الاثنين، 5 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عباس ( الجزء العاشر )



إعداد / محمـــد الدكــــرورى


ونكمل الجزء العاشر مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا فى الحديث عن إبن عباس وعزله عن البصرة وكان هناك اختلاف بين المؤرخين، فقد ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أنه تولى البصرة من سنة سته وثلاثين من الهجره، حتى سنة تسعه وثلاثين من الهجره، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي، وقد جاء في بعض الروايات بأن عبد الله بن عباس ظل واليا على البصرة في عهد الحسن، حتى عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ثم خرج من البصرة معتزلا السياسة قاصدا مكة المكرمة وتفرغ للعلم والتعليم، وتذكر بعض الروايات الأخرى أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة بعد مقتل علي بن أبى طالب، وقد قال ابن الأثير الجزري أن هذه الرواية الثانية أصح.


وإنما كان الذي شهد صلح الحسن هو عبيد الله بن عباس وليس عبد الله، وقد قام عبد الله بن عباس باستخلاف عبد الله بن الحارث بن نوفل، على البصرة ومضى إلى الحجاز، ولمّا جاء الكتاب بموت الحسن بن علي، كان ابن العباس عند معاوية فعزاه، وبعث ابنه يزيد فعزاه، وقد كان ابن عباس محبا للحسن والحسين، وكان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد " أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما " فقال ابن عباس " يا لكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما" ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية امتنع ابن عباس عن مبايعته، هو والحسين وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر. 


ولما مات معاوية وعزم الحسين الخروج إلى العراق نهاه ابن عباس أشد النهي، وقال " يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟ " فقال الحسين " قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى" فقال له ابن عباس " أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حيا وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك" فقال الحسين " إني أستخير الله وأنظر ما يكون " وجاء ابن عباس إلى الحسين اليوم التالي فقال " يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك. 


وإن أهل العراق قوم غدر فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن، فإن به حصونا وشعابا، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب " فقال الحسين " يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير " فقال له بن عباس " فإن كنت ولا بد سائرا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك " وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري، وقد أورد أيضا محمد بن جرير الطبري رواية مشابهة، ثم جاءه مرة أخرى قبل خروحه.


وقد نصحه فأبى إلا الخروج، فقال له ابن عباس " لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك" فقال الحسين " لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أستحل حرمتها وهو يعني مكة المكرمة، فقال ابن عباس فيما بعد " وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه " وكان حينها كتب يزيد بن معاوية كتابا إلى عبد الله بن عباس، وهو شيخ بني هاشم حينئذ، قائلا له " نحسب أن رجالا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة " وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، فكتب إليه ابن عباس " إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به.


الألفة وتطفى بها الثائرة " وكان في العاشر من شهر الله المحرم فى العام الواحد وستين من الهجره،  قد قتل الحسين في معركة كربلاء، فلمَّا بلغه موته حزن عليه حزنا شديدا ولزم بيته، وقال "يا لسان قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم، فإنك إن لا تفعل تندم" وقد رُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، في المنام في اليوم الذي قتل فيه الحسين فقال " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، فى المنام بنصف النهار أشعث أغبر، معه قاروره فيها دم يلتقطه، أو يتتبع فيها شيئا، قلت يا رسول الله، ما هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم، دم الحسين، وأصحابه لم أزل اتتبعه منذ اليوم "  وبوفاة يزيد بن معاوية سنة أربعه وستين من الهجره، دعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه بالخلافة، فبيايعه أهل الحجاز إلا ابن عمر وابن الحنفية. 


وابن عباس، وقد اعتزل ابن عباس ومحمد بن الحنفية الناس، فدعاهما ابن الزبير ليبايعاه فأبيا عليه، وقال كل منهما "لا نبايعك ولا نخالفك" فهمّ بهما، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة فاستنجد لهما من العراق من شيعتهما، ويقول ابن كثير الدمشقي " فقدم أربعة آلاف فكبروا بمكة تكبيرة واحدة، وهموا بابن الزبير فهرب فتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالله، فكفوهم عنه، ثم مالوا إلى ابن عباس وابن الحنفية وقد حمل ابن الزبير حول دورهم الحطب ليحرقهم، فخرجوا بهما حتى نزلوا الطائف، وأقام ابن عباس سنتين لم يبايع أحدا، ومن حينها سكن ابن عباس الطائف وأقام بها، وكان من أقوال ابن عباس رضى الله عنهما قال: "إذا أتيت سلطانا مهيبا تخاف أن يسطو بك فقل: الله أكبر، الله أكبر من خلقه جميعا، الله أعز مما أخاف وأحذر. 


أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السماوات السبع أن تقعن على الأرض إلا بإذنه، من شر عبدك فلان وجنوده، وأتباعه من الجن والإنس، إلهي كن لي جارا من شرهم، جل ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك (ثلاث مرات)" وكان له أقوال كثيرة في الحكمة والنصيحة منها، أنه قال "خذ الحكمة ممن سمعت، فإن الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم فتكون كالرميّة خرجت من غير رام " وقد أصاب ابن عباس العمى في آخر عمره، وكان يقول " إن يأخذ الله من عينى نورهما، ففى لسانى وقلبى منهما، نور قلب ذكى، وعقل غر، ذى دخل، وفى فمى صارم كالسيف مأثور " وقد توفي ابن عباس بالطائف وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقد قيل أنه لمَّا وضعوه ليدخلوه في قبره.


جاء طائر أبيض لم يُرى مثل خلقته، فدخل في أكفانه، والتف بها حتى دفن معه، وقال عفان بن مسلم الصفار، وكانوا يرون علمه وعمله، فلما وضع في اللحد تلا تال لا يعرف من هو، وفي رواية، أنهم سمعوا من قبره قول الله عز وجل (يا أيتها النفس المطمئنه، ارجعى إلى ربك راضية مرضيه، فادخلى فى عبادى، وادخلى جنتى) ويعتقد أهل الطائف أن قبر ابن عباس يقع أمام مقبرة الشهداء بجوار مسجد عبد الله بن عباس بالطائف، في الجهة المُقابلة لمُصلى النساء حاليا، وبجواره قبر محمد بن الحنفية، وكان إبن عباس عن أسرته، قيل أنه لا يُذكر من أسماء زوجات ابن عباس إلا ثلاث زوجات، وهن حبيبة بنت الزبير بن العوام، وهي أم أكبر أبنائه العباس، وشميلة بنت أبي حناءة بن أبي أزيهر.


وكانت زوجة مجاشع بن مسعود السلمي، وقد تزوجها بعد مقتل مجاشع في موقعة الجمل، وزهرة بنت مشرح، وهي أم ابنه الأصغر علي بن عبد الله بن عباس، وأما أولاده، فقد ولد ابن عباس، ابنه العباس، وهو أكبر أبنائه، وبه يُكنى، ولا عقب له، وأمه حبيبة بنت الزبير بن العوام، وابنه الفضل، لا عقب له، وولده محمد، لا عقب له، وولده عبيد الله، وذكره ابن حزم الأندلسي باسم عبد الرحمن، لا عقب له، وولده علي، أصغر أبنائه، وهو أبو الخلفاء العباسيين، وهو الوحيد الذي أعقب من أبناء ابن عباس، ولد سنة أربعين من الهجره، وتوفي سنة مائه وسبعة عشر، وكانت أمه زهرة بنت مشرح، ومن البنات لبانة، وأسماء، ولقد كان ابن عباس رضي الله عنهما أحرص الناس على تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان الصحابة رضوان الله عليهم.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة