إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الصحابى الجليل عبد الله بن عبد الأسد وهو أبو سلمه رضى الله عنه، ووقفنا عندما هاجر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نزل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، دار كلثوم بن الهدم في البداية، واتخذ من دار سعد مقرا له يعلم فيه الناس دينهم، وكان بيته يسمى بيت العزاب، ثم انتقل إلى دار أبي أيوب الأنصاري، وقد آخى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بين سعد وأبو سلمة بن عبد الأسد، ولما ندب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المسلمين للخروج إلى غزوة بدر قال خيثمة بن الحارث لابنه سعد " آثرني بالخروج، وأقم مع نسائك " فأبى، وقال " لو كان غير الجنة، آثرتك به " فاقترعا، فخرج سهم سعد فخرج، وقُتل يومها.
ثم قُتل أبوه خيثمة بعده في غزوة أحد، وكان الذي قتل سعد، هو عمرو بن عبد ود، وقيل طعيمة بن عدي، وقد توفي سعد وله من الولد عبد الله، وكانت أمه هى السيده جميلة بنت أبي عامر بن صيفي الضبيعية الأوسية، وأما عن عبد الله بن عبد الأسد فكان لأبي سلمة رواية عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، روتها عنه زوجته أم سلمة، وقد أوردها الترمذي والنسائي ومحمد بن ماجة في كتبهم، وفي الثامن من جمادى الآخرة من السنة الرابعة للهجرة توفي في المدينة المنورة الصحابي الجليل أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي رضي الله، وكان الد أبي سلمة هو عبد الأسد بن هلال بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة .
فقد أرضعتهما ثويبة جارية أبي لهب، وقد كان والد السيده أم سلمة زوجة عبد الله بن عبد الأسد، هو الذي أشار على قريش عندما اختلفوا على وضع الحجر الأسود أن يجعلوا بينهم أول من يدخل من باب الحرم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه، قالوا هذا الأمين رضينا به، وقد قيل أنه مات أبو أمية بن المغيرة في الجاهلية، ولقد كانت السيده أم سلمة أول مهاجرة من النساء إلى المدينة، وكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة، وقد أسلم عثمان بن طلحة في هدنة الحديبية، وهاجر قبل الفتح مع خالد بن الوليد، ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وإلى ابن عمه شيبة والد بنى شيبة مفاتيح الكعبة.
وقد أقرها عليهم في الإسلام كما كانت في الجاهلية، ونزل في ذلك قوله تعالى: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾، وقُتِل عثمان بن أبى طلحه رحمه الله شهيدا بأجنادين في أول خلافة عمر بن الخطاب، وقد كان أبو سلمة من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن يثق بحكمتهم وحسن تصرفهم، ويدل على ذلك أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد استخلفه على المدينة المنورة يوم خرج في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة في غزوة ذات العشيرة يعترض قافلة لقريش خرجت إلى الشام، وشهد أبو سلمة بدراً وكان أخوه لأبيه الأسود بن عبد الأسد ممن خرج مع قريش يوم بدر، وكان قد حلف ليكسرن حوض النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
فقاتل حتى وصل إلى الحوض، فأدركه حمزة بن عبد المطلب، وهو يكسر الحوض، فقتله، واختلط دمه بالماء، وقيل هو أحد المستهزئين الذين عناهم الله تعالى في آخر سورة الحجر في القرآن الكريم ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المسنهزئين) وقيل إن أبا سلمة وأخاه الأسود هما الذين نزلت فيهما هذه الآيات من سورة الكهف التي أولها ( واضرب لهم مثلا الرجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) وقيل أن ابنة أخي أبي سلمة الأسود هذا هي المخزومية التي سرقت فشفع فيها أسامة بن زيد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب قال: يا أيها الناس إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه.
وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت لقطع محمد يدها" وفي يوم أُحد أصاب أبا سلمة سهم في عضده رماه به أبو أسامة الجشمي، فرجع إلى منزله فجاءه الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حمراء الأسد، فركب حمارا وخرج يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه حين هبط من العصبة بالعقيق فسار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انصرف مع المسلمين ورجع من العصبة، وأقام أبو سلمة شهرا يداوي جرحه حتى رأى أن قد برأ ودمل الجرح على بغي لا يدرى به، فلما كان هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة.
فقد شكل رسول الله سرية من مائة وخمسون مقاتلا، ودعا أبا سلمة فقال اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها، وعقد له لواء، وقال سر حتى ترد أرض بني أسد، فأغِر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعُهم، وأوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان سبب هذه السرية أن رسول الله بلغه أن أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما للهجوم على المدينة المنورة، وقالوا: نسير إلى محمد في عقر داره، ونصيب من أطرافه فإن لهم سَرحا يرعى جوانب المدينة، ونخرج على متون الخيل فقد أربعنا خيلنا ونخرج على النجائب، فإن أصبنا نهبا لم ندرك وإن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها، معنا خيل ولا خيل معهم، ومعنا نجائب أمثال الخيل، والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش حديثا.
فهم لا يستبلون دهرا ولا يثوب لهم جمع، فخرج أبو سلمة في أصحابه فأغذوا السير، وتنكب بهم عن سنن الطريق وعارض الطريق وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى أول ماء من مياه بنى أسد يدعى قَطن، كانوا مجتمعين عليه ويبعد ثلاثة مائة كيلو متر شرقا عن المدينة المنورة، فوجدا سرحا للمتآمرين فأغاروا عليه فضموه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلِت سائرهم، فجاءوا جمعَهم فخبروهم الخبر، وحذروهم جمع أبي سلمة وكثَّروه عندهم، فتفرق الجمع في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء فوجد الجمع قد تفرق، فعسكر وفرق أصحابه فجعلهم ثلاث فرق، فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى، وأوعز إليهما ألا يمعنوا في طلب، وألا يبيتوا إلا عنده إن سلموا.
وقد أمرهم ألا يفترقوا، واستعمل على كل فرقة عاملا منهم، فآبوا إليه جميعا سالمين غانمين، وعاد السرية ظافرة منتصرة وقد كسرت شوكة عدو الله ورسوله، ولما مرض أبو سلمة جاءه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعوده، فوافق دخوله عليه خروج نفسه، وبينه وبين النساء ستر مستور فبدأ بعض النسوة في الدعاء على أنفسن، كأن يقلن ويحي أو يا شؤم حظي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم الميت فلا تدعون على أنفسكن إلا بخير فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون، فلما فاظت نفسه بسط النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كفيه على عينيه فأغمضهما، ودعا له هذا الدعاء العظيم " اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق