إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع الصحابى الجليل عبد الله بن عبد الأسد، أبو سلمه رضى الله تعالى عنه، وقيل أنه فيه نزلت الآيات من سورة الحاقّة: ( فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه، إنى ظننت أنى ملاق حسابيه، فهو فى عبشة راضيه، فى جنة عاليه، قطوفها دانيه، كلوا واشربوا هنئيا بما أسلفتم فى الأيام الخاليه ) وقد غُسّل أبو سلمة بالعالية، وكان ينزل هناك حين تحول من قباء، من بئر اسمها اليسيرة لبني أمية بن زيد، وقد غُسِّل بين قرني البئر، وكان اسم البئر في الجاهلية العبير فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسيرة، وروى مسلم وابن ماجة عن أم سلمة رضى الله عنها قالت " لما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات، ما أقول؟
قال: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عُقبى حسنة " قالت: فقلتُ فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد كان وقع وفاة أبي سلمة قاسيا على أم سلمة رضي الله عنهما، فقد روى الإمام مسلم عنها قالت رضي الله عنها: لما مات أبو سلمة قلت غريب وفي أرض غربة، لأبكينه بكاء يُتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد، وهى تعني العالية في المدينة المنورة، تريد أن تسعدني، أي تشاركني النوح، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتريدين أن تُدخِلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه؟ " مرتين، وكففت عن البكاء فلم أبك، وروى مسلم وابن ماجة وهذا لفظه عن أم سلمة رضي الله عنها أن أبا سلمة حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" ما من مسلم يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمر الله به من قوله ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون﴾ اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأْجُرني فيها، وعوضني منها، إلا آجره الله عليها وعاضه خيرا منها " فقالت: فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذي حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه فأجرني عليه، فإذا أردت أن أقول وعِضني خيرا منها، قلت في نفسي: أُعاض خيرا من أبي سلمة؟ من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلتها فعاضني الله محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآجرني في مصيبتي، وقد قيل أنه كان أبو سلمة لا مال له.
لأن أم سلمة وجدت نفسها مضطرة للإنفاق على أولادها وأولاده، وقد روت ابنتها زينب أن أمها سألت الرسول: يا رسول الله، إن بني أبي سلمة في حجري، وليس لهم إلا ما أنفقت عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هي بنيّ، أفلي أجر ما أنفقت عليهم؟ فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: أنفقي عليهم، فإن لك أجر ما أنفقت عليهم، واعتّدت أم سلمة، أى قضت شهور العده، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد تمنع منها احتراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصدّق قولها ودعا لها وتزوجها حتى مات عنها، وتوفيت أم سلمة رضي الله عنها سنة تسعه وخمسين من الهجره، وهي أكبر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخرهن وفاة.
وقد ذكرنا أن ثمرة زواج أبي سلمة وأم سلمة أربعة أولاد هم سلمة وعمر وزينب ودرة، ولد سلمة في أرض الحبشة، وزوجه الرسول أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، وتوفيت قبل أن يدخل بها، وولد عمر في المدينة المنورة، ونشأ في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونال من توجيه الرسول الكريم ما رواه هو في الحديث الصحيح المشهور " كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك. فما زالت تلك طعمتي بعد " ويقول أغلب المؤرخين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وعمر ابن تسع سنين، ولكن الإمام الذهبي وهو الناقد البصير في الرواية والدراية.
وقد تعقب ذلك وبين أنه ولد قبل ذلك بكثير لأنه تزوج في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عمر القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد موقعة الجمل مع علي رضي الله عنه، بعثت به معه أمه، وقالت: قد دفعته إليك وهو أعز عليّ من نفسي، فليشهد مشاهدك حتى يقضي الله ما هو قاض، فلولا مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لخرجتُ معك كما خرجت عائشة مع طلحة والزبير، واستعمله عليّ على البحرين، ثم عزله وولاه فارس، وتوفي عمر بن أبي سلمة بالمدينة سنة ثلاثه وثمانين من الهجره، وأما زينب بنت أبى سلمه فكان اسمها بَرة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، وقد روى مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي بَرة.
فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمّيت برة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال " سموها زينب " وأرضعتها أسماء بنت أبي بكر فكانت أخت عبد الله وعروة بني الزبير من الرضاعة، ونشأت زينب في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يناديها زِناب، وكان لها طرائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أمها أم سلمة إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل تقول: ادخلي عليه، فإذا دخلت عليه نضح في وجها من الماء ويقول: ارجعي، وبقيت زينب رضي الله عنها وهي عجوز كبيرة لا يتبين عليها الكبر، ولم يزل وجهها طريا بمائه، صلى الله عليه وسلم.
وقيل أنه كان صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة مرة، فجاء عمر بن أبي سلمة يمر بين يديه، فأشار إليه فرجع، فجاءت زينب بنت أبي سلمة، فأشار إليها فاستمرت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هنَّ أغلب، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم سلمة وابنتها زينب من آل البيت، فقد روت زينب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عند أم سلمة، فدخل عليها بالحسن، والحسين، وفاطمة، فجعل الحسن من شق، والحسين من شق، وفاطمة في حجره، ثم قال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد، وأنا وأم سلمة جالستين، فبكت أم سلمة فنظر إليها، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله، خصصتَ هؤلاء وتركتني وابنتي، فقال: أنت وابنتك من أهل البيت.
وتزوج زينب بنت أبى سلمه، ابن خالتها عبد الله بن زَمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزَّى، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها، وروت زينب عن أمها، وأما درة فلا نجد لها ذكراً في كتب السيرة والحديث والتاريخ إلا الحديث الصحيح المشهور الذي روته اختها زينب عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، ويتعلق بإشاعة دارت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتزوج درة، وقالت أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تُحدِّث أنك ناكح درة بنت أبي سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بنت أم سلمة؟ قالت أم حبيبة: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلى أم سلمة؟ لو أني لم أنكح أم سلمة ولم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي، إن أباها أخي من الرضاعة، أرضعتني أنا وأبا سلمة ثويبة.
فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن، وكان أبو سلمه أخو حمزة بن عبد المطلب من الرضاعة أيضا، فقد أرضعتهم ثويبه مولاة أَبي لهب، فقد أَرضعت حمزة رضي الله عنه، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أَبا سلمة رضي الله عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق