إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع أمية بن أبى الصلت وقد توقفنا عند المعترضين على ما أنزله الله عز وجل (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) أى هلا كان كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير فى أعينهم من القريتين؟ ويقصدون مكه والطائف، وقيل أنهم أرادوا بذلك الكلام الوليد بن المغيرة القرشي، وعروة بن مسعود الثقفي، ورأى بعض من أهل النسب أن ثقيفا قد تكون من بقايا ثمود، وأما عن أميه بنت الصلت، فهو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عزة بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن أبو عثمان، ويُعتبر من فحولة شعراء ثقيف والعرب في العصر الجاهلي، وقد ولد في الطائف، وأمه من قريش، وهي السيده رُفيّة بنت عبد شمس بن عبد مناف، وكان من النساك العرب الذين نبذوا عبادة الأوثان، وقد نشأ بالطائف وكان مُحبا للسفر والترحال، فاتصل بالفرس في اليمن.
وسمع منهم قصصهم وأخبارهم، ورحل إلى الشام في رحلات تجارية وقصد الكهان والقسيسين والأحبار وسمع وعظهم وأحاديثهم، وكان كثير الاطلاع على كتب الأديان والكتب القديمة فاطلع على التوراة والانجيل كما أنه كان كثير الاختلاف والتردد على الكنائس ورجال الدين، وكان مُهتما بيوم البعث والحساب والجنة والنار فكان يكثر من ذكرها بأشعاره وأسجاعه، وكان أحد رؤوس الحنفاء في الجزيرة العربية المنادين بتوحيد الخالق ونبذ الأوثان وما دون الله، والحنيفية قبل الإسلام كانت مدرسة ناشئة تجديدية تأثرت باليهودية والنصرانية وأدركت الوضع السيء لحال العرب الديني الجاهلي، فالتجأت إلى التوحيد والأمر بالارتقاء العقلي والأخلاقي والثقافة والتعلم، غير أن الأحناف لم تكن لهم عقيدة معينة فكانوا يختلفون باآراءهم ويجتمعون على التوحيد ورقي التفكير، وأمية بن أبي الصلت يُعد أشهر هؤلاء الأحناف مع قس بن ساعدة .
وورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث، وغيرهم، وأما عن قس بن ساعدة، فكان شاعر وحكيم من حكماء العرب قبل الإسلام، وهو قس بن ساعدة بن حُذافة بن زفر بن إياد، وقيل هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك بن ايدعان بن النمر بن وائلة بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد، وقيل أن أدباء العرب ذكروا أن ابن ساعدة كان نصرانيا وأنه أسقف كعبة نجران بينما قيل ببطلان ذلك ويذكر أنه لم يكن له صلة بنجران ويرجِح أنه من الحنيفية، وتنسب إلى قس بن ساعدة أفعال عديدة، وأقوال كثيرة شعرا وسجعا ونثرا، كعديدين من حكماء العرب، ومما ينسب إليه، قيل أنه خطب في الناس فقال "يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور "
وقد أقسم قس قسما حقا لئن كان في الأمر رضى ليكونن بعده سخط ، إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا ؟ وقيل أنه أول من خطب متكئا على عصا وهو أول من كتب"من فلان إلى فلان" وأول من قال "أما بعد" وأول من قال "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنكر" كما قال في خطبته في سوق عكاظ " أيها الناس، اسمعوا وعوا، وإذا سمعتم شيئا فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، وإن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا؟ تبا لأرباب الغافلة والأمم الخالية والقرون الماضية" وينسب الرواة كذلك إلى قس بن ساعدة حكما كثيرة منها إذا خاصمت فاعدل.
وإذا قلت فاصدق، ولا تستودعن سرك أحدا، فإنك إن فعلت لم تزل وجلا، وكان بالخيار، إن جنى عليك كنت أهلا لذلك، وإن وفي لك كان الممدوح دونك، وكن عف العيلة مشترك الغنى تسد قومك من عيرك شيئا ففيه مثله، ومن ظلمك وجد من يظلمه، وإذا نهيت عن الشيء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولا وإن كان حازما، ولا جائعا وإن كان فهما، ولا مذعورا وإن كان ناصحا، فكان هذا هو قس بن ساعده، وأما عن ورقة بن نوفل الأسدي القرشي، فهو شخصية تاريخية، وقد رد ذكره في أكثر من مؤلف عند مؤرخين مسلمين ونقل عنهم مسيحيون، وقد اتفق معظمها أنه كان يقرأ التوراة والإنجيل، وكان حنيفيا موحدا، في عصر ما قبل الإسلام أى فى الجاهلية، وتقول روايات أنه كان يهوديا وروايات اخرى تقول انه كان نصرانيا، وكان بعد نزول الوحي على النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، استدعي ورقة بن نوفل لبيت السيده خديجة بنت خويلد.
فأقر للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، بالنبوة وقال له "هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى" ثم لم ينشب ورقة إلى أن توفي خلال بدايات ظهور دين الإسلام، وهو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم السيده خديجة بنت خويلد، زوجة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أن والده نوفل بن أسد هو أخ والدها خويلد بن أسد، وقيل أنه كانت فيهم أي العرب الملة الحنيفية الإسلامية، والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو من بني عدى، ومما يدل على اعتناق ورقة للتوحيد قوله لبعض أصحابه الذين رفضوا عبادة الأصنام" تعلمون، والله ما قومكم على دين، ولقد أخطأوا الحجة، وتركوا دين إبراهيم ما حجر تطيفون به؟ لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين " ومن هذا النص يتضح لنا أن ورقة كان على دين الخليل إبراهيم عليه السلام.
ويدعو أصحابه أن يُثنوا أقوامهم عن عبادة الأصنام، وقد عُرف عن ورقة وبعض أصحابه أنهم يبحثون عن الحق دائما، ويشغلهم التفكر في أمور الدين، لذا فقد خرج ورقة ذات يوم هو وزيد بن عمرو بن نفيل، ليسألا عن الدين، ورد في مسند الطياليسي، أنه خرج ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو بن نفيل، من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال من بيت إبراهيم، قال وما تلتمس ؟ قال ألتمس الدين، قال ارجع، فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك، وعن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال ورقة بن نوفل لمحمد "أبشر ثم أبشر، ثم أبشر، فإنى أشهد أنك الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد، فأنا أشهد أنك أنت أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول الله، وليوشك أن تؤمر بالقتال وأنا حى لأقاتلن معك" فمات ورقة، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق