الاثنين، 5 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عباس ( الجزء التاسع )



إعداد / محمـــد الدكــــرورى


ونكمل الجزء التاسع مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا فى الحديث بأن بن عباس رضى الله عنهما، كان ملازما للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في مرضه واحتضاره ووفاته وقد وصف بن عباس الأيام الأخيرة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وخروج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من مرضه إلى الصلاة وخطبته، وقد توفي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرة، وقيل خمس عشرة، وذلك لاختلاف المصادر في سنة مولده، ولكن أجمعت المصادر على أنه كان قد خُتن وبلغ الحُلم، وكان ابن عباس مُقدَّما عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، في زمن خلافته، وكان عمر بن الخطاب، يحرص على مشورته في كل أمر. 


ويأذن له بالدخول عليه مع أهل بدر، حتى أن بعضهم تعجب من صنيع عمر، ولما رأى العباس قرب ابنه من الخليفة عمر بن الخطاب، أوصاه وصية قال فيها " إن عمر يدنيك ويجلسك مع أكابر الصحابة فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا" وقد قال الشعبي لابن عباس " كل واحدة خير من ألف" فقال ابن عباس " بل كل واحدة خير من عشرة آلاف" ولم يزل ابن عباس ملازما لعمر حتى مقتله، فبعدما طعن دخل عليه وأخذ يواسيه، ويقول له " يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، 


ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك رضوان " فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، " أما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضاه فإنما ذاك من الله تعالى، مَنَّ بِه على وأما من صحبة أبا بكر ورضاه فإنما ذاك َمنٌّ من الله جل ذكره، مَنٌّ به على، وأما ما ترى من جزعى فهو من أجلك ومن أجل أصحابك والله لو أن لى طلاع الأرض ذهبا لأفتديت من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه " وكان بعد وفاة عمر بن الخطاب، شهد ابن عباس فتح إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، حيث نادى المنادى بالجهاد في إفريقية، ولبَّى ابن عباس النداء، وقام عثمان فيهم خطيبا وحثَهم على الجهاد، ووزع عليهم السلاح، كما أمدَّهم بِألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقراؤهم، فخرج المسلمون في جيش عظيم. 


وكان يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فكانت القيادة له وقد غزا ابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني " أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف " وكما تولى ابن عباس إمامة الحج بأمر عثمان بن عفان له وهو محصور، وقد حجّ بالناس وفيهم السيده عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة، وكانت عائشة تقول "هو أعلم الناس بالمناسك " وخطب بالناس في عرفات وفسّر فيها سورة البقرة، وقيل سورة النور.


وقد قيل " فسّر ذلك تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا" وفي هذه الحجة قد قتل عثمان بن عفان، وقد شهد ابن عباس مع علي الجمل وصفين، وكان أميرا على الميسرة، وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام، وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر، حتى قال له "إن أحببت عزله فوله شهرا واعزله دهرا"، فأبى الإمام علي بن أبى طالب، إلا أن يقاتله، ولما تراض الفريقان على تحكيم الحكمين طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ليكافئ عمرو بن العاص، فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي أبو موسى الأشعري، ثم شهد مع الإمام علي قتال الخوارج في النهروان، وقد كان ابن عباس ينتقد على علي في بعض أحكامه فيرجع إليه علي في ذلك، روى البخاري في صحيحه. 


"أن عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال " لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم، قال " لا تعذبوا بعذاب الله "ولقتلتهم كمال قال النبى صلى الله عليه وسلم، " من بدل دينه فأقتلوه " وقد أرسله الإمام علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتلهم المهاجرون والأنصار، ومن حواره معهم، وقد سألهم ابن عباس، ماذا تنقمون من علي؟ قالوا: ننقم منه ثلاثا، أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله، والله يقول: ﴿إِن الحكم إلا لله ﴾ والثانية أنه قَاتَل، ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارا، فقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين، فقد حرمت عليه دماؤهم، والثالثة: رضى عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، استجابة لأعدائه. 


فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين، فقال ابن عباس " أما قولكم: إنه حكم الرجال في دين الله، فأي بأس؟ إن الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ وفي المرأة وزوجها يقول الله تعالى (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ وأما قولكم أنه قاتل ولم يسبى، ولم يغنم، أفتسبون أمكم السيده عائشة رضى الله عنها، أى تأخذونها أسيره. 


وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم والله تعالى يقول (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، يوم صلح الحديبية، صالح المشركين فقال لعلي " اكتب يا علي، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله " قالوا، لو نعلم أنك رسول الله، ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.


وكان بن عباس قد ولاه الإمام علي بن أبي طالب على البصرة، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة، وزياد بن أبي سفيان على الخراج، وهو أول من عرّف بالناس في البصرة، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئا من القرآن، ويذكر الناس من بعد العصر إلى الغروب، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب، ويقول ابن كثير "وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم، فلم يزل عليها حتى مات الإمام علي" وقد قيل إن الإمام على عزله عنها قبل موته، ثم وفد على معاوية فأكرمه وقربه واحترمه وعظمه، وكان يلقي عليه المسائل المعضلة فيجيب عنها سريعا، فكان معاوية يقول "ما رأيت أحدا أحضر جوابا منه".


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة