إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء السادس مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا فى الحديث مع والد عبد الله وهو العباس بن عبد المطلب، فكان هو عديل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لأن زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هى السيده ميمونة بنت الحارث وهى أخت زوجته السيده لبابة الكبرى بنت الحارث، وكان العباس بن عبد المطلب كانت أمه هي السيده أم ضرار نتيلة بنت جناب النمرية، وقد ولد في مكة المكرمة قبل عام الفيل بثلاث سنين وهو عام سته وخمسين قبل الهجره النبويه الشريفه، وقد كانت له عمارة البيت الحرام والسقاية في الجاهلية، وقد شهد قبل أن يسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيعة العقبة، ليشدد له العقد، وقد شهد غزوة بدر مع قبيلة قريش مُكرها فأسر ففدا نفسه ثم رجع إلى مكة.
وقد قيل أنه أسلم قبل عام الفتح بقليل، وقيل أنه أسلم وبقي في مكة، ولقد كان أبو العباس ممن ثبت في غزوة حنين مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يعظمه ويكرمه بعد إسلامه وقال فيه " إن الله تعالى اتخذنى خليلا، كما اتخذ ابراهيم خليلا، ومنزلى ومنزل إبراهيم فى الجنه تجاهين، ةالعباس بن عبد المطلب مؤمن بين خليلين " وإن عباس وآل بيت العباس من أهل النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من الذين حرمت عليهم الصدقة، وقد توفي العباس بن عبد المطلب، في خلافة عثمان بن عفان في المدينة المنورة فى العام الثانى والثلاثين من الهجره وكان عمره ثمانى وثمانين سنه، ودفن في بقيع الغرقد، وكان العباس أسن من الرسول صلى الله عليه وسلم، بثلاثة سنين "
فعن أبى رزين قال، قيل للعباس رضى الله عنه، أنت أكبر، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال هو أكبر منى وأنا ولدت قبله " وقد قيل أن العباس بن عبد المطلب ضاع وهو صغير، فنذرت أمه السيده نتيلة بنت جناب إن وجدته أن تكسو البيت الحرام أى الكعبه بالحرير والديباج وأصناف الكسوة، فوجدته ووفت بنذرها فكانت أول من فعل هذا، وكان العباس في الجاهلية رئيسا وسيدا في قريش وله عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، وقد قال ابن الأثير " وأما عمارة المسجد الحرام فإنه كان لا يدع أحدا يسب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرا لا يستطيعون لذلك امتناعا، لأن ملأ قريش كانوا قد اجتمعوا وتعاقدوا عَلَى ذلك، فكانوا له أعوانا عليه " وقد تولى عبد المطلب بن هاشم السقاية بعد أن حفر زمزم.
ثم انتقلت بعده إلى ولده أبو طالب، وقد أملق أبو طالب بعض السنين، أى افتقر، فاستدان من أخيه العباس عشرة آلاف درهم إلى الموسم التالي، فأنفقها أبو طالب على الحجيج ذلك العام فيما يتعلق بالسقاية، وفي العام الذي يليه لم يكن مع أبي طالب شيء، فقال لأخيه العباس " أسلفني أربعة عشر ألفا أيضا إلى العام المقبل لأعطيك جميع مالك، فقال له العباس " بشرط إن لم تعطني تترك السقاية لأكفلها؟ فقال نعم " فلما أتى العام التالي لم يكن مع أبي طالب شيء ليعطيه لأخيه العباس فترك له السقاية، ثم انتقلت من بعده لولده عبد الله بن عباس، واستمر ذلك في بني العباس إلى زمن السفاح، ثم ترك بنو العباس ذلك بعد توليهم الخلاقة، وانتقلت بعد ذلك إلى آل الزبير الذين كانت تعهد اليهم من قبل العباسيين.
ولاتزال السقاية في عقبه ويعرفون اليوم بآل عباس الهاشميين المكيين ويتوارثون حصص في السقاية المعروفة اليوم بمكتب الزمازمة الموحد، وأما عن عبد الله بن عباس، فقد كان ابن عباس مستشارا لعمر بن الخطاب في خلافته على صغر سنة، وكان يُلقبه بفتى الكهول، وقد شهد ابن عباس فتح إفريقية سنة سبعه وعشرين من الهجره، مع ابن أبي السرح، وهو أبو يحيى عبد الله بن سعد بن أبي السرح وهو صحابي وقائد عسكري وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة وهو والي مصر في عهد خلافته وهو فاتح إفريقية وهزم الروم في معركة ذات الصواري وشارك في فتح مصر حيث كان صاحب الميمنة في جيش عمرو بن العاص, وكان فارس بني عامر بن لؤي المعدود فيهم وروى للنبي صلى الله عليه وسلم، عدة أحاديث.
وكما أنه أخ الصحابي وهب بن سعد الذي كان أحد شهداء غزوة مؤتة، وقد غزا إبن الله بن عباس، طبرستان مع سعيد بن العاص في سنة ثلاثين من الهجره، وتولى إمامة الحج سنة خمسه وثلاثين من الهجره، وكان ذلك بأمر من عثمان بن عفان، وقد شهد مع الإمام علي بن أبي طالب موقعة الجمل ووقعة صفين، وكان أميرا على الميسرة، ثم شهد مع علي قتال الخوارج في النهروان، وأرسله علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان، وولاه علي على البصرة، من سنة سته وثلاثين من الهجره، حتى سنة تسعه وثلاثين من الهجره، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي، وأما عن الحرورية، فهى فرقة اٍسلامية ظهرت واشتد أمرها في عهد الإمام علي بن أبي طالب.
وقد سموا الحرورية نسبة إلى بلدة حروراء في الكوفة وكانت مركز خروجهم، على الإمام علي بن أبي طالب، رضى الله عنه، وأما أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني فهو كان من سادات التابعين وأعيانهم وفقهائهم وشعرائهم ومحدِثيهم ومن الدهاة حاضري الجواب وهو كذلك عالم نحوي وأول واضع لعلم النحو في اللغة العربية وقد شكّل أحرف المصحف، وضع النقاط على الأحرف العربية بأمر من الإمام علي بن أبي طالب، وِلد قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد آمن به لكنه لم يره فهو معدود في طبقات التابعين وصَحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي ولاه إمارة البصرة في خلافته، وقد شهد معه وقعة صفين والجمل ومحاربة الخوارج، ويُلقب بِلقب ملك النحو لوضعه علم النحو.
فهو أول من ضبط قواعد النحو، فوضع باب الفاعل، المفعول به، المضاف وحروف النصب والرفع والجر والجزم، وكانت مساهماته في تأسيس النحو الأساس الذي تكوَّن منه لاحقا المذهب البصري في النحو، وقد وصفه الذهبي في ترجمته له في كتابه سير أعلام النبلاء، بقوله " كان من وجوه شيعة علي، ومن أكملهم عقلا ورأيا، وكان معدودا في الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والدهاة، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصُلع الأشراف " ولما أخذت البيعة ليزيد بن معاويه، في حياة والده معاوية بن أبى سفيان فقد امتنع ابن عباس عن مبايعته، وبعد وفاة معاوية كان ابن عباس يرى عدم خروج الحسين إلى الكوفة، ونصحه بعدم الخروج عدة مرات.
وبعد وفاة الحسين ثم يزيد اعتزل ابن عباس الناس مع محمد بن الحنفية، ولم يبايع عبد الله بن الزبير، ولا مروان بن الحكم، وكفَّ بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها سنة ثمانى وستين من الهجره، وعمره إحدى وسبعون سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية، هو أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، وأمه هى السيده خولة بنت جعفر الحنفية، فينسب إليها تمييزا عن أخويه الحسن والحسين، ويكنى أبا القاسم، حيث أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لولد من علي بن أبي طالب أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته، وقد ولد في خلافة عمر بن الخطاب سنة إحدى وعشرين للهجرة، وهو أحد الأبطال الأشداء، وكان ورعا واسع العلم، وثقة له عدة أحاديث في الصحيحين، وكان قائدا كبيرا من قادة المعارك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق