الاثنين، 26 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن أمية بن أبى الصَّلت (الجزء الرابع)


إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الرابع مع أمية بن أبى الصلت وقد توقفنا معه عندما نظر نحو السقف ورفع صوته، وقال، لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما، لا ذو مال فيفديني، ولا ذو أهل فتحميني، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقلت، قد هلك الرجل فشق بصره نحو السقف فرفع صوته فقال، لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما، لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف فقال، لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما بالنعم محفود، وبالذنب محصود، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقال، لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما إن تغفر اللهم تغفر جما، وأي عبد لك لا ألما، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقال، كل عيش وإن تطاول دهرا، صائر مرة إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما بدا لي، في قلال الجبال أرعى الوعولا، فقالت، ثم مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. 


" يا فارعة فإن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته " فانسلخ منها " وقد أنشد أميه بن أبى الصلت شعره عند الوفاة، فقال كل عيش وإن تطاول دهرا، صائر مرة إلى أن يزولا ليتني كنت قبل ما قد بدا لي، في قلال الجبال أرعى الوعولا فاجعل الموت نصب عينيك واحذر، غولة الدهر إن للدهر غولا نائلا ظفرها القساور والصدعان، والطفل في المنار الشكيلا وبغاث النياف واليعفر النافر والعوهج البرام الضئيلا، فقوله القساور وهى جمع قسورة وهو الأسد، والصدعان وهو ثيران الوحش واحدها صدع، والطفل هو الشكل، من حمرة العين ، والبغاث الرخم، والنياف، وهى الجبال، واليعفر وهو الظبي، والعوهج وهو ولد النعامة، ويعني أن الموت لا ينجو منه الوحوش في البراري ولا الرخم الساكنة في رءوس الجبال، ولا يترك صغيرا لصغره ولا كبيرا لكبره، وقد قيل أن أمية بن أبي الصلت أول من قال باسمك اللهم، وذكر عند ذلك قصة غريبة.


وهو أنهم خرجوا في جماعة من قريش في سفر فيهم حرب بن أمية والد أبي سفيان، فقال فمروا في مسيرهم بحية فقتلوها فلما أمسوا جاءتهم امرأة من الجان فعاتبتهم في قتل تلك الحية، ومعها قضيب فضربت به الأرض ضربة نفرت الإبل عن آخرها فذهبت وشردت كل مذهب، وقاموا فلم يزالوا في طلبها حتى ردوها فلما اجتمعوا جاءتهم أيضا فضربت الأرض بقضيبها فنفرت الإبل فذهبوا في طلبها فلما أعياهم ذلك قالوا، والله هل عندك لما نحن فيه من مخرج ؟ فقال لا والله، ولكن سأنظر في ذلك، قال فسار في تلك المحلة لعله يجد أحدا يسأله عما قد حل بهم من العناء، إذا نار تلوح على بعد فجاءها فإذا شيخ على باب خيمة يوقد نارا، وإذا هو من الجان في غاية الضآلة والدمامة فسلم عليه فسألهم عما هم فيه فقال إذا جاءتكم فقل، باسمك اللهم فإنها تهرب، فلما اجتمعوا وجاءتهم الثالثة والرابعة، قال في وجهها أمية، باسمك اللهم فشردت. 


ولم يقر لها قرار ولكن عدت الجن على حرب ابن أمية فقتلوه بتلك الحية فقبره أصحابه هنالك حيث لا جار ولا دار ففي ذلك يقول الجان، وقبر حرب بمكان قفر، وليس قرب قبر حرب قبر، وذكر بعضهم أنه كان يتفرس في بعض الأحيان في لغات الحيوانات فكان يمر في السفر على الطير فيقول لأصحابه، إن هذا يقول كذا وكذا فيقولون، لا نعلم صدق ما يقول حتى مروا على قطيع غنم قد انقطعت منه شاة ، ومعها ولدها فالتفتت إليه فثغت كأنها تستحثه فقال أتدرون ما تقول له ؟ قالوا لا، قال إنها تقول أسرع بنا لا يجيء الذئب فيأكلك كما أكل الذئب أخاك عام أول، فأسرعوا حتى سألوا الراعي، هل أكل له الذئب عام أول حملا بتلك البقعة ؟ فقال، نعم، قال ومر يوما على بعير عليه امرأة راكبة وهو يرفع رأسه إليها ويرغو، فقال إنه يقول لها إنك رحلتني، وفي الحداجة مخيط، فأنزلوا تلك المرأة، وحلوا ذلك الرحل فاذا فيه مخيط كما قال. 


وذكر ابن السكيت أن أمية بن أبي الصلت بينما هو يشرب يوما إذ نعب غراب، فقال له، بفيك التراب مرتين، فقيل له ما يقول ؟ فقال إنه، يقول إنك تشرب هذا الكأس الذي في يدك، ثم تتكئ فتموت، ثم نعب الغراب، فقال إنه يقول، وآية ذلك أني أنزل على هذه المزبلة فآكل منها فيعلق عظم في حلقي فأموت، ثم نزل الغراب على تلك المزبلة فأكل شيئا فعلق في حلقه عظم فمات، فقال أمية، أما هذا فقد صدق في نفسه، ولكن سأنظر هل صدق في أم لا، ثم شرب ذلك الكأس الذي في يده ثم اتكأ فمات، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مهدي عن الثوري عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد، ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم، وقد قال الشريد، كنت ردفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ؟ 


قلت نعم، قال "فأنشدني " فأنشدته بيتا فلم يزل يقول كلما أنشدته، بيتا إيه حتى أنشدته مائة بيت، قال ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، وسكت، وهكذا رواه مسلم، وعن عمرو بن نافع عن الشريد الهمداني، قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فبينا أنا أمشي ذات يوم إذا وقع ناقة خلفي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الشريد ؟ فقلت نعم، قال ألا أحملك ؟ قلت، بلى وما بي من إعياء ولا لغوب، ولكني أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ فحملني، فقال " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت ؟ قلت نعم، قال هات، فأنشدته، وقال أظنه قال مائة بيت، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدق أمية في شيء من شعره فقال، رجل وثور تحت رجل يمينه، والنسر للأخرى وليث مرصد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" صدق" وقال والشمس تبدو كل آخر ليلة حمراء. 


ويصبح لونها يتورد تأبى فما تطلع لنا في رسلها، إلا معذبة وإلا تجلد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق " وفي رواية أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال إن الشمس لا تطلع حتى ينخسها سبعون ألف ملك يقولون لها اطلعي اطلعي فتقول، لا أطلع على قوم يعبدونني، من دون الله فإذا همت بالطلوع أتاها شيطان يريد أن يثبطها فتطلع بين قرنيه وتحرقه فإذا تضيفت للغروب غربت على السجود لله عز وجل، فيأتيها شيطان يريد أن يثبطها عن السجود فتغرب من قرنيه وتحرقه أورده ابن عساكر مطولا، ومن شعره في حملة العرش، فمن حامل إحدى قوائم عرشه، ولولا إله الخلق كلوا وبلدوا قيام على الأقدام عانون تحته، فرائصهم من شدة الخوف ترعد، رواه ابن عساكر، وقد روي عن الأصمعي أنه كان ينشد من شعر أمية فيقول، مجدوا الله فهو للمجد أهل، ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس.


وسوى فوق السماء سريرا شرجعا لا يناله بصر العين، ترى دونه الملائك صورا، ثم يقول الأصمعي، الملائك جمع ملك والصور جمع أصور وهو المائل، العنق، وهؤلاء حملة العرش، ومن شعر أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان التيمي فيقول، أأذكر حاجتي أم قد كفاني، حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع، لك الحسب المهذب والسناء كريم لا يغيره صباح، عن الخلق الجميل ولا مساء يباري الريح مكرمة وجودا، إذا ما الكلب أحجره الشتاء وأرضك أرض مكرمة بنتها، بنو تيم وأنت لها سماء إذا أثنى عليك المرء يوما، كفاه من تعرضه الثناء، وكان له فيه مدائح أخر، وقد كان عبد الله بن جدعان هذا من الكرماء الأجواد الممدحين المشهورين وكان له جفنة يأكل الراكب منها وهو على بعيره، من عرض حافتها وكثرة طعامها وكان يملأها لباب البر يلبك بالشهد والسمن وكان يعتق الرقاب، ويعين على النوائب. 


وقد سألت السيده عائشة رضى الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم، أينفعه ذلك فقال "إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" وكان أيضا من شعر أمية بن أبى الصلت البديع، لا ينكتون الأرض عند سؤالهم، كتطلب العلات بالعيدان بل يسفرون وجوههم فترى لها، عند السؤال كأحسن الألوان وإذا المقل أقام وسط رحالهم، ردوه رب صواهل وقيان وإذا دعوتهم لكل ملمة، سدوا شعاع الشمس بالفرسان، وقد توفي أمية بن أبى الصلت بالسنة الخامسة من الهجرة, ويروى أنه لما أتاه مرض الموت قال " قد دنا أجلي، وهذه المرضة مني، وأنا أعلم أن الحنيفية حق، ولكن الشك يداخلني في محمد " فأغمي عليه وأفاق وأخذ يقول" لبيك لبيكا،هأنذا لديكا لا مال يفديني، ولا عشيرة تنجيني" .


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة