الاثنين، 26 أكتوبر 2020

الدكرورى يكتب عن الملك نبوخذ نصر (الجزء الرابع)


إعداد / محمـــد الدكـــرورى


ونكمل الجزء الرابع مع الملك نبوخذ نصر، وقد توقفنا مع  مدينة بابل، وقد تأسست بابل كدولة مستقلة على يد زعيم عموري يدعى سومو أبوم، واستمرت لأكثر من قرن بعد تأسيسها دولة صغيرة وضعيفة نسبيا، وخضعت لسيطرة الدول المجاورة مثل إيسن ولارسا وآشور وعيلام، ولكن الملك حمورابي حوَّل بابل إلى قوة عظمى وغزا بلاد ما بين النهرين وما يحيط بها، مؤسسا الإمبراطورية البابلية الأولى، وقد استمرت سلالة حمورابي بقيادة الإمبراطورية بعد وفاته لقرن ونصف تقريبا، لكن الإمبراطورية البابلية انهارت بسرعة بعد ذلك وعادت بابل مرة أخرى دولة صغيرة ضعيفة، حيث سقطت بابل على يد الملك الحيثي مورسيلي الأول، وبعد ذلك سيطر الكاشيون على بابل وحكموها لمدة خمسة قرون تقريبا قبل أن يعزلهم حكام بابل الأصليين الذين استمروا في حكم بقايا دولة بابل، وقد تكوَّن سكان بابل في الفترة البابلية الوسطى من مجموعتين رئيسيتين.


وهم البابليون الأصليون وهم يتألفون من أحفاد السومريين والأكاديين والعموريين والكاشيين، بالإضافة إلى رجال القبائل الذين وصلوا مؤخرا مثل الآراميين والكلدانيين، وبحلول القرن الثامن قبل الميلاد فقدت المجموعات البابلية الأصلية هويتها وثقافتها القديمة واندمجت في ثقافة بابلية جديدة موحدة، وأصبح الكلدانيون على الرغم من احتفاظهم بعادتهم القبلية وطريقة حياتهم أكثر تحضرا وميلا لطريقة العيش البابلية، إذ اعتمد العديد من الكلدان أسماء بابلية، وأصبح هؤلاء الكلدانيون البابليون لاعبين مهمين في الحياة السياسية البابلية، وبحلول عام سبعنائه وثلاثين قبل الميلاد، كانت جميع القبائل الكلدانية الرئيسية قد خرج منها ملك بابليّ واحد على الأقل، وكان القرنان التاسع والثامن قبل الميلاد كارثيان للمملكة البابلية، حيث فشل العديد من الملوك الضعفاء الذين تعاقبوا على الحكم في السيطرة على المجموعات المختلفة التي تشكل المجتمع البابلي. 


أو فشلوا في هزيمة المنافسين، أو فشلوا في الحفاظ على الطرق التجارية المهمة، وقد دفع هذا الانهيار في نهاية المطاف الجارة الشمالية القوية لبابل، وهى الإمبراطورية الآشورية الحديثة التي يتحدث شعبها الأكاديّة أيضا، إلى التدخل عسكريا، ودمجوا بابل في إمبراطوريتها وقد أشعل هذا الغزو الآشوري كفاحا بابليا استمر لأكثر من قرن من أجل الاستقلال عن آشور، وعلى الرغم من أن الآشوريين دمجوا بابل في إمبراطوريتهم، واستخدموا لقب ملك بابل بالإضافة إلى لقب ملك آشور، فإن السيطرة الآشورية على بابل لم تكن مستقرة أو مستمرة تماما، وشهد الحكم الآشوري العديد من الثورات البابلية الفاشلة، وأما عن نبوخذ نصر فقيل بأنه قام بإسقاط مدينة أورشليم وهى القدس، مرتين فى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، إذ قام بسبي سكان أورشليم وأنهى حكم سلالة داود، وأما عن سلالة داود، فهى تلفظ باللغة العبرية ملخوت بيت داود والتي تعني ذرية داود.


والذين خلفوه في الحُكم من الملك سليمان وثم سلالة حكم مملكة يهوذا إلى آخر ملك منهم وهو الملك صدقيا والتي انتهت حكمها في القرن الخامس قبل الميلاد، بعد أن أسقطها البابليين وكانت عاصمتها أورشليم وخرج من هذه السلالة يسوع بحسب العهد الجديد في الكتاب المقدس، وتأسست الملكية اليهودية من سلالة داود، وانتهت بخلع صدقيا آخر ملوكهم، وقد كانت مدة حكم هذه السلاله فى الأرض خمسمائه وتسع سنين، وكما ذكر أن الملك نبوخذ نصر كان مسؤولا عن بناء عدة أعمال عمرانية في بابل مثل الجنائن المعلقة ومعبد إيتيمينانكي وبوابة عشتار، وأما عن حدائق بابل المعلقة فهى إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وهي العجيبة الوحيدة التي يُظن بأنها أسطورة، ويُزعم بأنها بنيت في المدينة القديمة بابل وموقعها الحالي قريب من مدينة الحلة بمحافظة بابل، العراق، وهي أول تجربة للزراعة العامودية في التاريخ. 


وقد قيل أن الوصف التاريخي للحدائق، ظاهر وبقوة في قصر سنحاريب في نينوى، وهو الملك الآشوري الذي عاش قبل نبوخذ نصر بمائة عام، حيث وصف في الرقيم قصرا لا يضاهيه قصر، كما أن كتاباته تصف طريقة زراعة الأشجار على الرواق المسقوف مثلما وردت في وصف حدائق بابل تماما، وكان الملك سنحاريب قد أورد في هذا الرقيم معلومات مفصلة عن أعماله وعن المدينة وعن قصره وعن الحدائق ووصفها بأنها مكونة من أنواع مختلفة من الشجيرات والنباتات التي تشكل سياجا حول القصور، مدونا باللغة المسمارية القديمة، وحدائق بابل المعلقة ليست هي المبنى المميز الوحيد الذي كان موجودا في بابل، لقد كان هنالك أسوار للمدينة ومبنى المسلة التي نسبت إلى الملكة سميراميس أيضا من عجائب المدينة، ولقد نسبت حدائق بابل المعلقة إلى الملك البابلي نبوخذنصر الثاني، وذكر بأن سبب بنائها هو إرضاء زوجته ملكة بابل. 


والتي كانت ابنة أحد قادة الجيوش التي تحالفت مع أبيه، والذي بذل الجهد الكبير في قهر الآشوريين، وكانت تدعى اميتس الميدونية، والتي افتقدت المعيشة في تلال بلاد فارس وكانت تكره العيش في أرض بابل المسطحة، لذلك قرر نبوخذنصر أن يسكنها في مبنى فوق تل مصنوعة بأيدي الرجال، وعلى شكل حدائق بها تراسات، وقد بلغت مساحة الحدائق حوالي اكثر من أربعة عشر ألف مترا مربعا، وكانت على شكل تل وتتكون من طبقات ترتفع الواحدة فوق الأخرى، وهي تشبه المسارح اليونانية، حيث يصل ارتفاع أعلى منصة إلى خمسين ذراعا، وقد بلغت سماكة جدران هذه الحدائق التي زُيّنت بكلفة عالية حوالي اثنين وعشرين قدما، وممراتها كانت بعرض عشر أقدام، وهذه الممرات كانت مغطاة بثلاث طبقات من القصب والقار، وطبقة ثانية من الطوب، والطبقة الثالثة تتألف من الرصاص تمنع تسلل الرطوبة تليها كميات من التراب غرست فيها الأشجار.


***********************


***********************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة