بن عمر إلى العراق ومكث في العذاب إلى أن مات قتيلاً سنة مائه وسته وعشرين من الهجره، وكان آل القعقاع يتولون أهم الولايات فكان الوليد بن القعقاع على قنسرين وعبد الملك أخوه على حمص فعزلهما وعين يزيد بن عمر بن هبيرة، ودفع إليه آل القعقاع فعذبهم ونكل بهم حتى مات الوليد بن القعقاع وأخوه عبد الملك في العذاب، ورجلان من آلِهِمَا، ونظرا لهذه الأسباب فقد اضطغن على الوليد آل هشام والوليد ابنا عبد الملك، وآل القعقاع واليمانية ومضر، وألَّبوا عليه الأمة.


ولقد اشترك في الثورة على الوليد الثاني عدة عناصر، من أهمها: بنو أمية، والقبائل اليمنية، والقدرية، ولقد كَثُر الأمراء الأمويين في الفترة الأخيرة من دولتهم، وكان أغلبهم من ذرية عبد الملك وعبد العزيز ومحمد بن مروان بن الحكم، وأقلهم من حفدة يزيد بن معاوية، ويستفاد من أخبارهم أنهم كانوا طائفتين، فمعظم الأمراء الصغار من أولاد الوليد وهشام والحجاج بن عبد الملك بن مروان، ومن أبناء عمر بن عبد العزيز كانوا عُصبة واحدة على الوليد، جمع بينهم التذمر منه والمنافسة له، والطمع في عزله، وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك أدهى خصوم الوليد، وأشدهم طعنا فيه، وأكثرهم تحريضا عليه، وأقواهم عزما على الإطاحة به، وآزَر يزيد إخوته بشرا ومسرورا وعمر، وروحا وإبراهيم.


أما الأمراء الأمويون الكبار من أبناء عبد الملك ومن أبناء أخيه محمد بن مروان بن الحكم، ومن حفدة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فكانوا أرجح عقلا من الأمراء الصغار، والمتسرعين، وأكثر اعتدالا وأوسع أفقا، وأحسن وعيًا لما ينفع ويضر، فسالموا الوليد وصانعوه وأيَّدوه، وحاولوا كبح جماح الأمراء الصغار، وكان من الأمراء الكبار الذين مع الوليد بن يزيد، مروان بن محمد بن الحكم، وسعيد بن عبد الملك بن مروان، فقد كانوا ينكرون الوثوب بالوليد ويسعون إلى ردع الأمراء الصغار المتذمرين المتسرعين، ورتق الفتن بينهم وبين الوليد، وعندما علم مروان بن محمد أن يزيد بن الوليد يدعو إلى نفسه بعث إلى سعيد بن عبد الملك بن مروان يحثه على تدارك الفتنة قبل وقوعها.


إذ يقول له في كتابه: إن الله جعل لكل أهل بيت أركانا يعتمدون عليها ويتقون بها المخاوف وأنت بحمد الله، ركن من أركان أهل بيتك، إلى آخر الكلام، فلما وصلت الرسالة سعيد بن عبد الملك أعظم ذلك، وبعث بكتابه إلى العباس بن الوليد فدعا يزيد، فعذله وتهدده، فحذره يزيد وقال: يا أخي، أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة من عدونا أراد أن يغري بيننا، وحلف له أنه لم يفعل فصدقه، وواضح أن يزيد بن الوليد كان من أقوى أعداء الوليد بن يزيد من الأمراء الأمويين الصغار الذين لم تحنكهم التجارب، ولم يكونوا يكترثون بتدهور الخلافة الأموية وسقوطها، فزَيَّن يزيد لأنداده من الأمراء الصغار الثورة على الوليد واستهواهم بآرائه، وما كان يُظهر من النسك والورع والتواضع. 


فاندفعوا إليه وآمنوا بآرائه، وأيدوا خطته ومطامعه، فعملوا على القرب من يزيد إرضاء لغرورهم وكبريائهم، أو بحثا عن الوجاهة والنباهة، أو انتقامًا من الوليد؛ لأنه أهملهم وأبعدهم واستهان، وأما الأمراء الأمويون الكبار فإنهم لم ينجحوا في إزالة أسباب الفرقة واستئصال جذور الفتنة لعوامل مختلفة منها ما يعود إلى بُعْدِ بعضهم، وتَسَتُّر العباس بن الوليد بن عبد الملك على أخيه يزيد، ومنها ما يُرَد إلى خبث يزيد ودهائه ومراوغته ومخادعته لأخيه العباس كلما نهره وردعه، ومضيه في العمل والتخطيط واستقطاب الأنصار سر، ومنها استبداد الوليد بن يزيد برأيه، وكما تذمَّر اليمنية بالشام والعراق، وكانوا قد بدأوا يضجون بالشكوى من بني أمية، ويتضجرون منهم في نهاية القرن الأول


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة