إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع أمية بن أبى الصلت وقد توقفنا عندما قال ورقه بن نوفل للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول الله، وليوشك أن تؤمر بالقتال وأنا حى لأقاتلن معك" فمات ورقة، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر" وقد ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه لما سُئل عن ورقة قال " أبصرته في بطنان الجنة عليه سندس" ويقول ابن القيم الجوزية في زاد المعاد " وأسلم القس ورقة بن نوفل، وتمنى أن يكون جذعا إذ يخرج رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم قومه" وفي جامع الترمذي أن رسول الإسلام رآه في هيئة حسنة، وفي حديث آخر أنه رآه في ثياب بيض، وكان ورقة بن نوفل أول من بشَّر السيده خديجة بنت خويلد بنبوَّة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما أخبرته بما حدث أثناء سفر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
مع ميسرة بتجارتها إلى الشام، وما كان من أمر السحابة التي كانت تظله حتى دخل مكة، قال لها "لئن كان هذا حقا يا خديجة، فإن محمدا لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي يُنتظر هذا زمانه" ولم يمض شهر أو أقل أو أكثر قليلا على هذا الكلام إلا وتزوجت السيدة خديجة بنت خويلد برسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا هو ورقه بن نوفل، وأما عن عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو أحد الحنيفين الأربعة الذين تركوا عبادة الأصنام في الجاهلية قبل البعثة النبوية الشريفه، وهم ورقة بن نوفل وعبيد الله بن جحش وزيد بن عمرو بن نفيل، بالإضافة لعثمان بن حويرث، وقد ذكرهم ابن إسحاق حيث قال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا فإنكم والله ما أنتم على شيء.
فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية، دين إبراهيم، قدم على ابن جفنة ملك الشام لكنه طرده بعد ذلك فانطلق حتى قدم على قيصر، لكن ابن جفنه كاد له ويظن أنه قد سقاه سما فمات، وقيل فى مصدر من المصادر أن عثمان بن الحويرث قد قدم على قيصر، ملك الروم فتنصَّر وحسنت منزلته عنده، وأما عن أميه بن أبى الصلت فقد عايش أمية بن أبي الصلت ظهور دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأخبار أنه التقاه وتحاور معه وسمع منه القرآن الكريم، لكنه أبى أن يسلم، وفي المصادر الإسلامية أن أمية بن أبي الصلت منعه من الإسلام الحقد، وقد روى الحافظ ابن عساكر عن الزهري أنه قال، قال أمية بن أبي الصلت، ألا رسول لنا منا يخبرنا، ما بعد غايتنا من رأس مجرانا، ثم خرج أمية بن أبي الصلت إلى البحرين، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أمية بالبحرين ثماني سنين، ثم قدم الطائف فقال لهم ما يقول محمد بن عبد الله؟
قالوا يزعم أنه نبي، هو الذي كنت تتمنى، قال، فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه فقال له يا ابن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، " أقول إني رسول الله، وأن لا إله إلا هو " قال، إني أريد أن أكلمك فعدني غدا، قال فموعدك غدا، قال، فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي، وتأتيني وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي ذلك شئت" قال فإني آتيك في جماعة، فأت في جماعة، قال، فلما كان الغد غدا أمية في جماعة من قريش، قال، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، معه نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل الكعبة، قال، فبدأ أمية فخطب، ثم سجع، ثم أنشد الشعر، حتى إذا فرغ الشعر قال، أجبني يا ابن عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم "يس، والقرآن الحكيم " حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال فتبعته قريش يقولون، ما تقول يا أمية؟
قال أشهد أنه على الحق، فقالوا له هل تتبعه؟ قال، حتى أنظر في أمره، قال ثم خرج أمية إلى الشام، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما قتل أهل بدر، قدم أمية من الشام حتى نزل بدرا، ثم ترحل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قائل، يا أبا الصلت ما تريد؟ قال أريد محمدا، قال، وما تصنع؟ قال أؤمن به، وألقي إليه مقاليد هذا الأمر، قال، أتدري من في القليب؟ قال، لا، قال فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وهما ابنا خالك، وأمه ربيعة بنت عبد شمس، قال، فجدع أذني ناقته، وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول، ما ذا ببدر وأخذ ينادى على الموتى، ثم رجع إلى مكة والطائف وترك الإسلام، وقد روي عن سعيد بن المسيب قال" قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة وكانت ذات لب وعقل وجمال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بها معجبا فقال لها ذات يوم، يا فارعة هل تحفظين من شعر أخيك شيئا ؟ فقالت نعم، وأعجب منه ما قد رأيت، قالت كان أخي في سفر فلما انصرف بدأ بي فدخل علي فرقد على سريري وأنا أخلق أديما في يدي، إذ أقبل طائران أبيضان أو كالطيرين أبيضين فوقع على الكوة أحدهما ودخل الآخر فوقع عليه فشق الواقع عليه ما بين قصه إلى عانته، ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه فقال له الطائر الآخر، أوعى؟ قال، وعى، قال، أزكا ؟ قال، أبى، ثم رد القلب إلى مكانه فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين ثم، ذهبا فلما رأيت ذلك دنوت منه فحركته فقلت، هل تجد شيئا ؟ قال، لا إلا توهينا في جسدي، وقد كنت ارتعبت مما رأيت، فقال، مالي أراك مرتاعة ؟ قالت، فأخبرته الخبر فقال، خير أريد بي ثم صرف عني، ثم أنشأ يقول، باتت همومي تسري طوارقها أكف عيني والدمع سابقها.
مما أتاني من اليقين ولم أوت براة يقص ناطقها، أم من تلظى عليه واقدة النار محيط بهم سرادقها، أم أسكن الجنة التي وعد الأبرار مصفوفة نمارقها، لا يستوي المنزلان ثم ولا الأعمال لا تستوي طرائقها، هما فريقان فرقة تدخل الجنة حفت بهم حدائقها، وفرقة منهم قد أدخلت النار فساءتهم مرافقها، تعاهدت هذه القلوب إذا همت بخير عاقت عوائقها، وصدها للشقاء عن طلب الجنة دنيا الله ماحقها، عبد دعا نفسه فعاتبها يعلم أن البصير رامقها، ما رغبة النفس في الحياة وإن تحيا قليلا فالموت لاحقها، يوشك من فر من منيته يوما على غرة يوافقها، من لم يمت عبطة يمت هرما للموت كأس والمرء ذائقها، وقالت، ثم انصرف إلى رحله فلم يلبث إلا يسيرا حتى طعن في جنازته فأتاني الخبر فانصرفت إليه فوجدته منعوشا قد سجي عليه فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف ورفع صوته، وقال، لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما، لا ذو مال فيفديني، ولا ذو أهل فتحميني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق