إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا مع الرجل الأنصارى الذى كان مع إبن عباس وهو يسأل الصحابة الكرام، وقد قال بن عباس، أنه عاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول "هذا الفتى كان أعقل مني" وكان بن عباس يلزم كبارالصحابة ويسألهم عن غزوات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وما نزل فيها من القرآن، وكان يسأل عن الأمر الواحد من ثلاثين من الصحابة، وكان يذهب خاصةً لأبي بن كعب، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وكان في البداية يتردد أن يسأل عمر بن الخطاب من هيبته، فيذكر أنه تردد أن يسأله عن آية سنة " مكثت سنه أريد أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما استطيع أن أسأله هيبة له.
حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأرض لحاجة له، فوقفت له حتى فرغ، ثم سرت معه، فقلت " يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرا على النبى صلى الله عليه وسلم، من أزواجه، فقال " تلك حفصه وعائشه " فقلت " والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنه فما أستطيع هيبة لك " قال عمر " فلا تفعل، ما ظننت أن عندى من علم فاسألنى، فإن كان لى علم خبرتك به " ولقد كان لابن عباس مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، ومدح معاصروه طريقته في الخطابة والأخذ بقلوب وعقول مستمعيه، فيقول صعصعة بن صوحان "إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف، وترك المراء،
ومقارنة اللئيم، وما يعتذر منه"، وكان ابن عباس يجلس يوما ما يذكر فيه إلا الفقه، ويوما ما يذكر فيه إلا التأويل، ويوما ما يذكر فيه إلا المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولقد كان ابن عباس يقوم بالفتوى في عهد عمر وعثمان، وكان عمر وعثمان يدعوان ابن عباس إلى مجلسهما مع أهل بدر فيستشيرانه، فكان من فقهاء الصحابة، وأجد العبادلة الأربعة الذين كان عليهم مدار العلم والفتيا والرواية لتأخر وفاتهم، وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة أكثر من مائه وثلاثون صحابي ما بين رجل وامرأة، وجعل منهم المكثرين والمقلين، وأما المكثرون فسبعة وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس.
وعبد الله بن عمر، حتى صار ابن عباس مرجعا للصحابة إذا اختلفوا في الفقه، ويقول طاووس بن كيسان عن بن عباس "إني رأيت سبعين من الصحابة إذا تماروا في شيء صاروا إلى قوله" وقال مجاهد بن جبر عن بن عباس "ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس" وعن عكرمة مولى ابن عباس يقول " سمعت معاويه يقول لى، مولاك والله أفقه من مات ومن عاش " وأمّا عن منهج عبد الله بن عباس في الفقه، فكان إذا سُئل فإن، كان من القرآن أخبر به، وإن لم يجد جوابا من القرآن أخبر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يجد جوابا من السنة، أخبر من قول أبي بكر، ثم قول عمر، فإن لم يجد، قال برأيه، وكان يأخذ بالرخص إذا وُجدت لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم، الأخذ بها، وكان لإبن عباس العديد من الآراء الفقهية.
في العديد من أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والمواريث وغيرها من الأبواب، ومن أشهر مسائله التي أفتى بها، مخالفته لعمر بن الخطاب في إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وفتواه بأن ملامسة المرأة دون الجماع لا توجب الوضوء، وفتواه بعدم جواز أكل المُحرم لصيد البر سواء اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره، وهناك بعض الفتاوى التي أفتاها ثم تراجع عنها بعدما أخبره أحد الصحابة أو إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة السيده عائشة رضى الله عنها بغيرها، ولقد كان عبد الله أبوه العباس بن عبد المطلب هو عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك فإنه يلتقي في نسبه مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في عبد المطلب بن هاشم، وكان عبد الله أمه هى السيده أم الفضل بنت الحارث المعروفة.
باسم لبابه الكبرى الهلالية بن حزن بن البجير بن الهُزَم بن رُؤَيْبَة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمه بن خصفة بن قَيس بن عَيلان بن مُضر، وكانت هي أخت السيده ميمونة بنت الحارث زوجة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهى أيضا أخت أم المؤمنين وزوجة الرسول صلى الله عليه وسلم، السيده زينب بنت خزيمة، وهي أيضا أخت الصحابية لبابة الصغرى والدة خالد بن الوليد وهي أيضا أخت الصحابية المهاجرة أسماء بنت عميس التي تزوجت الصحابي جعفر بن أبي طالب وأنجبت منه عدة صحابة مثل عبد الله بن جعفر وعون ومحمد بن جعفر بن أبي طالب ثم تزوجت أبو بكر الصديق فأنجبت منه محمد بن أبي بكر ثم تزوجت علي بن أبي طالب.
وأنجبت منه يحيى ومحمد الأصغر وأيضا هي أيضا أخت سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب، وهي التي ضربت أبا لهب بعمود، فشجته، حين رأته يضرب أبا رافع مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، في حجرة زمزم بمكة، على أثر وقعة بدر، وكان موت أبي لهب بعد ضربة أم الفضل له بسبع ليال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يزورها، حينا شكّ الناس في صيام النبي صلى الله عليه وسلم، يوم عرفة، فقد أرسلت له قدحا من لبن فشرب منه في هذا الموقف، فعرفوا أنه لم يكن صائما، وقد قال ابن سعد " أم الفضل أول امرأة آمنت بعد خديجة، وروت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنها ابناها: عبد الله، وتمام، وعمير بن الحارث مولاها، وكريب مولى ابنها، وعبد الله بن عباس.
وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وآخرون، وقد أخرج الزبير بن بكار وغيره من طريق إبراهيم بن عقبة عن كريب عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " الأخوات الأربع مؤمنات، أم الفضل وميمونة وأسماء وسلمى " فأما ميمونة فهي أم المؤمنين وهي شقيقة أم الفضل وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما وهما بنتا عميس الخثعمية، وقد كان عبد الله بن عباس كنيته أبو العباس، وكان إخوته تسعة إخوة من أبيه حسب أغلب المصادر، وهم: الفضل، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وكثير، والحارث، وعون وتمام، وكان أصغرهم تمّام، وعبد الله هو الأكبر من تمّام مباشرة، فكان العبَاس يقول" تمَّوا بتمَّامٍ فصاروا عشرة يا رب فاجعلهم كرامًا بررة " وكان له من الأخوات ثلاثة، هن: صفية، أميمة، أم كلثوم.
ويقال لها أم حبيب، وقد لازم عبد الله بن عباس النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، قائلا " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وقال صلى الله عليه وسلم، أيضا « اللهم علمه الكتاب، اللهم علمه الحكمة " وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمره ثلاث عشرة سنة، فكان يفسّر القرآن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لقبوه بحّبر الأمة وترجمان القرآن، والحبر والبحر، وأما عن أبو عبد الله فكان والده هو العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي أو عباس بن عبد المطلب ويُكنى بأبي الفضل، وهو صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثاني من أسلم من أعمامه العشرة إذ لم يسلم منهم سواه وحمزة بن عبد المطلب، وكما أنه عديل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق