إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع البحر وحبر الأمه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، وقد وقفنا مع مشاركة عبد الله بن عباس، غزوة حنين، وقد أعجبت كثرة الجيش وعدّته وعتاده المسلمين ووصلوا بثقتهم بالجيش إلى حد الغرور وقد قال بعض المسلمين لن نغلب اليوم من قلّة، وإن غزوة حنين هي من الأحداث التي تلت صلح الحديبية، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة، وفتح مكة، وقد جرت هذه الغزوة في فترة ازدهار وانتشار الإسلام في داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث كان صلح الحديبية هو السبب في هذا الازدهار والانتشار لهذا الدين، فقد تفرغ الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، خلال مدة هذا الصلح إلى الدعوة ومراسلة الملوك في داخل الجزيرة العربية وخارجها، وقد وقعت غزوة حنين بالتحديد في شهر شوال.
من السنة الثامنة للهجرة، وقد بدأت القصة بعد فتح مكة المكرمة، واستسلام العديد من القبائل في الجزيرة العربية، وتسليمها بالأمر الواقع، إلا بعض القبائل القوية مثل قبيلة هوازن وثقيف ونصر وجشم، وقبائل سعد بن بكر، فما رضيت هذه القبائل بالإستسلام والخضوع، فتحالف من تحالف معها، وقررت إعلان الحرب على المسلمين، وكان قائدهم في هذه الحرب هو مالك بن عوف النصري، وهو شاب في الثلاثين من عمره، وأما عن غزوة الطائف والتى شهدها عبد الله بن عباس، فهي غزوة وقعت في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وكانت بين اثنى عشر ألف مقاتل من قوات المسلمين بقيادة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقبيلة ثقيف و قبيلة هوازن، وهدفت الغزوة إلى فتح الطائف والقضاء على قوات ثقيف وهوازن.
الهاربة من غزوة حنين، وإن عزوة الطائف هي امتداد لغزوة حنين وذلك أن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع قائدهم مالك بن عوف النصري وتحصنوا بها فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد فراغه من حنين، وعندما وصل المسلمون إلى الطائف عسكروا هناك وقضوا عدة أيام على اختلاف الروايات فى هذه الواقعه، وفرضوا الحصار عليهم، خلال الحصار رماهم أهل الحصن رميا شديدا حتى قُتل اثنا عشر من المسلمين، فأشار الحُباب بن المنذر أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم السهام، وبالفعل عسكر الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في مكان بعيد، ولكنه ما زال يحاصر الطائف، وقد قام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بعمل أكثر من طريقة لضرب هذا الحصار.
فقد قام سلمان الفارسي بصناعة منجنيق، لقذف حصون الطائف بالحجارة، وصنعوا دبابةً خشبية كان يختبئ تحتها الجنود، ليصلوا إلى القلاع والحصون دون أن تصيبهم السهام، وبدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذي صنعه سلمان الفارسى، وسار المسلمون تحت الدبابة الخشبية، وبالفعل كسروا جزءا من السور، وكاد المسلمون يدخلون داخل أسوار الطائف، لولا أن أهل الطائف فاجئوا المسلمين بإلقاء الحَسك الشائك المُحمَّى في النار، وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى احمرّت فألقوها على المسلمين، ويُروى عن بن عباس رضى الله عنهما، أن ابن عباس كان سخيًا، فعندما شكا أبو أيوب الأنصاري أن عليه دينا، قدم البصرة ونزل في دار ابن عباس، وكان ابن عباس والي البصرة حينئذ.
فقال له ابن عباس " يا أبا أيوب أريد أن أخرج لك عن مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أهله فخرجوا وأعطاه كل شيء، أغلق عليه الدار، فلما كان انطلاقه قال: حاجتك؟ قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي وكان عطاؤه أربعة آلاف فأضعفها له خمس مرات فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا " وقيل أنه ذات مرة جاءه سائل فقال له ابن عباس " أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟" قال: نعم، قال "وتصوم رمضان؟" قال: نعم، قال "سألت وللسائل حق إنه لحق علينا أن نصلك" فأعطاه ثوبا ثم قال: سمعت رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يقول "ما من مسلمٍ كسا مُسلما ثوبا إلا كان في حفظ الله ما دام عليه منه خرقة " وكان ابن عباس كثير العبادة.
ويقول ابن أبي مليكة " صحبت ابن عباس من المدينه إلى مكه، ومن مكه إلى المدينه، فكان يصلى ركعتين، وكان يقوم شطر الليل يكثر والله فى ذلكم التسبيح " وكان يُرتل القرآن حرفا حرفا، ويُكثر من النشيج والنحيب، عن أبي رجاء، قال: " رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء " وكان يصوم الاثنين والخميس " وفي كبره سقط في عينيه الماء فذهب بصره، فأتاه بعض الأطباء فقالوا: خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما، ولكنك تمكث خمسة أيام لا تصلي، قال: لا والله ولا ركعة واحدة، إني حُدّثت أنه من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي الله وهو عليه غضبان، وقد أثنى العديد من الصحابة على عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، فكان عمر بن الخطاب إذا ذكره قال " ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول،
وقلب عقول" وفي رواية يقول عمر " ذاكم كهل الفتيان" وقال عنه عبد الله بن مسعود: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس" وقال أيضا "لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا رجل" أى زماننا، وقال عنه سعد بن أبي وقاص "ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا أكبر لبا، ولا أكثر علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، وحوله أهل بدر من المهاجرين والأنصار فيتحدث ابن عباس، ولا يجاوز عمر قوله " وقال عنه ابن عمر: هو أعلم الناس بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم " ويوم وفاته قال محمد بن الحنفية " اليوم مات رباني العلم" وكما أثنى عليه العديد من التابعين من تلاميذه وممن عاصروه، فقال عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة "ما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه؟
من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ابن عباس، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير القرآن ولا حساب ولا فريضة منه، ولقد كان عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قَط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما" وقال الأعمش " كان بن عباس إذا رأيته قلت، أجمل الناس، فإذا تكلم قلت، أفصح الناس، فإذا حدث قلت، أعلم الناس " وقال مجاهد " كان ابن عباس إذا فسر الشيء رأيت عليه نورا " وقال عنه عطاء بن أبي رباح "ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، ولا أعظم جفنة ولا أكثر علما، أصحاب القرآن في ناحية، وأصحاب الفقه في ناحية، وأصحاب الشعر في ناحية.
وكان يوردهم في واد رحب" وبعد وفاة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أخذ ابن عباس يطلب العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، فيقول " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير، فقال "يا عجبا لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم؟" فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول "يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟" فأقول "لا، أنا أحق أن آتيك" فأساله عن الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق