السبت، 3 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عمرو بن العاص ( الجزء الخامس )



إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الخامس مع عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد شهد عبد الله بن عمرو بن العاص مع أبيه فتح الشام، وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك فى السنة الثالثه عشر من الهجره،  وقد تنقل عبد الله بن عمرو بعد المدينة في الشام وبيت المقدس ومصر، وشارك مكرها في معركة صفين بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين معاوية بن أبى سفيان، وكانت مشاركته على كره منه وبإلزام من والده، ولذا كان يعتذر عن ذلك ويود أنه لو كان حجرا جلمودا ولم يشارك فيها، وكان يقول: ما لي ولصفين؟ ما لي ولقتال المسلمين؟ لوددت أني مت قبله بعشر سنين، أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، وما رجل أجهد مني من رجل لم يفعل شيئا من ذلك، كانت بيده الراية فقدم الناس منزلة أو منزلتين.

 


ويقال إنه لما اتفق علي بن أبى طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، على التحكيم وقد جرى ذكر عبد الله بن عمرو فيمن جرى ذكره من الصحابة الصالحين لقيادة الأمة بدلا من المختلفين الإمام علي ومعاوية، وهذا إن صح فيدل على أنه وصل إلى مقام مشهور بين المسلمين من العلم والاجتهاد والثقة بدينه ورأيه، وقد كان عبد الله بن عمرو يرى أنه أخطأ في القتال مع معاوية ولا يتردد في تبيان ذلك رغم أنه كان في جانبه، فقد كان عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار بن ياسر رضي الله عنهما، كل واحد يقول: أنا قتلته، وهو يطلب بذلك الجائزة، فقال عبد الله بن عمرو " ليطب أحدكما به نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن عمار بن ياسر: " تقتله الفئة الباغية، بشِّر قاتل عمار بالنار " 


فلما رأى ذلك معاوية أقبل على عبد الله بن عمرو فقال: ما يدعوك إلى هذا؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولا، فأحببت أن أقوله، فقال معاوية: يا عمرو ألا ترد عنا مجنونك، فما بالك كنت معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أطع أباك ما دام حيا، فأنا معكم، ولست أقاتل، وفي سنة واحد وأربعين من الهجره، استقل معاوية بالخلافة بعد نزول الحسن له عنها، وسمي ذلك العام عام الجماعة، فولى معاوية على الكوفة عبد الله بن عمرو بن العاص، فأتاه المغيرة بن شعبة متنصحا، وقال: عمرو بمصر وابنه بالكوفة، فأنت بين فكي الأسد، فعزل معاوية حينئذ عبد الله بن عمرو بن العاص، عن الكوفة، وولاها المغيرة بن شعبة، ولم يدخل عبد الله الكوفة.

 


وقيل أن عبد الله بن عمرو، قد استقر بمصر بعد ولاية والده لها عام ثمانى وثلاثين من الهجره، وبث فيها علمه وتبع أهلها فتواه، وذلك أنه كان فيها لما توفى والده يوم الفطر من سنة ثلاثه وأربعين من الهجره، وحضر احتضاره، وقام بتجهيزه ودفنه بالمقطم ثم صلى بالناس العيد، وولاه معاوية مصرا بعد وفاة أبيه فوليها إلى سنة سبعه وأربعين من الهجره، وقد ورث عبد الله من أبيه قناطير مقنطرة من الذهب، فكان من أثرياء الصحابة، وكان له بستان عنب بالطائف يسمى الوهط، وقد تكلف على عرائشه ألف ألف درهم، وكانت أكوام زبيبه أشبه بالتلال، ولكن ثروته كانت في خدمة الناس ومعونتهم، فقد زاره في أكثر من مناسبة بعض الصالحين الزهاد فهالهم ما رأوا من مظاهر ثرائه، وهو المعروف بشدة تواضعه. 


وقد كان عبد الله بن عمرو، ميالا للمساكين لا يمل من الصدقة عليهم والإحسان إليهم، وكان يقول: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة، أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يمينا وشمالا، وكان عبد الله بن عمرو يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث المشهور في إنصاف الضعيف " لا تقدّس أمة لا يقضى فيها بالحق، ويأخذ الضعيف حقه من القوي غير متعتع " وقد مرّ عبد الله بن عمرو بن العاص بالمقبرة، فلما نظر إليها نزل، فصلى ركعتين، فقيل له: هذا شيء لم تكن تصنعه، فقال: ذكرت أهل القبور، وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله عز وجل بهما، وفي سنة ستين من الهجره، توفي معاوية بن أبى سفيان. 


رضي الله عنه في دمشق، وكان قد استخلف ابنه يزيد بن معاويه، وكان والي مصر مَسلمة بن مُخلد وهو الصحابي الأنصاري، فجاء الكتاب بذلك إلى مصر ومسلمة في الإسكندرية واستخلف على مصر عابس بن سعيد، وأقره يزيد بن معاويه، في الكتاب على مصر، وطلب منه أخذ البيعة له، فندب مسلمة عابسا وكتب إليه من الإسكندرية بذلك، فطلب عابس أهل مصر وبايع ليزيد فبايعه الجند والناس إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فدعا عابس بالنار ليحرق عليه بابه، فحينئذ بايع عبد الله بن عمرو ليزيد على كره منه، وقيل أنه كان عبد الله بن عمرو رجلا طوالا عظيم البطن أبيض الرأس واللحية، يعتم بعمامة حرقانية ويرخيها شبرا أو أقل من شبر، وكفّ بصره في آخر حياته، وتزوج بعمرة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. 


وله منها ولده الكبير محمد بن عبد الله، وقد توفي عبد الله بن عمرو في مصر في الخامس عشر من شهرجمادى الآخرة من عام خمسه وستين من الهجره، وجاءت وفاته في يوم قتل الوالي الأموي المعين الأكدر بن حمام اللخمى، وكان ممن شاركوا في قتل عثمان رضي الله عنه، فشغب عليه جنده، فلم يُستطع أن يخرج بجنازة عبد الله بن عمرو إلى المقبرة، فدفن في داره رضي الله عنه، وقد قيل أنه تزوج عبد الله بن عمرو زوجتين له منهما أربعة أولاد وثلاث من البنات منهن ابنته أم عثمان، التي تزوجها سلم بن زياد بن أبيه، وقد ولاه يزيد على خراسان وسجستان فى عام واحد وستين من الهجره، وكان عمره أربعه وعشرين عاما، فعبر النهر مع زوجته فكانت أول امرأة من العرب قطع بها النهر، وولدت هناك ولدا أسموه صُغدى. 


وهو على اسم جبل هناك، وفتح سلم سمرقند، وكان عادلا عاقلا سخيا، وقيل أنه لم يحب أهل خراسان أميرا قط حبهم سلم بن زياد، فسُمّي في السنين التي كان بها بينهم أكثر من عشرين ألف مولود بسلم، وتوفي سنة ثلاثه وسبعين من الهجره، بالبصرة، وفيه يقول يزيد: عتبت على سلم فلما فقدته، وجربت أقواما بكيت على سلم، وكان عبد الله بن عمرو من بناته أم عبد الله التي تزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وهو والد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وكان ولي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وواليه على مصر، الذي توفي بمصر سنة خمسه وثمانين من الهجره، وكان لعبد الله بن عمرو كلمات قيمة في تهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق، فقد قال رضي الله عنه " مَن سُئل عما لا يَدري فقال: لا أدري. 


فقد أَحرز نصف العلم " وقال: أربع خلال إن أُعطيتهن فلا يضرك ما عدل به من الدنيا: حسن خليقة، وعفاف طعمة، وصدق حديث، وحفظ أمانة " وقد قال أيضا " النوم على ثلاثة أوجه، نوم خُرق، ونوم خَلق، ونوم حُمق " فأما النوم الخُرق فنومة الضحى حيث يقضي الناس حوائجهم وهو نائم، وأما النوم الخلق فنوم القائلة وهو نصف النهار، وأما نوم الحمق فنوم حين تحضر الصلاة، وقد سأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: وإن لي خادما، قال: فأنت من الملوك " وفد قال التابعي المفسر الإمام مجاهد بن جبر كان عبد الله بن عمرو بن العاص يضرب فسطاطه في الحلّ. 


ويجعل مصلاه في الحرم، فقيل له: لم تفعل ذلك؟ قال " لأن الذنوب في الحرم أشد منها في الحل " وعن عبد الرحمن بن البيلماني قال: التقى كعب الأحبار وعبد الله بن عمرو فقال كعب: أتطيّر يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: فما تقول؟ قال: أقول اللهم لاطير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا رب غيرك ولا حول ولا قوة إلا بك، فقال: أنت أفقه العرب، إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت " وقد روى البخارى ومسلم قصة عبد الله بن عمرو مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في نهيه عن مواظبة قيام الليل وصيام النهار وأمره بصيام يوم بعد يوم، وبقراءة القرآن فى كل ثلاث، وهو مشهور، وفي بعض طرقه أنه لما كبر كان يقول: يا ليتني كنت قبلت رخصةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة