إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع عبد الله بن عمرو بن العاص وقد وقفنا عندما قيل أن عبد الله بن عمرو قال في قوله تعالى فى سورة الأعراف ( واتل عليهم نبأ الذى أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) هو أميه بن أبى الصلت، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنه قال " من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى ذكر شهرا، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فواقا، قال: فقال رجل: كيف يكون هذا والله تعالى يقول فى سورة النساء ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ) فقال عبد الله بن عمرو " أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى فى سورة الأعراف.
( وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس، وقد روى عبد الله بن عمرو، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: فعن عبد الله بن عمرو، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر من نهى الله عنه " وعن عبد الله بن عمرو، أن رجلاً سأل الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : أى الإسلام خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " وكان عبد الله قد جمع ما كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيفة سماها الصادقة، وكان حريصا على أن تبقى معه أشد الحرص، وقد قال التابعي الجليل مجاهد: دخلت على عبد الله بن عمرو.
فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنع عليّ، فقلت: تمنعني شيئا من كتبك، فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط، وهو بستان له بالطائف، لم أبال ما ضيعت الدنيا، وأما عن قوله " ليس بيني وبينه حد " فهو يبين أن لعبد الله بن عمرو سبقا في التنبه لأهمية الإسناد والمشافهة، وتلك لبِنة هامة في أساس علم الحديث الشريف، ولم يقتصر عبد الله بن عمرو في روايته عما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل روى حديثه كذلك عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وسراقة بن مالك، وأبيه عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي الدرداء، وأبي ذر الغفارى.
وكان يسعى للسماع منهم والاستفادة مما حملوه من حديث وتعلموه من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روي عنه أنه قال: " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل " أى ألف حديث، وقد تعلم عبد الله بن عمرو اللغة السريانية وكان ينظر في كتب الأقدمين، واعتنى بذلك، وقيل إنه أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدّث منهما المعروف والمشهور والمنكور والمردود، وقد روى كثيرا مما ورد فيها عن أخبار أنبياء بني إسرائيل وتاريخ مصر مثل بناء مدينة الإسكندرية، وقد روى أحاديث عبد الله بن عمرو عدد كبير من التابعين أبرزهم من أقاربه حفيده شعيب بن محمد الذي توفي والده في حياة أبيه عبد الله فتربى الحفيد في حجر الجد، وخدمه ولزمه، فأكثر عنه الرواية.
وتوفي شعيب سنة مائه وثمانى عشر من الهجره، بالطائف، وكان ممن حدث عنه من كبار التابعين، هم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والشعبي، وعكرمة وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأمم كثير غيرهم، وكان ذلك في الحرمين والشام ومصر، وبخاصة مواليه وموالي أهله، بل روى عنه عدد من أقرانه من شباب الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، وقالت السيده عائشة رضي الله عنها لعروة بن الزبير " يا ابن أخت، إني قد أُخبِرتُ أن عبد الله بن عمرو حاج في عامه هذا، فالقه، فإنه قد حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة " وكان من أشهر الأحاديث المروية عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حديث الرحمة المسلسل بالأولية.
والذي تداوله طلبة العلم المتزينين برواية الحديث والإجازات، ليكون أول حديث سمعوه من الشيخ أو المحدث، ولذا سمي المسلسل بالأولية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وكان عبد الله يقول كما في صحيح البخاري " لم يكن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فاحشا، ولا متفحشا، وكان يقول " إن من خياركم أحسنكم أخلاقا " وقد روى البخارى ومسلم عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه "ويروي عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما من الأيام لأصحابه.
" كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مَرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه هكذا " فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص : يا رسول الله، بم تأمرني حينئذ؟ قال " تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم " وسأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص: أي المجاهدين أفضل؟ قال: من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل، قال: أنت قلت يا عبد الله بن عمرو؟ أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، ولما توفي كبار الصحابة من الرعيل الأول صارت الفتوى إلى أبناء الصحابة وشبابهم ومنهم عبد الله بن عمرو.
وقد أورد ابن سعد في الطبقات قول زياد بن ميناء: كان عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بجينة مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا، وإن فضل ابن عباس معلوم، ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، له مشهور، وقد شهد ابن عباس لعبد الله بن عمرو، بالعلم والتفقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عكرمة البربري مولى عبد الله بن عباس: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء.
قال عكرمة: فأخبرت ابن عباس بقوله فقال: إن عنده لعلما، ولقد كان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلال والحرام، وقد مدحه من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال سليمان بن الربيع العدوي " لقينا عمر، فقلنا: إن عبد الله بن عمرو حدثنا بكذا وكذا، فقال عمر: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول، قالها ثلاثا " وقد عدّ ابن حزم في كتاب الإحكام لأصول الأحكام عبد الله بن عمرو من المتوسطين من الصحابة فيما روي عنهم من الفتاوى، ومن فقه عبد الله بن عمرو أن رجلا أتاه فقال: إنى أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا عند بيت المقدس، فقال: أتركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا، قال: فارجع فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق